أماني السراني سفيرة الصم بالحرمين. لقب حصلت عليه أماني السراني. ففي أقدس بقاع الأرض، تمكنت سيدة سعودية، من مواليد الثمانينيات، من تحويل إعاقتها إلى جسر للتواصل بين آلاف الصم في بيت الله الحرام. بإرادة صلبة ودعم أسري. خاضت رحلة طويلة من التعلّم الذاتي.
أتقنت خلالها لغة الإشارة العربية بطلاقة، واتقنت اللغتين الدولية والتركية. في حين لم يقتصر دورها على الترجمة فحسب. بل تطور ليشمل تصميم وتنفيذ برامج متكاملة. لاستقبال ورعاية الحجاج والمعتمرين الصم. منذ لحظة وصولهم إلى المطار. مرورًا بتأمين السكن والمواصلات المناسبة. ووصولاً إلى تسهيل أدائهم للمناسك بلغة مفهومة وميسرة.
أماني السراني سفيرة الإنسانية في السعودية
حازت أماني السراني على لقب « سفيرة الإنسانية» بالمملكة تقديرًا لعطائها المتواصل، في حين تسعى حاليًا، من خلال خبراتها الميدانية الغنية، إلى الدفع نحو تطوير برامج تدريبية منهجية للمترجمين، وتبني مبادرات تقنية لتعزيز تجربة الزائر الصم، في هذا الحوار تحكي أماني لــ «جسور» قصة النجاح، وتفتح ملف خدمة ذوي الإعاقة السمعية في المشاعر المقدسة، وتكشف عن التحديات، والرؤى المستقبلية، وتتحدث عن أعمق المواقف الإنسانية التي صادفتها في رحلتها.
تواصلي وأنا طفلة كان يعتمد على قراءة الشفاه.. ووالدي شكّل شخصيتي
كيف تعرّفين نفسكِ في ضوء مسيرتكِ كسفيرة للإنسانية ومسؤولة عن الصم بالحرمين؟
أنا أماني عائض السراني، من مواليد الثمانينيات، وُلدت لأبوين غير صم، وكان تواصلي معهما يعتمد على قراءة الشفاه منذ صغري، ولم تكن طفولتي عادية، بل مليئة بالمواقف التي شكّلت شخصيتي وساهمت في مسيرتي.
سافرت مع والدي إلى مصر، وكانت هذه الرحلة نقطة تحول كبيرة في حياتي ، فقد كان والدي هو الداعم الأول لي، وحرص على ألا أظل حبيسة المنزل، رافقته في سيارة العمل التابعة للدفاع المدني، وكان دائمًا يحرص على إشراكي في الأنشطة المدرسية، ما منحني ثقة كبيرة بنفسي.

وماذا عن ذكرياتكِ في تلك الفترة؟
أذكر جيدًا دعمه المستمر لمخيم أُقيم داخل مدرستي، وهناك كانت بدايتي الفعلية، حيث بدأت أنسّق الفعاليات وأكتب الخطابات بشكل مستمر، ومن هنا، ازدادت المسؤوليات على عاتقي، تجاه مجتمع الصم بمختلف أنحاء العالم، ومع مرور الوقت، وتزايد مشاركاتي ومبادراتي.
أطلق عليّ الجميع لقب «السفيرة»، وهو لقب أعتز به كثيرًا، لأنه ليس مجرد اسم، بل ثمرة رحلة طويلة من الإصرار والعمل والدعم الأسري الحقيقي، ولا أنسى حب والدي لي واعتزازه بما أقوم به، حتى إنه دائمًا ما يعبر عن رغبته في أن أستمر بجانبه، وألا أبتعد عنهم، تقديرًا منه لمسيرتي، وتمسكًا بحضوري في حياتهم.
