السعودية – جسور- شيماء اليوسف
استطاع الإعلامي خالد الحربي، أن يضع بصوته الدافئ، بصمته المتفرّدة، في الإعلام السعودي، ليصبح أحد أبرز الأصوات المؤثرة، تجاوز الحواجز، وسافر بصوته وعزيمته، ليمثل ذوي الإعاقة في فضاءات الإذاعة والتلفزيون.
خالد الحربي، هو أول كفيف يتخرج في تخصص الإذاعة والتلفزيون بامتياز، بجامعة الإمام محمد بن سعود، من مواليد 1994، بدأ مسيرته الإعلامية عبر قناة روتانا خليجية، وانتقل بعدها إلى موجات إذاعة الرياض وتلفزيون MBC.
قدم الحربي على مدار عشر سنوات، تجارب إعلامية ناجحة، مثل برنامج يقولون، صباح الخير يا عرب، سوالف القدية، وفقرة أصحاب الإرادة، التي كان يعرض خلالها قصص ملهمة عن ذوي الإعاقة، ناقش خلالها قضايا وهموم هذه الفئة.
في حواره مع “جسور” يجيب الإعلامي الملهم، ممثل ذوي الإعاقة في الإعلام السعودي، عن الأسئلة المتعلقة بمسيرته، والعقبات التى واجهها، وحاضر ومستقبل ذوي الإعاقة في المملكة.
- حدثنا عن اللحظة التي قررت فيها دخول مجال الإعلام.. ما الذي جذبك لهذا المجال بالتحديد؟
بدايتي مع الإعلام لم تك مفاجئة، بل رحلة شغف بدأت في مرحلة مبكرة من حياتي، في الابتدائية، كنت أستمع للبرامج الحوارية والثقافية بشغف، وكان الصوت يجذبني، وتفاصيل الحوار تثير فضولي. وفي المرحلة المتوسطة، انتقل هذا الشغف إلى خشبة المسرح، حيث خضت أولى تجاربي في التقديم أمام جمهور، وتعلمت معنى التأثير المباشر، وكيف يمكن للكلمة أن تترك أثرًا في القلوب. مع الوقت، عززت هذا الشغف بدورات تدريبية إعلامية متخصصة، ثم توّجت الطريق بالدراسة الأكاديمية في كلية الإعلام والاتصال، كأول كفيف يتخرج من مسار الإذاعة والتلفزيون والفيلم.
واليوم، أؤمن أن الممارسة الإعلامية هي الامتداد الطبيعي للشغف، وأن الإعلام الحقيقي لا يُصنع في القاعات فقط، بل في الميدان، بالصوت، بالحضور، وبالإحساس.
- ما أبرز التحديات التي واجهتك في بداية عملك الإعلامي، وكيف تجاوزتها؟
التحديات كانت كثيرة، لكن أكبرها كان إثبات أن الكفاءة لا تُقاس بالنظر، بل بالإبداع والتأثير، في بداياتي، واجهت نظرة التشكيك في قدرة الكفيف على التقديم والإعداد والعمل الميداني، لكني قررت أن أثبت أن الاختلاف مصدر قوة، وليس ضعفًا، تجاوزت العقبات بالإصرار، والتدريب المستمر، وباحتضان من بعض الجهات التي آمنت بموهبتي، قبل أن تنتظر مني إثباتًا، كل خطوة واجهتني، كانت سببًا في تقوية عزيمتي وتعزيز رسالتي.
- كيف كان تأثير عائلتك ومعلميك لاختيار الإعلام كمهنة، هل كان لهم دور؟
بكل صدق، نعم. كان لعائلتي الفضل بعد الله في أن أؤمن بقدرتي على خوض هذا المجال، والدتي كانت دائمًا ترى أن صوتي له تأثير مختلف، ومعلميّ شجعوني منذ المراحل المبكرة، وكانوا يرون فيّ شيئًا خاصًا، ويمنحونني الفرص في الإذاعة المدرسية والمسرح. ذلك الدعم لم يكن مجرد كلمات، بل كان ثقة تُبنى عليها خطواتي الأولى.
- ما الذي تراه ناقصًا في تغطية الإعلام لقضايا ذوي الإعاقة في السعودية والمنطقة؟
الإعلام قطع شوطًا لا بأس به في تسليط الضوء على النماذج الملهمة، من ذوي الإعاقة، لكننا ما زلنا بحاجة إلى نقلة نوعية، القضية ليست فقط في إبراز التجارب الناجحة، بل في الدمج الحقيقي في التغطية اليومية، في النقاشات، في صناعة المحتوى، نحتاج إعلامًا يعكس الواقع بكل تفاصيله، دون مبالغة أو تهميش، يعرض التحديات كما يعرض النجاحات، ويمنح ذوي الإعاقة مساحة طبيعية داخل المشهد الإعلامي.
