تقرير موسع يكشف عن التحول الحقوقي في مصر تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، ودور القانون، والمؤسسات، وآليات التمويل في تحقيق الدمج.. اقرأ التفاصيل.
نشر المجلس القومي المصري للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر، اليوم الاثنين، منشورا حول المبادرات القومية ذات الصلة بالأشخاص ذوي الإعاقة، موضحا أن هذه المبادرات التي أطلقتها جهات مثل «دامج» وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر، تهدف إلى تمكين ذوي الإعاقة من خلال توظيف التكنولوجيا، ويمكن الاستفادة منها عبر خدمات الموقع الإلكتروني للمجلس.
وشهدت مصر تحولا نوعيا وغير مسبوق في التعامل مع قضايا الإعاقة، حيث انتقلت من نموذج الرعاية القائم على المؤسسات إلى نهج شامل يعتمد على الحقوق والتمكين، ويأتي هذا التحول بدعم من إطار تشريعي متكامل وهياكل تنظيمية عليا، تهدف إلى توفير حياة كريمة وضمان الدمج الكامل في كافة مناحي الحياة، بما يتوافق مع أحدث المعايير الدولية.
تعد المرجعية القانونية هي النقطة المحورية في هذا التحول، حيث شكل قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018 حجر الزاوية، حيث وجه كافة الإجراءات التنفيذية نحو ضمان الحق في العمل والتعليم وتكافؤ الفرص.
ووفقا لوزارة التضامن الاجتماعي، فإن هذا المنهج ليس مؤقتا، بل هو التزام دائم يعكس التزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية.

لضمان تطبيق فعال لهذا القانون، تم إنشاء المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة عام 2019، والذي يعمل كهيكل إشرافي رئيسي. يضطلع المجلس بمسؤولية رسم السياسات وتنسيق الجهود بين الجهات الحكومية المختلفة، إضافة إلى الإشراف على تنفيذ القوانين والاتفاقيات الدولية.
هذا الترتيب المؤسسي يضمن التنسيق تجنب تضارب الصلاحيات، كما يظهر التعاون الوثيق بين المجلس القومي ومؤسسات العدالة مثل النيابة العامة، حرصا على تسهيل وصول ذوي الإعاقة للعدالة، وتقديم شكاواهم بسهولة، اللافت للنظر أن التدريبات المتخصصة تشمل التعامل مع «الإعاقات غير المرئية»، مما يدل على وعي متقدم يتجاوز الإعاقات الحركية ليشمل التحديات الأكثر تعقيدا مثل صعوبات التعلم والتوحد.
الهيئات والمنصات الرئيسية الخاصة بمبادرات ذوي الإعاقة
المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة هو المرجعية الاستراتيجية والإشرافية، يعمل على رسم السياسات والتنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة.
وزارة التضامن الاجتماعي تمثل الذراع التنفيذي، تشرف على الخدمات المباشرة مثل بطاقة الخدمات المتكاملة وخدمات التأهيل.
الشبكة القومية «تأهيل» هي منصة رقمية متخصصة لربط ذوي الإعاقة بفرص التوظيف والتدريب، مما يسهل دمجهم في سوق العمل.
صندوق الاستثمار الخيري «عطاء» آلية تمويل مستدامة تضمن استمرارية المشروعات القطاعية، ويقدم دعما ماليا لمبادرات الدمج في جميع أنحاء الجمهورية.
طالع: المجلس القومي للإعاقة في مصر يطلق دورة لحماية ذوات الإعاقة
طالع: مصر.. بروتوكول تعاون بين «القومي للإعاقة» و«Mass Media School»
تحويل حقوق المعاقين إلى واقع ملموس
تعد آليات التنفيذ هي الركيزة الأساسية التي تترجم التشريعات إلى خدمات عملية. وتبرز في هذا السياق بطاقة الخدمات المتكاملة وصندوق «عطاء».
بطاقة الخدمات المتكاملة، تعد هذه البطاقة الأداة المركزية التي تتيح لحامليها الاستفادة من مجموعة واسعة من الامتيازات والحقوق التي يكفلها القانون، وتشرف وزارة التضامن الاجتماعي على إصدارها، وقد أطلقت مبادرة «هنوصلك» لتسهيل وصول الخدمة إلى المناطق النائية.،وتشمل المزايا التي توفرها البطاقة:
المالية والوظيفية: التعيين بنسبة 5% في الوظائف الحكومية، والجمع بين معاشين، والإعفاء من الضرائب.