ما أبرز الجهود التي تقومين بها لخدمة زوار بيت الله الحرام من الصم؟
للعمل التطوعي نصيب كبير من وقتي وجهدي، تطوعت في مجال ترجمة وتوصيل المعلومات الصحيحة للأحكام الدينية، والنصائح العامة، والتوجيهات والإرشادات، لتمكين الأفراد من فهم الأمور بطريقة صحيحة وواضحة، وكان لهذا الدور أثرٌ بالغ، خصوصًا عند التعامل مع المسلمين الجدد، حيث حرصت على مرافقتهم في الجولات، والتكفّل بالتوضيح والتفسير لهم، بما يتناسب مع خلفياتهم وثقافاتهم المختلفة، مما عزز من اندماجهم وسهّل عليهم طريق الفهم والإيمان بثقة ويقين.
أتولى التنسيق لاختيار سكن ومواصلات تلائم الزائرين الصم
كيف يتم استقبال المعتمرين والحجاج الصم وتسهيل أدائهم للمناسك بلغة الإشارة؟
بدءًا من لحظة وصولهم إلى المطار، أحرص على أن يكون الاستقبال دافئًا يحمل طابع المدينة المنورة، من خلال تقديم الورد المديني وتمر العجوة كرمز ترحيبي أصيل، كما أتولى مسؤولية التنسيق مع المواصلات، واختيار سكن مناسب يلائم احتياجات الزائرين، إلى جانب اختيار اللغة والثقافة المناسبة حسب خلفياتهم، لضمان راحتهم واندماجهم الكامل.
كما أحرص عند وداعهم على تقديم هدايا معرفية وثقافية مثل الكتب والنشرات التوعوية المطبوعة بلغة الإشارة، ونسخ من مصحف القرآن الكريم مخصص للصم، المرخّص من الهيئة العامة للإفتاء، إيمانًا بأهمية التمكين الثقافي والديني لفئة الصم، وتقديم صورة مشرّفة عن القيم الإسلامية والضيافة السعودية.
ما أبرز المواقف الإنسانية أو المؤثرة التي عشتها أثناء عملكِ؟
في عام 2017، وبينما كنت أتابع منشورًا دعويًا من تركيا على منصة «إنستجرام»، لفت انتباهي تعليق من فتاة صمّاء، كتبت بلغة الإشارة تسأل عن الإسلام. تواصلت معها بلطف وسألتها: «لماذا وُلدتِ؟ من خلقكِ؟ كيف تأكلين؟ ومَن يرزقكِ؟».. لم تستطع الإجابة، فقلت لها: «أنتِ جميلة.. مَن خلق هذا الجمال؟ فتأثرت بشدة وبكت»، ومن هنا، بدأت بيننا الصداقة.
وهل استمرت الصداقة؟
استمرت سنة كاملة، كانت تسأل كثيرًا، وأنا أشرح لها بأسلوب بسيط ومحبّب. وفي أحد الأيام، طلبت منها أن تزورني، وقبلت الدعوة. ثم سألتها: «هل ترغبين في الدخول إلى الإسلام؟» فوافقت دون تردد، وتعلمت الصلاة، وأحبت الإسلام، لكنها لم تتمكن من السفر بسبب جائحة كورونا، انتظرنا طويلًا حتى جاءت الفرصة، وزارتني في عام 2021، وبقيت معي 15 يومًا، كانت من أجمل أيامها كما أخبرتني، وبعد عودتها، انقطع الاتصال. وبعد فترة، وصلني خبر صادم أنها توفيت وهي نائمة بسكتة قلبية.. رحمها الله رحمة واسعة، وأسأل الله أن يجعل ما بيننا شاهدًا لها، وأن يجمعنا بها في جنات النعيم.
أماني السراني وسر إتقان لغات الإشارة
هل تستخدمين لغات إشارة دولية ؟
أمتلك أماني السراني مهارات واسعة في لغة الإشارة العربية، بالإضافة إلى إتقاني لغة الإشارة الدولية، ومعرفة جيدة بلغة الإشارة التركية بنسبة تقارب 40٪، إلى جانب إلمام بلغة الإشارة الهندية وقليل من الفرنسية، وهذه المعارف اللغوية تمكنني من التواصل الفعّال مع الزوار من مختلف الجنسيات، وتقديم المعلومات بشكل مباشر وواضح دون الحاجة لمترجم، والتعامل بسلاسة مع المواقف المختلفة خلال الاستقبال والزيارات، والاستعانة الفعّالة بالمترجمين عند الحاجة.
ومع التطور واستخدام التقنية، كنت أستعين بتطبيقات الترجمة عبر الجوال، أما الآن فبحمد الله لم أعد بحاجة إلى مترجم الجوال، بفضل تطويري الذاتي المستمر في اللغات والإشارات.
ما التحديات التي تواجهكم في التواصل مع الصم القادمين من ثقافات ولغات مختلفة؟
صعوبة بعض الإجراءات الإدارية وتأخير تخليص الأوراق الرسمية، مما يستهلك وقتًا وجهدًا إضافيين، إضافة إلى قلة وعي بعض الزوار الصم بطريقة استخدام تطبيق «نسك»، ما يعيق إنجاز بعض الخدمات المهمة مثل الحج والعمرة والتنقل، وندرة وجود إشارات عربية واضحة لبعض المفاهيم الدينية أو الثقافية، مما يستدعي مجهودًا إضافيًا في التفسير والتوضيح، إضافة إل اختلاف الإشارات بين الجنسيات، مما يؤدي إلى طول وقت التواصل، ويحتاج إلى صبر كبير وجهد مضاعف لضمان إيصال المعلومة بشكل صحيح.

كيف تقيّمن دور المملكة في خدمة ذوي الإعاقة، خاصة الصم في الأماكن المقدسة؟
دور رائد تقوم به المملكة العربية السعودية في تقديم خدمات مخصصة لذوي الإعاقة، خاصة في المشاعر المقدسة، فقد لاحظت من خلال مشاركاتي ومتابعاتي أن هناك اهتمامًا متزايدًا بتوفير بيئة ميسّرة وشاملة لهم، ومن أبرز هذه الجهود: توفير سكن واعتكاف مخصص للرجال من ذوي الإعاقة داخل الحرمين، وتقديم خدمات تنقّل وسهولة في الوصول إلى المواقع والمرافق، ووجود توجه تقني حديث يتمثل في توفير شاشات تفاعلية وغيرها من الوسائل الذكية التي تهدف إلى تسهيل التواصل والخدمات لهذه الفئة.
وكيف تنظرين إلى دور المرأة السعودية في المجال الإنساني؟ وكيف انعكس ذلك على تجربتكِ الشخصية؟
كوني امرأة سعودية، أمتلك الحياء والخجل الطبيعي، وهو جزء من شخصيتي وقيمي، ومع ذلك، أتعلم دائمًا التغلب على هذه الصفات عند الحاجة، خصوصًا في المواقف التي تتطلب الحزم والمواجهة، مثل التعامل مع مَن يستغلون بعض النساء من فئة الصم.
من قلب الحرمين الشريفين.. ما رسالتكِ للصم حول العالم؟
أرحب بكل العالم في المملكة العربية السعودية، وأحرص على أن يشعر الزائر وكأنه في بيته الثاني. أؤمن بأهمية استثمار الوقت والجهد في خدمتهم، مع احتساب الأجر عند زيارة الحرمين الشريفين، مما يجعل تجربتهم غنية روحيًا وملهمة.
وما خططكِ المستقبلية لتطوير الخدمات المقدمة للصم؟
لدينا خطط مستقبلية لتسهيل وصول الصم إلى الخدمات والمرافق داخل الحرمين الشريفين. ومن أبرز هذه الخطط : تطوير لغة الإشارة لتكون أكثر وضوحًا وشمولية. مع إضافة إشارات جديدة لمفاهيم دينية وثقافية متنوعة. وتسهيل تنسيق الانتقالات داخل الأماكن المقدسة، لضمان وصول الزوار الصم إلى مختلف المواقع بسهولة وأمان. وأسعى من خلال هذه المبادرات إلى تحسين تجربة الزوار الصم بشكل مستمر، ورفع مستوى الخدمات المقدمة لهم بما يواكب احتياجاتهم الفعلية.


.png)


















































