لقاءات عابرة تحوّلت إلى شغف.. حكاية المصرية أمنية سيد مع أصحاب «متلازمة داون»

لقاءات عابرة تحوّلت إلى شغف.. حكاية المصرية أمنية سيد مع أصحاب «متلازمة داون»

المحرر: سماح ممدوح حسن - مصر
أمنية السيد

منذ سنوات دراستها الجامعية، كانت عيونها تراقب وتخزن ملامح أصحاب متلازمة داون الذين تقابلهم في الطرقات ووسائل المواصلات وعيادات الأطباء، شيئًا فشيئًا، تحولت هذه اللقاءات العابرة إلى شغف حقيقي، فجعلهم موضوع مشروع تخرجها عام 2014، إنها الدكتورة أمنية سيد، الفنانة التشكيلية وعضو لجنة التحكيم في مهرجان أولادنا.

تحكى لـ«جسور» عن مراحل غرامها بذوي الإعاقة، وخصوصا أصحاب متلازمة داون، قائلة:«لم أكن أنا من اخترتهم، هم من اختاروني، كنت أراهم في طريقي إلى الكلية، وفي عيادة الأسنان، في عربات المترو، ابتسامتهم، طفولتهم، عيونهم المستديرة وشعرهم الأسود المنسدل، كلها تفاصيل شدتني، ومع البحث والقراءة، عرفت أكثر عنهم وعن الكروموسوم الإضافي الذي يميزهم».

منذ عام 2014، اختارت أمنية أن تجعل الفن رسالة إنسانية، حتى وإن قوبلت فكرتها بالرفض داخل المجتمع الأكاديمي الذي اعتاد تصوير «الجمال»  النسبي، الي تحكمه اكلاشيهات مكررة، لكنها أصرت، فرسمت أصحاب متلازمة داون بحجمهم الطبيعي، لتفرض وجودهم في أي معرض أو قاعة عرض.

الدكتورة أمنية السيد
الدكتورة أمنية سيد تلقى كلمة في إحدى الفعاليات

وتضيف: «كنت مؤمنة أن الجمال ليس في الموضوع بل في التعبير عنه، أردت أن يكون للفن هدف، أن يناقش قضايا المجتمع ويغير فيه».

سنوات قليلة بعد ذلك، تغيّرت حياة أمنية إلى الأبد بحادثة أفقدتها القدرة على المشي، لكنها لم تسمح لتجربتها أن تكسرها، بل جعلتها ترى الفن من زاوية أعمق، كانت قد درست تجارب فنانين عاشوا مع الإعاقة، مثل فريدا كاهلو وفان جوخ وبيتهوفن، لكنها بعد إصابتها قرأت سيرهم من جديد بعيون مختلفة، وعن تأثرها بهم تقول: «شعرت أنهم يعطونني الأمل والقوة، لم يعد الفن مجرد بحث أكاديمي، بل حياة كاملة».

أمنية اليوم ترى أن أعمالها تغيّرت، حسب وصفها، قبل الحادث كانت تركز على الآخر، أما الآن فأصبحت انعكاسًا لتجربة شخصية، ومن هنا وُلد مشروعها الحالي «عمودي الفقري».

عمود فقري، تقول عنه: «هو محور حياتي… كسره سبب إصابتي، وجبره يؤلمني. لم أختره، بل هو الذي فرض نفسه علي».

رغم أنها تستخدم كرسيًا متحركًا، ترفض أن يُقال عنها إنها من ذوي الإعاقة «أنا فقط شخص تغيرت طريقة سعيه في الحياة، بدلًا من قدمي، أصبحت أستخدم عجلات» حسب تعبيرها.

هذه الفلسفة انعكست أيضًا في رسالتها كأستاذة جامعية، فهي لا تفرض على طلابها أن يكون للفن رسالة مجتمعية، لكنها تشجع من يحمل هذا الهم، أما عن المناهج الدراسية، فهي ترى أن مهمة تعزيز قبول الاختلاف تقع على التعليم قبل الجامعي، لترسيخ قيم القبول والاحترام.

تؤمن أمنية أن الطريق ما زال طويلًا أمام دمج الطلبة من ذوي الإعاقات في الجامعات المصرية، لكنها لا تنسى حجم الجهد الذي تبذله الأسر حتى يصل أبناؤهم إلى هذه المرحلة.

وعن تجربتها الأخيرة كعضو لجنة تحكيم في مهرجان أولادنا، تقول بشغف:«كنت أشاهده كل عام ولم أصدق أنني هذا العام جزء منه، التجربة شحنتني طاقة وسعادة، وأتمنى أن يعمم المهرجان في كل المحافظات المصرية، لأن أطفال هذه الفئات يستحقون أن نهتم بمواهبهم ونرعاها، مصر مليئة بالفنانين، ومن يدري؟ ربما يظهر بين هؤلاء الأطفال عمار شريعي أو طه حسين جديد».

هكذا تتحول تجربة أمنية سيد الشخصية إلى رسالة أكبر، مفادها أن الفن ليس مجرد ألوان وخطوط، بل جسر إنساني بين الألم والأمل، وبين الفرد والمجتمع، وبين الاختلاف والقدرة على التغيير.

المقالة السابقة
وفد الهيئة العامة للطيران الكويتي يواصل مشاركته في اجتماعات «إيكاو» بمونتريال
المقالة التالية
وفد الإمارات يشارك في المؤتمر العام للجنة البارالمبية الدولية بسيول

وسوم

أمثال الحويلة (397) إعلان عمان برلين (467) اتفاقية الإعاقة (608) الإعاقة (143) الاستدامة (1107) التحالف الدولي للإعاقة (1080) التشريعات الوطنية (852) التعاون العربي (522) التعليم (84) التعليم الدامج (66) التمكين الاقتصادي (90) التنمية الاجتماعية (1101) التنمية المستدامة. (85) التوظيف (65) التوظيف الدامج (834) الدامج (57) الدمج الاجتماعي (637) الدمج المجتمعي (164) الذكاء الاصطناعي (86) العدالة الاجتماعية (74) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (515) الكويت (87) المجتمع المدني (1084) الولايات المتحدة (63) تكافؤ الفرص (1076) تمكين (90) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (527) حقوق الإنسان (77) حقوق ذوي الإعاقة (95) دليل الكويت للإعاقة 2025 (373) ذوو الإعاقة (158) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1044) ذوي الإعاقة (542) ذوي الهمم (58) ريادة الأعمال (396) سياسات الدمج (1064) شركاء لتوظيفهم (386) قمة الدوحة 2025 (656) كود البناء (456) لغة الإشارة (72) مؤتمر الأمم المتحدة (342) مجتمع شامل (1071) مدرب لغة الإشارة (640) مصر (93) منظمة الصحة العالمية (663)