الصحية: الكشف والعلاج المجاني في المستشفيات.
التعليمية: الدمج في مدارس التعليم الأساسي والجامعات.
الجمركية: الإعفاء من الرسوم على الأجهزة التعويضية وسيارات المعاقين.
صندوق عطاء للتمويل المستدام
يمثل هذا الصندوق نموذجا فريدا لضمان التمويل المستدام للمشروعات الهادفة لدمج وتمكين ذوي الإعاقة، ويغطي الصندوق جميع أنواع الإعاقات، ويدعم مشروعات في مجالات متنوعة مثل التعليم، والإتاحة، والتمكين الاقتصادي. وقد امتد نطاق عمله ليشمل 23 محافظة، مع تركيز استراتيجي على محافظات الصعيد والدلتا، مما يعكس ارتباطا وثيقا بمبادرة «حياة كريمة»، كما أطلق الصندوق حملة «مكاننا في كل حتة» لتعزيز الاندماج الاجتماعي وتغيير النظرة المجتمعية من الشفقة إلى الحقوق.
التمكين الاقتصادي والوظيفي لذوي الإعاقة
لتحويل ذوي الإعاقة إلى قوى منتجة تم إطلاق الشبكة القومية «تأهيل» كمنصة رقمية لتسهيل عملية التوظيف، كما تتعاون الدولة مع المجتمع المدني في برامج متخصصة مثل مشروع «ارتقاء» الذي يوفر تدريبا عمليا وفرص توظيف مباشرة، بالإضافة إلى دعم المشروعات الخاصة، ففي محافظة المنيا تم تنظيم مدارس حقلية زراعية لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية اقتصاديا، مما يوضح توجها نحو مشروعات نوعية تستهدف إعاقات محددة.
الإتاحة المكانية والتقنية
تتبنى الدولة التكنولوجيا لكسر الحواجز، وتم إتاحة العديد من الجامعات الكبرى في القاهرة والمحافظات الأخرى، بتمويل من صندوق عطاء، وتزويدها بمسارات ومرافق مناسبة لخدمة الطلاب ذوي الإعاقة الحركية. كما تم إنشاء أول مكتبة إلكترونية متخصصة لخدمة الطلاب ذوي الإعاقة البصرية (المكفوفين) بجامعة الزقازيق، مما يضمن لهم الوصول إلى المواد العلمية بسهولة.
التعليم الدامج والرعاية المتخصصة
تم تطوير مدارس لاستقبال الطلاب ذوي الإعاقات البصرية في القاهرة وأسيوط. كما يعد إنشاء وتفعيل وحدات الاكتشاف والتدخل المبكر في 8 محافظات استثمارا استراتيجيا يهدف إلى تقليل شدة الإعاقة في مراحل النمو الحرجة، مما يزيد من فرص الدمج الفعال والتمكين الاقتصادي.
على الرغم من النجاحات الواضحة، لا تزال هناك تحديات تتطلب عملا مستمرا، وهي كالتالي..
قياس الأثر والمساءلة: يجب تعزيز دور المجلس القومي في مراقبة تطبيق نسبة التوظيف (5%) وتطوير مؤشرات أداء واضحة لقياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي للمبادرات الممولة.

تعميم الإتاحة الشاملة: لا يزال التحدي يكمن في تعميم الإتاحة المكانية لتشمل كافة المرافق العامة والبنية التحتية للمواصلات على نطاق الدولة، وليس فقط في بعض الجامعات.
استدامة التمويل والتوسع الجغرافي: يجب توسيع قاعدة تمويل صندوق عطاء لضمان استمرارية المشروعات المتخصصة، والتوسع في تغطية باقي المحافظات بوحدات الاكتشاف والتدخل المبكر.
تعميق المشاركة: يجب إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل أكبر في عملية صنع القرار، وعدم الاكتفاء بدورهم الاستشاري، لضمان أن السياسات تلبي احتياجاتهم الحقيقية.
تظهر مصر التزاما قويا وغير مسبوق بدمج وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، المدعوم بإطار قانوني متقدم، وهياكل إشرافية عليا، وآليات تمويل مستدامة، فإن الدولة تتقدم بخطوات ثابتة نحو تحقيق الدمج الشامل والمستدام. ومع التركيز على معالجة التحديات المتبقية، يمكن لمصر أن تصبح نموذجا رائدا في المنطقة في مجال حقوق وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة.