منحت جامعة كولومبيا «جائزة لويزا جروس هورويتز لعام 2025» لثلاثة علماء بارزين، تقديرا لمساهماتهم الجوهرية في فهم مرض ضمور دوشين العضلي (DMD) ووضع حجر الأساس لتطوير علاجات جديدة.
هذه الجائزة المرموقة التي تعد مؤشرا محتملا على الفوز بجائزة نوبل في المستقبل، كرمت جهود كل من لويس كونكيل من جامعة هارفارد، وكيفن كامبل من جامعة أيوا، وإريك أولسون من جامعة تكساس، والذين نجحت أبحاثهم في الكشف عن الأسباب البيولوجية الكامنة وراء هذا المرض الوراثي، مما فتح آفاقا جديدة أمام الأمل في علاج أمراض الضمور العضلي، حسب منصة «Muscular Dystrophy News» المتخصصة.
يعد ضمور دوشين العضلي أحد أكثر الأمراض الوراثية العضلية شيوعا وشدة، حيث يصيب الذكور بشكل أساسي، يحدث المرض نتيجة طفرات في جين DMD وهو جين مسؤول عن إنتاج بروتين حيوي يعرف باسم «ديستروفين»، هذا البروتين يعمل بمثابة داعم أساسي للألياف العضلية، ويشبه «ممتص الصدمات» الذي يحمي الخلايا العضلية من التلف أثناء الانقباض والانبساط، وفي غياب هذا البروتين أو عدم فعاليته تتدهور الأنسجة العضلية تدريجيا، مما يؤدي إلى ضعف العضلات وضمورها وهي أعراض تؤثر بشكل كبير على جودة حياة المرضى وقدرتهم على الحركة.

تكمن أهمية أبحاث هؤلاء العلماء الثلاثة في أنها لم تقتصر على الاكتشاف الأكاديمي، بل امتدت لتشكل قاعدة صلبة للابتكارات العلاجية، حيث قاد لويس كونكيل في ثمانينيات القرن الماضي فريقا بحثيا نجح في تحديد الطفرات في جين DMD كسبب رئيسي للمرض، وكشف عن أن الدستروفين هو البروتين الذي ينتجه هذا الجين. في حين ساهم كيفن كامبل في توضيح الوظيفة الحقيقية لبروتين الدستروفين.
حيث أثبت أنه يعمل مع بروتينات أخرى لتشكيل هيكل جزيئي يدعم بنية الخلايا العضلية، وأظهر أن تلف هذه الخلايا هو نتيجة مباشرة لاضطراب هذا الهيكل، أما إريك أولسون فقد ذهب بعيدا في أبحاثه، حيث حدد جزيئات ضرورية لتنظيم نمو ووظيفة الخلايا العضلية، وتعمل أبحاث فريقه حاليا على تطوير علاجات جينية تستهدف هذه الجزيئات، وهي علاجات واعدة تقترب من الدخول في مرحلة الاختبارات السريرية.
أوضاع مرضى دوشين في العالم العربي
في العالم العربي لا يزال المرض يمثل تحديا كبيرا، فرغم عدم وجود إحصائيات دقيقة وشاملة، تشير التقديرات إلى أن آلاف العائلات تتعايش مع هذا المرض، يواجه المرضى في المنطقة تحديات إضافية تتعلق بقلة الوعي بالمرض، وصعوبة التشخيص المبكر، وتوفر الرعاية المتخصصة التي تتطلبها حالتهم، فضلا عن ارتفاع تكلفة العلاجات المتاحة.
في ظل غياب سجلات وطنية موحدة للمرضى، يصعب تحديد الأعداد الدقيقة، ولكن غالبا ما يتم تقدير انتشار المرض بنسبة حالة واحدة لكل 3500 إلى 5000 مولود ذكر، وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل بعض الجمعيات والمبادرات المحلية لتقديم الدعم، إلا أن هناك حاجة ماسة لتعزيز التعاون البحثي والدعم الحكومي لضمان حصول المرضى على أفضل سبل الرعاية والعلاج.
حملات شعبية لجمع التبرعات
وفي مصر مثلا، يمثل مرض ضمور العضلات دوشين (DMD) تحديا كبيرا للعائلات، خاصة في ظل التكلفة الهائلة للعلاجات المتطورة التي قد تصل إلى ملايين الجنيهات، وهو ما يفوق قدرة الأسر العادية والنظام الصحي الرسمي على تحملها.
في مواجهة هذا الواقع القاسي، تظهر حملات التبرع الفردية والجماعية كشريان حياة أخير لإنقاذ الأطفال من هذا المرض، غالبا ما تبدأ هذه الحملات على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تستخدم الأسر مقاطع فيديو مؤثرة لقصص أبنائهم لجمع التبرعات.
وقد شهدت مصر عدة حملات ناجحة، مثل حملة الطفل «يوسف سمير» التي سعت لجمع ملايين الجنيهات لعلاج «ضمور دوشين»، وكذلك حملة الطفلة «رقية» التي نجحت في جمع 45 مليون جنيه مصري في وقت قياسي. تبرز هذه الحملات التعاطف الشعبي الكبير واستعداد المصريين للتضامن من أجل إنقاذ حياة الأطفال.

وتظهر هذه المبادرات الشعبية مدى فداحة الوضع، فبينما تطلق الدولة مبادرات رسمية لدعم مرضى ضمور العضلات الشوكي (SMA) وتوفير العلاج الجيني للأطفال دون سن 6 أشهر، تبقى حالات ضمور دوشين العضلي التي تحتاج إلى علاجات باهظة الثمن خارج نطاق التغطية الحكومية الكاملة.
هذا النقص يدفع العائلات إلى سباق مع الزمن لجمع الأموال اللازمة قبل أن يتفاقم المرض. من أبرز هذه القصص هي قصة الطفل «مالك» الذي احتاجت أسرته إلى جمع ما يقارب 2.8 مليون جنيه، وقصة الطفل «علي معتز» الذي تمكنت حملته من جمع 106 ملايين جنيه.
هذه الأمثلة دليلا على وجود فجوة كبيرة بين الاحتياجات العلاجية للمرضى والقدرة المالية المتاحة، مما يجعل التكافل المجتمعي هو الأمل الأوحد للعائلات التي تواجه هذا المرض.
أمثلة رائعة على الأبحاث التي تنتقل من المختبر إلى سرير المريض
وبحسب بيان جامعة كولومبيا فإن «العلماء الثلاثة الذين تم تكريمهم بجائزة هورويتز لهذا العام يمثلون أمثلة رائعة على الأبحاث التي تنتقل من المختبر إلى سرير المريض، حيث مهدوا الطريق من الاكتشافات الأساسية إلى الابتكارات العلاجية التحويلية». ويضيف البيان أن «عملهم الجماعي قد عزز فهمنا العلمي لأمراض الضمور العضلي وجلب أملا حقيقيا لآلاف العائلات المتأثرة بهذه الأمراض المدمرة».