إنچي عبد المنعم فنانة مصرية تحدت إعاقتها برسوم صغيرة على هوامش كراسة

إنچي عبد المنعم فنانة مصرية تحدت إعاقتها برسوم صغيرة على هوامش كراسة

المحرر: سماح ممدوح حسن - مصر
إنچي عبد المنعم، الفنانة المصرية من ذوي الهمم

وسط عالم بصري سريع التبدّل، تتقاطع فيه الفنون مع التكنولوجيا، وتتشابك فيه الهوية الشخصية مع القدرة على إعادة صياغة الوجود، تظهر تجربة الفنانة المصرية إنچي عبد المنعم كواحدة من أكثر التجارب صدقًا وإلهامًا.

إنجي عبد المنعم ليست مجرد فنانة تشكيلية أو مصممة جرافيك تحمل خبرة أكاديمية، بل شخصية أعادت تعريف القوة عبر الفن، وحوّلت الإعاقة الجسدية ُسلم نحو إمبراطورية إبداعية تتشكّل من الألوان.

تتحدث إنچي إلى منصة «جسور» عن بداية رحلتها حتى صنعت حضورًا لافتًا في المشهد الفني المصري، رغم التحديات المرتبطة بإعاقتها في يدها اليمنى منذ الولادة، لكنها اختارت أن تتعامل مع الألم بوصفه طاقة دفع للأمام.

إنجي مع د. فريد فاضل فى أحد المعارض الدولة
إنچي عبد المنعم مع د. فريد فاضل فى أحد المعارض الدولة

تكشف ملامح رحلتها منذ الطفولة وحتى الوقوف بثبات وسط أربعة معارض فنية، بعضها محلي وبعضها دولي، مؤكدة أن الإبداع الحقيقي لا يعترف بإعاقة، وأن الفنان يُولد من جديد في كل تجربة.

 وجع الولادة وبداية الحكاية

تحكى إنچي عن طبيعة إعاقتها بكل وضوح وثقة، قائلة إنها وُلدت بما يُعرف بـ «ملخ ولادة» أو «إربز بالسي»، وهي إصابة تطال شبكة الأعصاب في الكتف والذراع أثناء الولادة، وتترك أثرًا يلازم الإنسان طوال حياته.

تقول إنچي إن البداية لم تكن حدثًا خاطفًا، بل لحظة ممتدة بدأت مع ما تسميه «أُنس الكراسة»، حين كانت تحوّل هوامش المذاكرة إلى رسوم صغيرة تشبه العالم الذي تحلم به.

غير أن التحول الكبير جاء عندما انتبهت والدتها إلى هذا العالم الموازي، لم تر فيها أمّها طفلة تشتت انتباهها بالرسم، بل رأت بذرة موهبة تستحق أن تُروى، وأن تتحول من رسوم هامشية إلى مسار واضح وممهّد.

كانت الأم، كما تصفها إنچي، البوصلة والداعم الأعظم، وهي التي دفعت بابنتها نحو التخصص، لا كخيار جانبي، بل كطريق حياة.

وتعترف إنچي بأن الدعم الأسري كان جوهر الرحلة، هذا الدعم لم يكن مجرد كلمات تشجيع، بل كان حائطًا من الدعم والثقة والأمان يحول بينها وبين كل إحباط أو نظرة تشكيك، ومع كل خطوة نحو عالم الفن، كان هذا الإيمان يتجذر في داخلها، ليصبح قوة لا تُقاوم.

حين يصبح الجسد مساحة للانتصار

لم يكن الطريق سهلاً، فالفنان يحتاج يديه ليخلق عوالمه، ولأن يدها اليمنى تحمل أثر الإصابة، كانت إنچي مضطرة للتكيّف والتعلّم والرسم بيدها اليسرى، غير أن اللحظة الحاسمة تكشفت في العام الدراسي الأول بالجامعة، حين طُلب منها تنفيذ مشروع حفر على الخشب بمساحة كبيرة 50 × 70 سم.

كان التحدي شاقًا، وكانت المهمة تتطلب قوة يد لا تمتلكها، ورغم ذلك، نفذت العمل، لا من أجل المنافسة، بل بدافع تحقيق رضاها الشخصي، لكن النتيجة فاجأت الجميع بمن فيهم مدرس المادة، الذي اختار عملها ضمن أفضل خمسة مشاريع في الدفعة.

هنا شعرت إنجي أنها بلا إعاقة، وأن الجسد مهما ضاق يمكن أن يتّسع بالطموح، وأن القيد الحقيقي ليس ما نُولد به، بل ما نسمح له أن يتملك وعينا.

انجي مع المخرج أحمد إسماعيل فى أحد معارضها
إنچي عبد المنعم مع المخرج أحمد إسماعيل فى أحد معارضها

تؤكد إنچي أن المجتمع المصري بات أكثر وعيًا بقيمة الفنانين من ذوي الهمم، وترجع ذلك إلى شراكة مهمة بين مؤسسات المجتمع المدني، التي تعمل على إشعال الثقة في نفوس الشباب، وبين المؤسسات الثقافية الحكومية، مثل الهيئة العامة لقصور الثقافة، التي لا تكتفي بدمج الأشخاص بل تدمج إنجازاتهم داخل المشهد الفني.

وتشدد على أن النظرة تغيّرت كثيرًا، لم يعد الفنان ذو الإعاقة يُرى كحالة إنسانية تحتاج العطف، بل كموهبة تحتاج الاعتراف والتقدير.