- كيف تقيّم تفاعل الجمهور مع فقرة “أصحاب الإرادة” التي تقدمها في MBC؟
فقرة “أصحاب الإرادة” وُلدت من إيمان عميق بأن القصص الحقيقية لها قدرة خارقة على تغيير المفاهيم، منذ بدايتها، وجدت تفاعلًا كبيرًا من الجمهور، وبدأت تصلني رسائل من أسر، ومن شباب، ومن أشخاص يقولون: “كأنكم تتكلمون عني”، أشعر أن الفقرة ساهمت في تغيير نظرة المجتمع، ورفعت من مستوى الوعي حول قدرات أصحاب الهمم، وربما كانت سببًا في فتح أبواب لغيرهم.
- عملت في عدة منصات، من روتانا إلى إذاعة الرياض ثم MBC.. ما الاختلاف في كل محطة، وماذا تعلمت من كل تجربة؟
كل محطة في مسيرتي كانت فصلًا مختلفًا، بتفاصيلها وتجاربها، روتانا كانت الانطلاقة الأولى، وهناك تعلّمت الحضور أمام الكاميرا والارتجال.إذاعة الرياض منحتني تقديرًا أكبر للكلمة، وأهمية التحضير وجودة الصوت.أما MBC، فهي تجربة مختلفة تمامًا، بيئة احترافية تعلمت فيها كيف يُصنع الإعلام بشكل شمولي، وكيف تكون جزءًا من منظومة تؤمن بالتنوع وتحتفي به.
- كمذيع ومعلّق صوتي، كيف تقيّم أهمية الصوت في التأثير على المستمع، وما الذي يميز الصوت الجيد في رأيك؟
الصوت ليس مجرد وسيلة، بل هو رسالة، الصوت الجيد لا يقتصر على النبرة، بل يشمل الإحساس، التلوين، والتوازن بين التعبير والهدوء، الصوت هو أول انطباع، وأحيانًا يكون أقوى من الصورة، الصوت المؤثر هو الذي يُشعرك أنك لا تسمع فقط، بل ترى وتشعر وتتفاعل.
- كيف ترى واقع تمكين ذوي الإعاقة البصرية في سوق العمل الإعلامي اليوم في السعودية؟
تمكين ذوي الإعاقة البصرية في الإعلام شهد تحسّنًا ملموسًا في السنوات الأخيرة، خاصة مع رؤية 2030 التي أولت هذا الملف اهتمامًا حقيقيًا، لكن التحدي ما زال في الاستمرارية، والتأهيل، وتوفير بيئات عمل أكثر شمولية، اليوم، أصبح من الممكن أن ترى كفيفًا على الشاشة، أو خلف الميكروفون، وهذا لم يكن مشهدًا مألوفًا قبل سنوات، لكنه اليوم ممكن وموجود، ونطمح لأن يصبح اعتياديًا.
- ما الذي تتمناه في رؤية السعودية 2030 فيما يخص الدمج الإعلامي الكامل لذوي الإعاقة؟
أتمنى أن نصل إلى مرحلة لا يُطرح فيها سؤال مثل: “كيف يعمل الكفيف في الإعلام؟”، أتمنى أن يكون الدمج الإعلامي لذوي الإعاقة واقعًا لا يُحتفل به كاستثناء، بل يُمارس كحق، رؤية السعودية 2030 منحتنا الثقة كأشخاص من ذوي الإعاقة، وجعلتنا نؤمن أننا شركاء حقيقيون في البناء، وأتمنى أن تمتد هذه الثقة إلى جميع مؤسسات الإعلام، في التوظيف، والإنتاج، والتقديم.
- ما هي هواياتك وكيف تقضي أوقاتك بعيدًا عن العمل؟
أحب الاستماع للموسيقى، خصوصًا الهادئة والكلاسيكية، وأستمتع بالمشي، وبتسجيل ملاحظاتي الصوتية التي أحتفظ بها لنفسي، أحيانًا أجد في التأمل والهدوء متعة أكبر من الحركة، وأشعر أن الوقت الخاص بي هو مصدر للتجديد الذهني والروحي.
- هل تفكر في تقديم برامج خاصة على منصات رقمية مستقبلًا؟ وما نوع البرامج التي تتمنى تقديمها؟
سبق لي خوض هذه التجربة من خلال برنامج “سوالف القدية” بالتعاون مع شركة القدية للاستثمار في عام 2020، وكانت تجربة ناجحة، نقلنا فيها قصصًا إنسانية بأسلوب بسيط وعفوي، البرامج الرقمية اليوم تتيح مساحة أوسع للوصول للناس، وأتمنى أن أقدّم محتوى إنساني واجتماعي يعكس تجارب الحياة اليومية، ويمنح الصوت للقصص غير المرئية، بلغة قريبة، وبروح صادقة.
- ما الرسالة التي تحرص دائمًا على إيصالها لجمهورك من خلال ظهورك الإعلامي؟
رسالتي الدائمة: “اختلافك لا يعني عجزك، بل هو طريقتك الخاصة في العبور” أؤمن أن كل شخص يحمل داخله قصة تستحق أن تُروى، وأن الإعلام الحقيقي لا يُقاس بعدد المتابعين، بل بعدد القلوب التي تلمسها رسالتك، أنا فقط أحاول أن أكون صوتًا لمن لا يُسمَع، وصورةً لمن لا يُرى، وأمنح أملاً بأن المستحيل قد يكون مجرّد بداية مختلفة.