من قلب العاصمة بيروت، وبين تحديات الحياة اليومية وعوائق التنقل للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، خصوصًا مستخدمي الكراسي المتحركة، ظهر مشروع Wheelchair Taxi ليصبح نموذجًا ملهمًا للتضامن والتمكين لذوي الإعاقة.
مشروع Wheelchair Taxi، والذي يعني «تاكسي للكراسي المتحركة» ليس مجرد وسيلة نقل، بل جسر حرية لمستخدمي الكراسي المتحركة، يمنحهم حرية واستقلالية في التنقل.
مؤسس مشروع تاكسي الكراسي المتحركة يتحدث لـ جسور
وفي تصريحات لـ «جسور»، كشف شربل دغفل، مؤسس مشروع Wheelchair Taxi عن تجربته الشخصية التي ألهمته فكرة هذا المشروع الإنساني. يقول «كنت أسير على قدماي بشكل طبيعي، لكني تعرضت لحادث كبير ،وأنا في العشرين من عمري، وأصبت بشلل رباعي».
يكمل شربل: بدأت المشروع لخدمة نفسي، بسبب ما واجهته من صعوبات عند ركوب المواصلات العامة. فكلما أردت الذهاب إلى مكان ما، مطعم أو طبيب مثلا، كنت اضطر لاستعمال سيارة عادية، غير مجهزة، مع ضرورة تواجد 3 أو 4 أشخاص كي يستطيعوا حملي إلى داخل السيارة، ومن رحم معانتي الشخصية بدأت البحث عن حل، بدأت بسيارة واحدة، وقمت بتعديلها من الداخل، هنا في لبنان، وفي عام 2010 أحضرت سيارة مجهزة من سويسرا، وكانت أيضا لاستخدامي الشخصي».
ويستطرد شربل دغفل في حديثه لـ جسور، عن بداية الفكرة كمشروع اجتماعي خدمي، وتجاري أيضا، يقول:«فكرة المشروع بشكله الجديد بدأت في 2016، عندما أصيبت والدة صديقتي بالشلل الرباعي، وقتها لم تكن خدمة توصيل مستخدمي الكراسي المتحركة موجودة في لبنان».
Wheelchair Taxi البداية كانت بسيارة واحدة
وعن المشكلات التى واجهت المشروع فى بدايته، يوضح أن أول مشكلة واجهته هي تدبير الأموال لشراء سيارة أخرى، واضطر وقتها لاقتراض الأموال من أحد الأصدقاء، ليصبح مالكا سيارتان لنفس الغرض. الأولى لاستخدامه الشخصي، والأخرى للمشروع، وبدأ شربل الإعلان عن مشروعه بإنشاء صفحة على فيسبوك، عن الخدمة التي يقدمها، باسم Wheelchair Taxi وهذه كانت البداية الحقيقية.
لم يكن شربل يتوقع رد الفعل الإيجابي الذى وجده عند مستخدمي سيارته، فالسيارة حررت قيود مستخدمي الكراسي المتحركة من قيودهم، ولم يعودوا أسرى منازلهم مرة أخري.
يضيف: «بعد أن جرب الكثير من المستخدمين السيارة، وجدوا أنها تحقق لهم الراحة والسهولة في التنقل، فقرروا الخروج من منازلهم ومن عزلتهم، والاختلاط بالناس طوال الوقت، ومن هنا شعرت أن المشروع تحول إلى مسؤولية مجتمعية وعمل إنساني أنا مكلف به، وأعتبرت أن الله هو من سخرني لتنفيذ هذا المشروع. من أجل هؤلاء، فكل سيارات المشروع معدلة فقط لأصحاب الإعاقة الحركية، فنحن لا نخدم إلا المقعدين، بمختلف الأعمار، وأيضا المرضى ممن يعجزون عن السير».

سلامة الراكب من أهم شروط السيارة
ويؤكد شربل في حديثة لـ جسور أن أكثر الأشياء التي حرص عليها في تعديل السيارات، هي أن تحفظ السلامة العامة للراكب، فتم تجهيز السيارات بكابلات خاصة، لتثبيت الكرسي داخل السيارة مع حزام الأمان.
وعن الاجراءات الرسمية والحكومية التى خاضها للحصول على التراخيص الرسمية للمشروع، يقول:«لم نواجه مشكلات، فالقانون في لبنان ساعدنا على تعديل وترخيص السيارات. لكن ما نواجهه هو عدم وجود تمويل، فالمشروع يعتمد على التمويل الشخصي، ونحن نحتاج عمل صيانات دورية للسيارات، واستئجار كراج تبيت فيه، ومرتبات للسائقين، والتأمين عليهم، وهكذا».
وتابع: «لدينا 4 سيارات، تغطي جميع المناطق في العاصمة بيروت، وتنقل كل مستخدمي الكراسي المتحركة، بالتأكيد ليست كافية لتغطية كل المستخدمين، فنحن بحاجة لعشرة إلى خمس عشرة سيارة، لكن تكلفتها باهظة، ومع ذلك، نسير سياراتنا، ونطور خدمتنا خطوة بخطوة، وقررنا أن نضم سيارة جديدة كل عام أو اثنين. لكن بسبب الأوضاع في لبنان، والأزمات المتكررة، لم نستطع تحقيق هذه الخطوة، لذا نبحث عن مؤسسة أو منظمة تساعدنا على توسيع المشروع».

