Skip to content

دراسة تكشف: كيف استخدمت أمريكا الإعاقة تاريخيًا لتبرير استمرار العبودية

دراسة تكشف: كيف استخدمت أمريكا الإعاقة تاريخيًا لتبرير استمرار العبودية

أمريكا – جسور –  سماح ممدوح حسن

حين نتحدث عن تاريخ التمييز والظلم الاجتماعي، يتبادر إلى أذهاننا قضايا مثل العرق، أو النوع الاجتماعي، أو الأصل القومي، لكن قليلون ينتبهون إلى عامل آخر ، ظل حاضرًا في الخلفية، ويؤثر بقوة آلا وهو الإعاقة.

على مدار قرنين من الزمن، استُخدمت الإعاقة كحجة جاهزة، لتبرير الإقصاء، وحرمان فئات كاملة من حقوقها الأساسية. من الأمريكيين من أصل إفريقي، الذين اتُهموا بالضعف العقلي، لتبرير استمرار العبودية، إلى النساء اللواتي وُصمن بالهشاشة النفسية والجسدية، لمنعهن من التصويت، وحتى المهاجرين الذين جرى استبعادهم بدعوى “عدم اللياقة البدنية والعقلية”.

الدكتور دوجلاس باينتون، أستاذ التاريخ بجامعة أيوا، كشف في دراسة تحليلية نشرت ضمن كتاب “تاريخ الإعاقة الجديد: رؤى أمريكية”، كيف تحولت الإعاقة إلى أداة فاعلة في ترسيخ أنماط متعددة من الظلم الاجتماعي والسياسي.

الإعاقة في قلب معارك المواطنة

لعبت الإعاقة دورًا جوهريًا في ثلاث من أكبر معارك المواطنة في أمريكا: تحرير الأمريكيين من أصل إفريقي، وحق المرأة في التصويت، وقوانين الهجرة.
في كل معركة من هذه المعارك، استخدم المعارضون للمساواة الإعاقة، سواء الإعاقة الجسدية أو النفسية أو العقلية، كذريعة لتبرير الإقصاء والتمييز.

العبودية: اتهام السود بالضعف العقلي

خلال فترة الدفاع عن العبودية، كانت إحدى الحجج الرئيسية التي رفعها مؤيدوا العبودية، هي أن الأفارقة يفتقرون إلى الذكاء الكافي للمساواة مع البيض. وزعم الأطباء آنذاك أن “نقص المادة الدماغية وزيادة المادة العصبية” هو السبب وراء ما أسموه ب”التدني العقلي” عند السود. بل ذهبوا إلى أن التعليم ذاته سيكون ضارًا بأجسادهم ويؤدي إلى تقصير أعمارهم.

ووصل الأمر بالطبيب صموئيل كارترايت إلى اختراع أمراض وهمية مثل “دريبتمومانيا”، وهو مرض مزعوم يصيب العبيد الذين يحاولون الهرب لأن أسيادهم “عاملوهم كأنداد”

وتداولت المجلات الطبية تقارير تزعم أن معدلات العمى والصمم بين السود الأحرار أعلى من نظرائهم العبيد.
ووصف السيناتور جون كالهون السود في الولايات الحرة بأنهم “أكثر عرضة للإعاقات العقلية والبدنية بسبع مرات”  مقارنة بالسود في ولايات العبودية.

حتى عام 1896، استمرت مجلات طبية مثل مجلة كارولاينا الشمالية الطبية في نشر أبحاث تتحدث عن “تدهور الصحة العقلية والبدنية للسود نتيجة الحرية”.

حق المرأة في التصويت: اتهامات بالهشاشة النفسية والبدنية

أما في معركة حق المرأة في التصويت، استُخدمت ذات الحجة، لكن هذه المرة ضد النساء. فالمعارضون ادعوا أن النساء يعانين من “نقص التحمل العقلي” و”عدم الاستقرار العصبي” مؤكدين أن الانخراط في السياسة سيقودهن إلى “الانهيار العصبي والهستيريا”

حتى أن طبيب الأعصاب تشارلز دانا، ذهب إلى حد القول إن التصويت سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الجنون بين النساء. أما الطبيب إدوارد كلارك فاتهم التعليم بأنه السبب في إصابة النساء بأمراض عصبية وإنهاك جسدي وضعف في الأعضاء التناسلية.

وفي عام 1891، حذرت الجمعية الطبية في نيويورك من أن “التعليم غير المناسب للنساء قد يؤدي إلى إعاقة قدرتهن على الإنجاب”. وزعمت مجلة Popular Science Monthly  بدورها أن النساء المتعلمات “يعانين من أمراض قبل الزواج وغير مؤهلات للقيام بوظائفهن البيولوجية الطبيعية”.

الإعاقة كسلاح في تشريعات الهجرة

في جانب آخر من التاريخ الأمريكي، كانت الإعاقة في صميم سياسات الهجرة.
فقانون الهجرة لعام 1882 منع دخول “المجانين، والأغبياء، وكل من لا يستطيع إعالة نفسه”.
القوانين اللاحقة (1891، 1907، 1917) زادت من صرامة الشروط، حتى شملت قائمة الممنوعين من الهجرة أشخاصًا يعانون من:
التهاب المفاصل، والربو، والأقدام المسطحة، وأمراض القلب، والفتق، والهستيريا، وضعف البصر، والضعف الجسدي العام، وتشوه العمود الفقري، وأمراض الأوعية الدموية.

وبحلول 1896، اعتبرت مجلة Atlantic Monthly  أن استبعاد مثل هؤلاء صار “ضرورة متفق عليها من جميع الأطراف السياسية”.
وفي عام 1907، صرح المفوض العام للهجرة بأن “الهدف الأساسي من قوانين الهجرة هو استبعاد من يعانون من النواقص الأخلاقية والعقلية والبدنية”.

دمج العرق والإعاقة في سياسات الاستبعاد العرقي.

بعد تثبيت القوانين، انتقل التركيز إلى المجموعات العرقية غير المرغوبة، مستخدمين الإعاقة كأداة رئيسية في الخطاب العنصري. ففي عام 1924، جاء نظام الحصص أو تحديد الحصص العددية لكل دولة، ليحد من أعداد المهاجرين من جنوب وشرق أوروبا، تحت مبررات مثل “الأعراق المعطوبة، والتشوهات الخلقية المنتشرة بين اليهود واليونانيين والإيطاليين والسوريين”

من أوصاف تلك المرحلة:

  • “السلافيون بطيئو التفكير”
  • “الحالة العصبية للمهاجرين اليهود”
  • “الأنواع المنحطة نفسيًا بين المهاجرين”

أحد علماء الاجتماع في ذلك الوقت وصف الأمر قائلاً:”في كل وجه من وجوه هؤلاء المهاجرين، كان هناك شيء خطأ.”

لكن لماذا كانت الإعاقة أداة قوية لتبرير الظلم؟

يطرح الباحث باينتون تساؤلًا محوريًا: لماذا كانت الإعاقة أداة قوية في تبرير التمييز وعدم المساواة عبر التاريخ؟

رغم استنكار الجميع لاستخدام الإعاقة كذريعة للتمييز، إلا أن القليل فقط تساءلوا عن السبب الحقيقي وراء قوة هذه الحجة وتأثيرها الكبير في المجتمع. والأسوأ من ذلك أن حتى المدافعين عن المساواة والحقوق كانوا في الغالب ينكرون وجود أشخاص من ذوي الإعاقة في صفوفهم، خوفًا من أن يُستخدم ذلك ضدهم. وهذا في حد ذاته يعكس قبولًا غير معلن لفكرة سائدة في المجتمع مفادها أن وجود الإعاقة يعني بالضرورة أن صاحبها لا يستحق المساواة والحقوق الكاملة.

ويؤكد باينتون أن هذا الوعي الجمعي هو أحد الأسباب الجوهرية وراء استمرار التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة حتى اليوم، وسبب صعوبة نضالهم الطويل من أجل نيل حقوقهم الكاملة.

المقالة السابقة
لجان تفتيش من ذوي الإعاقة تراقب آداء مستشفيات الحكومة بالهند
المقالة التالية
شهادة حية.. استمرار معاناة ذوي الإعاقة في مخيمات اللجوء بغزة