«لم أشعر بإعاقتي يومًا» انتصار الروح على القيد

بقدر كبير من الصراحة، تقول إنچي، إنها لم تشعر يومًا بإعاقتها بمعناها الحرفي، ورغم التعليقات الصعبة والتجارب الشخصية القاسية، فإنها لم تسمح للحالة الجسدية بأن تستحوذ على وعيها.

بل اختارت أن تعيش حياتها الأكاديمية والفنية كإنسانة طبيعية تمامًا، تعمل وتنافس وتقود وتبدع دون أن تمنح قصور يدها اليمنى مساحة للظهور.

وتضيف أنها وصلت إلى درجة من «الطبيعية المطلقة» جعلت المتعاملين معها لا يلاحظون أي فرق، ولا يشعرون بوجود إعاقة أساسًا، وفقط في اللحظات النادرة التي تتطلب قدرة جسدية لا تمتلكها، تدرك أنها مطالبة بالابتكار والبحث عن طرق بديلة.

لقد أثبتت لها التجربة، كما تقول، أن الإعاقة الحقيقية تسكن الروح، لا الجسد، روحها لم تقبل يومًا أن تكون مقيدة.

الفنانون من ذوي الهمم… ما الذي يحتاجونه؟

ترى إنچي أن أهم ما يحتاجه الفنانون من ذوي الهمم هو أن يُنظر إليهم كفنانين أولًا، قبل أي تصنيف آخر، كما تطالب بإزالة كل الحواجز النفسية والمهنية والمادية التي تحول دون حصولهم على فرص متكافئة داخل الوسط الفني.

ورغم التحسّن الملحوظ، إلا أنها تتمنى أن تتبنى المؤسسات الفنية قناعة راسخة بأن الإعاقة منظور فريد، يمكنه أن يثري المشهد الفني المصري، وأن يتعاملوا مع الفنانين من ذوي الهمم كطاقات إنتاجية مكتملة، وليس كاستثناءات داخل الوسط.

إنجي تحتفل بتكريمها في إحدى الفعاليات

ومن واقع خبرتها الطويلة توجّه إنچي رسالة طويلة وعميقة لأي فنان شاب يخوض طريق الإبداع، وتحثه على ألا يسمح للإعاقة بأن تتسلل إلى طريقة تفكيره، فالموهبة، كما تقول، لا تعرف شروطًا ولا حدودًا.

وتقدم نصائحها للشباب، وتقول:

  • ركّز على تطوير مهاراتك حتى تصل إلى درجة احتراف لا يمكن تجاهلها

  • استخدم تجربتك الحياتية الفريدة كعدسة تمنح أعمالك عمقًا خاصًا

  • اطلب الدعم أو التسهيلات اللازمة بثقة المحترف، لا برجاء المحتاج للشفقة

  • دع أعمالك تتحدث عنك

  • أنت لست موجودًا رغم الصعوبات، أنت موجود لأنك فنان يستحق التقدير

الحلم… بوابة الإلهام

تختتم إنچي عبد المنعم حديثها بأن حلمها الأكبر هو أن تكون قادرة على إلهام الشباب والفنانات المصريات، وأن تقدّم نموذجًا حقيقيًا للإصرار والجمال داخل الفن المصري، حلمها ليس شخصيًا فقط، بل يحمل رغبة في نقل الشعلة لغيرها.

تؤكد أن كل لوحة، وكل معرض، وكل تجربة تعليمية أو عملية، هي فرصة لإعادة صياغة مفهوم الإبداع والمثابرة، إنچي عبد المنعم تقدم مثالًا حيًا على أن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل يمكن أن تكون بداية لعالم ملون من الإنجاز والفن والتميز.

المقالة السابقة
شراكة بين البارالمبية الإماراتية و«ماسترز أبوظبي 2026» لدعم ذوي الهمم 
المقالة التالية
«نشمي».. مبادرة تقنية سعودية تحصد جائزة دولية في تمكين ذوي الإعاقة

وسوم

الإعاقة (3) الاستدامة (33) التحالف الدولي للإعاقة (34) التربية الخاصة (2) التشريعات الوطنية (33) التعاون العربي (33) التعليم (4) التعليم الدامج (4) التمكين الاقتصادي (3) التنمية الاجتماعية (33) التنمية المستدامة (3) التوظيف الدامج (32) الدمج الاجتماعي (31) الدمج الجامعي (3) العدالة الاجتماعية (3) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (31) الكويت (5) المتحف المصري الكبير (4) المجتمع المدني (31) المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (4) المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة (4) الوقائع الإخباري (2) تكافؤ الفرص (32) تمكين (2) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (31) حقوق الإنسان (3) حقوق ذوي الإعاقة (3) دليل الكويت للإعاقة 2025 (30) ذوو الإعاقة (12) ذوو الاحتياجات الخاصة. (31) ذوي الإعاقة (9) ذوي الهمم (5) ريادة الأعمال (33) سياسات الدمج (33) شركاء لتوظيفهم (34) قمة الدوحة 2025 (35) كود البناء (36) لغة الإشارة (2) مؤتمر الأمم المتحدة (36) مبادرة تمكين (3) مجتمع شامل (36) مدرب لغة الإشارة (37) مصر (12) منظمة الصحة العالمية (37) وزارة الشؤون الاجتماعية (2)