مستخدمو الكراسي المتحركة صاروا أحرارا
يحكي شربل كيف أثر المشروع على حياة المستخدمين، يقول: «غيرت الخدمة حياة المستخدمين كليًا، بمجرد اتصال المستخدم بنا نعطيه موعدًا ليسطيع التنقل إلى أي مكان يريده، وفي أي وقت، لم يعد مقيدًا، صار حرًا، ونحن ننشر دائمًا أرقام وتطبيقات التواصل التي يستطيع العميل من خلالها التواصل معنا، نحن حاضرون دائمًا على وسائل التواصل الاجتماعي لأنها الأسهل، والجميع يستعملها، ويمكن للجميع التواصل معنا على أرقامنا وقنواتنا بسهولة».
وشدد شربل على ضرورة تعديل البنية التحتية في لبنان، لتكون أكثر ملاءمة لخدمة ذوي الإعاقة، مثل تجهيز الأرصفة في الشوارع والمساكن والأماكن العامة والحدائق والشواطئ والفنادق، ليتمكن ذوي الإعاقة الحركية من التنقل بسهولة وأمان، فتحسين البنية التحتية سيحدث فارقًا كبيرًا في حياة المستخدمين، ويجعل كل شيء أفضل.
وأضاف شربل أنه شارك في مؤتمرات ومبادرات وطنية ودولية، تعنى بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يقول:«شاركت في مؤتمر خطوط الدمج في لبنان، من خلال البنية التحتية والمواصلات والتعليم والعمل، وكانت التجربة ثرية ومثمرة، كما أشعر بالفخر والامتنان لمشاركتي بصفتى مؤسس تاكسي الكراسي المتحركة، في إطلاق الميثاق العربي للأشخاص ذوي الإعاقة. بمقر الأمم المتحدة، وقد عكس هذا الحدث التزامنا الجماعي بحقوق المعاقين وكرامتهم، ويؤكد أن أصواتنا مسموعة، وأن بناء مجتمع شامل وعادل هو مسؤولية مشتركة».

تعميم التجربة فى لبنان والبلدان العربية
وعن خططه المستقبلية للمشروع، يؤكد شربل:«نحن نعمل على ألا يظل مشروعنا شركة خاصة بي، نحن نسعى لتعميم المشروع على مستوى الدولة كلها وبشكل رسمي، لكن إلى الآن لم يتجاوب معنا أحد».
يقول مؤسس تاكسي الكراسي المتحركة:«هدفي هو أن يكون لكل شخص يستخدم الكراسي المتحركة، الحق في أن تكون هذه السيارة قريبة من بيته، لتسهل عليه التنقل، حتى لا يكون انتقاله عبئًا عليه وعلى من حوله، نحن أيضا مهتمون بتعميم التجربة في البلدان العربية، لكننا اليوم نركز على المشروع في لبنان، وبإذن الله وبدعم منصة «جسور» لنا نستطيع تعميم التجربة في العالم العربي، ونحن ننتظر أن يتواصل معنا أشخاص من مثل مصر و السودان وسوريا والكويت وغيرها. أي شخص من أي بلد عرف بالمشروع ويريد أن ينفذه في بلده، نحن نرحب به».
ويستطرد:«نحن لدينا طموحات كبيرة بأن يغطي المشروع كل لبنان، كل المناطق من الشمال إلى الجنوب، وبالتأكيد يهمنا أن نعمم المشروع خارج لبنان، لكن المشكلة كما ذكرت هي التمويل، الذي سيؤمن السيارات والشراكات الخارجية الجديدة».
رسالة شربل لرواد الأعمال الشباب
يقول شربل لرواد الأعمال الشباب: «لا تنتظروا أحد لتبدأو مشروعكم، ولا تسمحوا لأحد بأن يحبطكم أو يسعى لإفشال ما تسعون إليه، كل من يمتلك فكرة لمشروع تفيد مجتمعه وكل من حوله، عليه أن يبادر ويأخذ الخطوة الأولى، فمسيرة الألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى، لا تترددوا، فالأشخاص أصحاب الأفكار قادرون على تغيير المجتمعات للأفضل».


.png)


















































