أكدت مؤسسات طبية سودانية ارتفاع نسب الإصابة بـ العمى في السودان من 10 بالمئة إلى 30 بالمئة خلال فترة وجيزة، في وقت تشكل فيه المساعدات الإنسانية الكويتية باب أمل أمام كثير من المرضى الذين أثخنت الحرب معاناتهم.
وحسب بيان نشرته وكالة الأنباء الكويتية (كونا) ،تظهر البيانات الطبية أن إعتام عدسة العين «كتاراكت» لا يزال السبب الأكثر شيوعاً لفقدان البصر القابل للعلاج في السودان على الرغم من إمكانية علاجه جراحيا شرط توفر الموارد والبنية التحتية الصحية.
وإلى جانبه تبرز «تراخوما» وهي عدوى بكتيرية مرتبطة بالفقر وسوء الظروف الصحية كعامل مساهم في زيادة نسبة العمى في السودان، رغم أنها تراجعت بشكل ملحوظ في العديد من الدول بفضل برامج الوقاية والقضاء عليها فيما تعد «جلوكوما» – المياه الزرقاء – من الأسباب الرئيسية للعمى غير القابل للعلاج وتفشيها في السودان يعزى إلى غياب الكشف المبكر وضعف التوعية الصحية.
من جانبه قال مدير البرامج والشراكات في صندوق إعانة المرضى الكويتي، الدكتور محمد علي هجو، إن مسوحات ميدانية أظهرت ارتفاعاً في حالات العمى بسبب غياب الخدمات الوقائية، وتوقف جراحات المياه البيضاء، وانقطاع الأدوية الأساسية.
مشيرا إلى أن هذه الأرقام تعني أن آلاف الحالات من المرضى والمصابين كان يمكن إنقاذ بصرهم، لو توافرت الإمكانات، وأضاف أن الصندوق أجرى أكثر من ألف عملية لإزالة المياه البيضاء في أربع ولايات، غير أن الاحتياجات ما تزال تفوق المتاح بكثير.
ويؤكد هجو أن إصابات الحرب باتت عاملاً جديداً، ومتفاقماً في أزمة فقدان البصر، إذ يحرم كثير من المصابين من التدخل الطبي العاجل، الذي قد ينقذ أعينهم ما يفاقم من أعداد حالات العمى الدائم.
الدعم الكويتي يقلل نسبة العمى في السودان رغم الحرب
ووصف قطاع طب العيون بأنه شبه مشلول منذ أكثر من عام بسبب انقطاع الإمدادات ونقص الأدوية والمستلزمات، ما أوقف عمليات منقذة للبصر، وخصوصا وأن الكوادر كانت قليلة قبل الحرب، وهاجر كثير منهم فيما توقف التدريب.
وشدد على أن الكشف المبكر والتوعية الميدانية هما السبيل لاحتواء المياه البيضاء والـ«جلوكوما» داعيا إلى دعم عاجل في الأدوية والتأهيل والتدريب والتوعية.
أكد مدير مستشفى مكة بأم درمان وممثل مؤسسة البصر الخيرية بولاية الخرطوم، الدكتور أمير أبوقرون أن الدعم الدولي والإقليمي والمحلي بات حاسمًا لإنقاذ ما تبقّى من خدمات مكافحة العمى في السودان، في ظل ما خلّفته الحرب من دمار واسع للنظام الصحي.
وأشاد أبوقرون بدور جمعية العون المباشر الكويتية ومركز الملك سلمان للإغاثة السعودي، لما قدّماه من دعم متواصل عبر المخيمات المجانية والأيام العلاجية وتدريب الكوادر رغم استمرار النزاع، مؤكدًا أن هذا الدعم «يصنع الفارق بين العمى والنور لآلاف المرضى».
وأوضح أن بيانات مؤسسة البصر الخيرية تشير إلى تضاعف معدلات العمى إلى 30% خلال العامين الماضيين، نتيجة توقف الخدمات الصحية والنزوح وهجرة الكوادر ونقص الأدوية والمستهلكات.
