الكيوت تسجل رقما قياسيا.. زراعة الأعضاء في العالم العربي بوابة الخروج من الإعاقة

الكيوت تسجل رقما قياسيا.. زراعة الأعضاء في العالم العربي بوابة الخروج من الإعاقة

المحرر: محمود الغول - مصر
زراعة الأعضاء

يعد الفشل العضوي المزمن أحد أقسى أنواع الإعاقات غير المرئية. في الواقع، تتوقف أجهزة الجسم الحيوية عن العمل بشكل طبيعي. لذلك، يتحول المريض إلى شخص عاجز عن ممارسة حياته. ما يجعل من زراعة الأعضاء الحل الجذري الوحيد لإنهاء هذه المعاناة المستمرة. وهنا نناقش واقع الزراعة عربيا وتجربة السعودية الملهمة.

لا ينظر الأطباء إلى زراعة الأعضاء كعملية جراحية فقط. بل وسيلة فعالة لإلغاء تصنيف المريض كشخص ذي إعاقة. حسب تصنيفات منظمة الصحة العالمية، يسبب الفشل الكلوي أو القلبي عجزا وظيفيا. نتيجة لذلك، يعتمد المريض كليا على الأجهزة الطبية للبقاء حيا. هنا تأتي الزراعة لتعيد للمريض استقلاليته وقدرته الكاملة.

زراعة الأعضاء وترتيب الدول العربية

تشهد الدول العربية تفاوتا ملحوظا في برامج زراعة الأعضاء. وفقا لبيانات المرصد العالمي للتبرع وزراعة الأعضاء، تتصدر دول الخليج القائمة. تحديدا، تحتل السعودية وقطر والكويت مراكز متقدمة في الشرق الأوسط. في المقابل، تواجه دول أخرى تحديات تشريعية ولوجستية كبيرة. مع ذلك، هناك سعي حثيث لتطوير المنظومات الصحية في المنطقة.

وتحتل المملكة العربية السعودية المركز الأول عربيا في مجال التبرع والزراعة. حسب تقارير المركز السعودي لزراعة الأعضاء، حققت المملكة قفزات نوعية. في العام الماضي، تجاوزت نسب العمليات الناجحة المعدلات العالمية المعروفة. بناء على ذلك، أصبحت الرياض وجهة طبية موثوقة لزراعة الأعضاء المعقدة.

يعد مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث أيقونة عالمية في هذا المجال. حيث أعلن عن تصدره عالميا في عمليات زراعة الكبد. وفقا لما نشرته وكالة الأنباء السعودية، تفوق المستشفى على مراكز أمريكية عريقة. يعكس هذا كفاءة الكوادر الطبية السعودية وقدرتها على إدارة الحالات الصعبة.

طالع: شارلوت تفضح التمييز ضد ذوي متلازمة داون باستبعادهم من زراعة الأعضاء

الجراحة الروبوتية

لم تكتف السعودية بالأرقام التقليدية، بل أدخلت التقنيات الحديثة. استنادا إلى بيانات المستشفى التخصصي، يتم استخدام الروبوت في زراعة الكلى والكبد. وتساعد هذه التقنية في تقليل الألم وتسريع تعافي المريض بعد الجراحة. كما ترفع من دقة العملية وتقلل من المضاعفات الجانبية المحتملة.

سجلت المملكة نجاحا باهرا في إجراء عمليات «الدومينو» المعقدة. هذا الإجراء يتم فيه استبدال كبد مريض بآخر سليم. في الوقت نفسه، يزرع كبد المريض الأول في مريض ثان. بذلك، يتم إنقاذ حياة شخصين في عملية جراحية واحدة. تعد هذه العمليات دليلا على التطور الطبي الهائل في المملكة.

وتقوم فكرة هذه الجراحة (الدومينو) على معادلة طبية ذكية للغاية. في الواقع، كبد المريض الأول يعمل بكفاءة لكنه يحمل خللا وراثيا بسيطا. هذا الخلل يحتاج إلى عقود طويلة جدا ليؤثر على الصحة. لذلك، يزرعه الأطباء لمريض آخر مسن يعاني من فشل كبدي قاتل. بهذه الطريقة، نمنح المريض الثاني حياة جديدة وكبدا فعالا ينقذه فورا. تعتبر هذه المقايضة حلا عبقريا لاستغلال كل عضو متاح لإنقاذ الأرواح.

ويعتمد نجاح برامج الزراعة بشكل أساسي على القوانين الواضحة. في السعودية، توجد فتاوى شرعية وقوانين طبية تنظم التبرع بعد الوفاة الدماغية. ساهم هذا في توفير عدد أكبر من الأعضاء للمرضى المحتاجين. من ناحية أخرى، تعاني دول عربية أخرى من غياب هذا الغطاء التشريعي.

