من الشاشة إلى البرلمان.. هل تجبر الدراما الحكومات على دعم قضايا الإعاقة؟

من الشاشة إلى البرلمان.. هل تجبر الدراما الحكومات على دعم قضايا الإعاقة؟

المحرر: محمود الغول - مصر
الإعاقة من الشاشة

أثار المسلسل المصري «لا تُرد ولا تُستبدل» جدلا واسعا في الأيام الماضية. في الواقع، لم يكن السبب هو القصة الدرامية فحسب. بل كان السبب هو تسليط الضوء على اقتصاديات الألم لدى ذوي الإعاقة.

شاهدنا كيف يمكن لثمن بطارية سماعة أن يهدد استقرار أسرة كاملة. هذا العمل كان مجرد مدخل لفتح ملف أوسع وأعمق بكثير.. الإعاقة من الشاشة لصناع القرار.

لم تعد الدراما مجرد وسيلة للترفيه أو التسلية المسائية. أصبحت الأعمال الفنية وثائق بصرية توضع على طاولات المسؤولين. تاريخيا، غيرت السينما قوانين الأحوال الشخصية كما في فيلم أريد حلا. اليوم، نناقش كيف تنتقل قضايا الإعاقة من الشاشة لصناع القرار. والبرلمان ومؤسسات التشريع. الهدف هو تحويل المشهد الدرامي المؤلم إلى مادة قانونية ملزمة.

الإعاقة من الشاشة لصناع القرار

تناولت السينما المصرية قضايا المكفوفين منذ عقود طويلة. في فيلم «الشموع السوداء»، قدم صالح سليم صورة الكفيف الرومانسية المنعزلة. كان التركيز حينها على العقدة النفسية والشفقة العاطفية. لكن المجتمع لم يتحرك وقتها لتغيير واقع المكفوفين خدميا. ظلت الصورة محصورة في إطار التعاطف دون تمكين.

محمود عبدالعزيز بطل فيلم الكيت كات
محمود عبدالعزيز بطل فيلم الكيت كات

جاء فيلم «الكيت كات» ليحدث زلزالا في مفهوم تناول الإعاقة. قدم الساحر محمود عبد العزيز شخصية الشيخ حسني بعبقرية فذة. لأول مرة، نرى كفيفا يقود دراجة نارية ويسخر من واقعه. كسر الفيلم حاجز القداسة أو الشفقة المعتادة. أكد العمل أن الكفيف إنسان طبيعي يخطئ ويصيب ويحلم.

وبالانتقال للدراما الحديثة، نجد مسلسل «حالة خاصة» نموذجا يحتذى به. ناقش العمل حق المصابين بالتوحد في العمل والقيادة. جسد طه دسوقي شخصية المحامي العبقري الذي يواجه تنمر المجتمع. حسب تقارير نقدية، ساهم المسلسل في تغيير سياسات التوظيف ببعض الشركات. هنا تحققت المعادلة بنقل الملف من الشاشة إلى مكاتب الموارد البشرية.

أزمة الإتاحة في الشوارع

تلعب الكاميرا دورا حيويا في رصد غياب كود الإتاحة. عندما يصور المخرج معاناة بطل مقعد في صعود الرصيف، هو يدين المحليات. في فيلم «أسماء»، ظهرت معاناة المرضى في المواصلات العامة بوضوح. هذه المشاهد البصرية تضغط على المشرع لتعديل أكواد البناء والطرق. بذلك، تصبح الدراما أداة رقابة شعبية فعالة جدا.

وعاد مسلسل لا ترد ولا تستبدل ليفتح ملف أسعار الأجهزة التعويضية. وفقا للسياق الدرامي، الجهاز ليس رفاهية بل هو حياة. عندما يعجز المواطن عن شراء سماعة، فهذه رسالة لوزارة الصحة. تطالب الدراما هنا بتدخل الدولة لضبط الأسعار أو تغطيتها تأمينيا. هذا هو الدور التحريضي الإيجابي للفن لخدمة المجتمع.

وعلى الصعيد العالمي، قدم فيلم CODA درسا بليغا في التأثير. استعان الفيلم بممثلين صم حقيقيين لنقل لغتهم وثقافتهم. فاز الفيلم بالأوسكار وأجبر العالم على احترام لغة الإشارة. بعد عرضه، زاد الإقبال العالمي على تعلم لغة الإشارة بشكل ملحوظ. هذا يؤكد أن الفن الصادق هو أسرع وسيلة لتغيير الشعوب.

الفنان مينا أبو الذهب في مشهد من مسلسل أولاد الشمس
الفنان مينا أبو الذهب في مشهد من مسلسل أولاد الشمس

تحطيم الصور النمطية

عانينا طويلا من تنميط ذوي الهمم في قوالب جامدة. إما الملاك الطاهر الذي لا يخطئ، أو الشخصية الكوميدية الهزلية. أعمال مثل Game of Thrones قدمت تيريون لانستر كقائد سياسي محنك. رغم إعاقته الجسدية (التقزم)، كان عقله يدير ممالك. نحتاج في درامانا العربية لهذا النوع من الشخصيات القيادية والمؤثرة.

وربما ظهر ذلك في مسلسل «ولاد الشمس» الذي عرض في موسم رمضان الماضي. حين رأينا شخصية عبيد، التي قدمها باتقان الممثل الموهوب مينا أبوالدهب. إذ رأيناه يقدم دورا مهما وفاعلا في الأحداث، كشخصية مؤثرة، لا كـ كراكتر لشخص قصير القامة.

قضية أخرى تطرحها الشاشة، وهي حق ذوي الهمم في التمثيل. ظهور الطفلة لين وممثلين آخرين يفتح باب الأمل للآلاف. وفقا لنقاد الفن، الممثل صاحب القضية يكون أصدق في التعبير. يجب أن تتحول الاستعانة بهم من ظاهرة إلى قاعدة ثابتة. هذا يضمن دمجهم في صناعة الترفيه كعناصر فاعلة ومنتجة.

وناقشت مسلسلات مثل «ليه لأ» قضايا التبني والدمج المجتمعي. نحتاج الآن أعمالا تركز على دمج ذوي الهمم في المدارس. رصد الكاميرا لرفض المدارس قبول طفل معاق هو بلاغ للوزارة. تستطيع الدراما أن تشرح للمدرسين والطلاب كيفية التعامل السليم. بذلك، يتحول المسلسل إلى ورشة تدريبية مجانية للمجتمع.

الصحة النفسية لذوي الإعاقة

أغفلت الدراما لفترات طويلة الجانب النفسي لذوي الإعاقة. ركزت فقط على التحدي الجسدي والمادي. مسلسلات حديثة بدأت تغوص في مخاوفهم وأحلامهم وعلاقاتهم العاطفية. من حق المعاق أن يحب ويتزوج ويكون أسرة. طرح هذه القضايا يكسر التابوهات المجتمعية التي تحرمهم من حقوقهم الإنسانية.

نبيلة عبيد قدمت دور المعاقة ذهنيا بحرفية عالية
نبيلة عبيد قدمت دور المعاقة ذهنيا بحرفية عالية

وتعد الإعاقة الذهنية المنطقة الأصعب في التناول الدرامي. فيلم «توت توت» لنبيلة عبيد كان صرخة في وقته. لكن نحتاج اليوم لتناول أكثر عصرية وحقوقية. يجب التركيز على برامج التأهيل واستغلال المهارات بدلا من الشفقة. عرض نماذج ناجحة من أبطال العالم يعطي أملا للأسر.

طالع: الطفلة لين تُبكي الملايين في «لا ترد ولا تستبدل».. عندما تكون الإعاقة نقطة الانطلاق

 وفي مقال للباحث المصري إبراهيم فوزي على موقع مجلة الفراتس. يقول إن الدراما المصرية شهدت تحولا جذريا في معالجة قضايا التنوع العصبي والاضطرابات النفسية. فسابقا، عانى ذوو الإعاقة من التنميط والسخرية أو الحبس في القوالب المأساوية خاصة في الثمانينيات.

لكن الصورة تغيرت الآن نحو التناول الإنساني الواقعي. يستدل الكاتب بمسلسل «نقطة نور» كنموذج عالج الهشاشة النفسية والتوحد الضمني بعمق شديد. تميز هذا العمل بالابتعاد تماما عن الوصم المجتمعي المعتاد.

الرقابة والإعاقة من الشاشة لصناع القرار

من ناحية أخرى، يعد مسلسل «خلي بالك من زيزي» تجربة رائدة في كسر صورة الجنون النمطية. حيث سلط الضوء بوضوح على اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) ومعاناة غير المشخصين. أبرز المسلسل أهمية العلاج النفسي كحق للمريض وليس رفاهية. ساهم ذلك في توعية المجتمع بأن هذه الاضطرابات ليست وصمة عار تستوجب العزل. بل هي حالات إنسانية تحتاج إلى الفهم والدعم المستمر. حسب الباحث نفسه.

وتقع مسؤولية كبيرة على عاتق الرقابة وشركات الإنتاج. إذ يجب مراجعة السيناريوهات لضمان عدم وجود تنمر أو إساءة. على المنتجين تخصيص جزء من أعمالهم لقضايا هذه الفئة. الاستثمار في دراما الوعي هو استثمار في مستقبل الوطن. الجمهور متعطش لرؤية قصص حقيقية تمسه وتمس جيرانه.

لكي تكتمل الرسالة، يجب أن يكون الفن متاحا للجميع. من التناقض أن نناقش قضايا الصم في عمل غير مترجم. يجب فرض الإتاحة الفنية على المنصات والقنوات العارضة. توفير الوصف الصوتي للمكفوفين والترجمة للصم حق أصيل. هكذا نطبق ما ننادي به داخل العمل الفني نفسه.

في الختام، تظل الدراما هي القوة الناعمة الأقوى تأثيرا. نتمنى أن تلتقط الحكومة الخيوط التي يطرحها صناع الفن. رسالة الإعاقة من الشاشة لصناع القرار يجب أن تقرأ بجدية. كل مشهد معاناة على الشاشة هو دعوة لتغيير مادة قانونية. لنعمل معا لتحويل الدراما المؤلمة إلى واقع أكثر عدالة.

المقالة السابقة
«نحو تربية أكثر شمولاً».. جامعة اللاذقية تحتفل باليوم العالمي لذوي الإعاقة
المقالة التالية
السعودية توافق على القواعد الموحدة لتمكين ذوي الإعاقة في دول الخليج