وبيّن أن الكتاراكت (المياه البيضاء) ما يزال السبب الأول لفقدان البصر في السودان بنسبة تصل إلى 70% من الحالات، تليه أمراض الشبكية المرتبطة بداء السكري ثم الجلوكوما، إضافة إلى اضطرابات أخرى مثل الحول وأخطاء الانكسار وضعف النظر لدى الأطفال.
وأشار أبوقرون إلى أن مؤسسة مكة للبصريات، التي تأسست عام 1993، قدمت خدماتها لأكثر من 1.8 مليون مريض، أي ما يعادل 65% من الجهود الوطنية لمكافحة العمى، وتنفذ عبر شبكتها من المستشفيات نحو 80 عملية جراحية يوميًا، إضافة إلى مخيمات مجانية تعالج 4 آلاف مريض أسبوعيًا.
لماذا ارتفعت نسبة العمى في السودان بعد الحرب؟
وقال إن الحرب تسببت في تدمير نحو 60% من أصول المؤسسة ونهب أجهزتها الطبية، مما أدى إلى توقف خمسة من أصل عشرة مستشفيات، بينها مركز الخرطوم المرجعي. ومع ذلك، تمكنت الكوادر من إعادة تشغيل مستشفى أم درمان جزئيًا في سبتمبر 2024، حيث قدم خدماته لـ 89 ألف مراجع، بينهم 10 آلاف عملية جراحية و28 ألف فحص تشخيصي.
من جانبه، أكد مدير البرنامج القومي لطب وجراحة العيون بوزارة الصحة السودانية الدكتور عاطف عمر أن الوضع الصحي للعيون «سيئ لكنه قابل للتعافي إذا توفر الدعم المطلوب»، مشيرًا إلى أن الوزارة أطلقت خطة طوارئ منذ بداية الحرب لتوفير الأدوية والمستهلكات، بالتعاون مع المؤسسات الخاصة مثل مؤسسة البصر الخيرية.

وأوضح أن الكتاراكت والجلوكوما لا يزالان أبرز مسببات العمى في البلاد، مع تحول خطير في طبيعة الحالات لتصبح أكثر تعقيدًا وشدة بسبب تأخر التشخيص وانقطاع العلاج.
ولفت إلى أن السودان كان يمتلك قبل الحرب 9 مستشفيات حكومية تخصصية للعيون و10 مستشفيات و20 قسمًا عامًا، لكن النزاع عطّل معظمها، حيث توقف مستشفى الخرطوم للعيون كليًا، وتضررت مرافق في أم درمان وود مدني والحصاحيصا.
وأشار إلى أن 20 مركزًا لعلاج الجلوكوما كانت تقدم أدوية مجانية توقفت تمامًا، مما ينذر بارتفاع إضافي في معدلات العمى. ودعا إلى توفير المعدات التشخيصية والأدوية الجراحية وإعادة تشغيل المراكز بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ويرى خبراء إنسانيون أن فقدان البصر في السودان تجاوز كونه أزمة صحية ليصبح قضية تنموية تمس سبل العيش والاستقرار الاجتماعي. ويقول الخبير الإنساني مدني عباس إن «العمى يحول المعيل إلى عبء على أسرته ويضعف القوى العاملة في بلد منهك»، محذرًا من «فقدان جيل كامل لأبصارهم بسبب أمراض يمكن علاجها».
ارتفاع معدلات العمى في السودان يجعلها من بين الدول الأعلى في إفريقيا.
وتشير تقديرات «أطلس الرؤية العالمي» التابع للوكالة الدولية للوقاية من العمى (2020) إلى أن 3 ملايين سوداني يعانون من ضعف البصر، بينهم 210 آلاف فاقدو البصر تمامًا، ما يجعل السودان من الدول الأفريقية الأعلى في معدلات العمى.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فقد تسببت الحرب في تعطل أكثر من 70% من المستشفيات وتوقف نحو 45% من مرافق الرعاية الصحية الأساسية، مما أدى إلى شلل شبه كامل في الخدمات الطبية، في حين كانت المنظمات غير الحكومية تنفذ 56% من عمليات المياه البيضاء قبل الحرب، مقابل 36% للمؤسسات الحكومية و8% فقط للقطاع الخاص.


.png)















