ولعبت التقنية دورا حاسما في تسهيل إجراءات التبرع في السعودية. عبر تطبيق توكلنا، يستطيع أي مواطن تسجيل رغبته في التبرع فورا. أدى هذا إلى ارتفاع كبير في أعداد المسجلين ببرنامج التبرع. في الحقيقة، أصبح المجتمع السعودي أكثر وعيا بأهمية هذا العمل الإنساني.

الكويت ورقم قياسي

لا يقتصر التقدم في الخليج على السعودية فحسب. وفقا للمؤشرات الدولية، تمتلك الكويت برامج متطورة جدا لزراعة الكلى. حيث توفر هذه الدول رعاية طبية فائقة للمتبرعين والمستقبلين. يوجد أيضا تعاون خليجي مشترك لتبادل الأعضاء والخبرات الطبية.

وقال رئيس الجمعية الكويتية لزراعة الأعضاء د.تركي العتيبي: إن دولة الكويت حققت إنجازات رائدة في مجال زراعة الأعضاء. مشيرا إلى تسجيل رقم قياسي في عمليات زراعة الكلى خلال عام 2024 . وذلك بنجاح 149 عملية متخصصة. حسب صحيفة الأنباء.

ووفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية فإنه تتم تلبية أقل من 10% فقط من الطلب العالمي على زراعة الأعضاء سنويا. إذ أجريت في عام 2023 نحو 172 ألف عملية زرع أعضاء، فيما تجاوز عدد المرضى المحتاجين حينئذ الـ5ر1 مليون شخص. وهذا يعني أن 9 من كل 10 مرضى لا يحصلون على العضو المطلوب في الوقت المناسب.

وأشار العتيبي إلى أن الفجوة بين عدد المتبرعين بالأعضاء وعدد المرضى على قوائم الانتظار عالميا من أخطر التحديات إذ تؤدي إلى وفاة الآلاف منهم سنويا.

وفي سياق آخر، تواجه مصر ودول المغرب العربي تحديات مختلفة في هذا الملف. رغم وجود كفاءات طبية عالية، إلا أن زراعة الأعضاء من المتوفين محدودة. يعود ذلك إلى غياب التفعيل الكامل لقوانين الموت الدماغي. لكن توجد تحركات برلمانية ومجتمعية مؤخرا لتغيير هذا الواقع.

المركز السعودي لزراعة الأعضاء
المركز السعودي لزراعة الأعضاء

الأثر الاقتصادي في ملف زراعة الأعضاء

تعتبر الزراعة خيارا أوفر اقتصاديا للدول من العلاجات المستمرة. حسب دراسات اقتصاديات الصحة، تكلفة الغسيل الكلوي تفوق تكلفة الزراعة. لذا، توفر الدول المتقدمة في الزراعة ميزانيات ضخمة على المدى الطويل. يعد هذا استثمارا ذكيا في صحة الإنسان وموارد الدولة.

والهدف الأسمى من الزراعة هو دمج المريض في المجتمع مجددا. بعد العملية، يستطيع الشخص العودة لعمله ودراسته وممارسة الرياضة. بمعنى آخر، يخرج المريض من دائرة الإعاقة والبطالة القسرية. يصبح فردا منتجا يساهم في بناء وطنه بدلا من الاعتماد عليه.

وقد طبقت بعض الدول العربية نظام التبرع التبادلي بين الأسر المختلفة. يحدث هذا عندما لا تتطابق فصيلة دم المريض مع متبرعه القريب. فيتم تبادل المتبرعين بين أسرتين لضمان توافق الأنسجة للجميع. حل هذا النظام مشكلة كبيرة كانت تواجه العديد من المرضى.

ولا يمكن إغفال دور الإعلام في تعزيز ثقافة التبرع. من الضروري تسليط الضوء على قصص النجاح للمتعافين بعد الزراعة. يجب أيضا تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الموت الدماغي وسلامة المتبرع. هكذا نبني مجتمعا داعما ومشاركا في إنقاذ الأرواح.

القلب الصناعي والزراعة الطبيعية

في حالات الفشل القلبي، تكون الزراعة هي الأمل الوحيد. نجحت مراكز سعودية في زراعة قلوب لمرضى كانوا في حالات حرجة. قبل الزراعة، يعيش هؤلاء المرضى بإعاقة تامة تمنعهم من الحركة. بعد الزراعة، يعود النبض الطبيعي وتعود الحياة إلى مسارها.

في الختام، تثبت الأرقام أن زراعة الأعضاء هي الحل الأمثل لإنهاء الإعاقة. علينا الاقتداء بالتجربة السعودية الناجحة وتعميمها في كافة الدول العربية. فكل عضو يتم التبرع به يعني حياة جديدة لإنسان يائس. لنكن جميعا سببا في إحياء الأنفس وإنهاء الألم.

المقالة السابقة
بموسوعة جينيس.. «زايد لأصحاب الهمم» تسجّل رقمًا قياسيًا عالميًا
المقالة التالية
حماية الأطفال ذوي الإعاقة.. معركة الحقوق في مواجهة العنف ونقص البيانات