لويس باستير.. عبقري هزم الشلل بلقاح الكلب وغير تاريخ الطب  

لويس باستير.. عبقري هزم الشلل بلقاح الكلب وغير تاريخ الطب  

المحرر: محمود الغول - مصر
لويس باستير

يوافق اليوم، السابع والعشرون من ديسمبر، ذكرى ميلاد أحد أعظم العقول البشرية. في الواقع، يعرف العالم لويس باستير كمكتشف لعملية البسترة واللقاحات. لكن قلة فقط يعرفون المعركة الجسدية الشرسة التي خاضها في الظل. إذ يعد باستير أيقونة خالدة لذوي الإعاقة الذين تحدوا المستحيل.

وهنا نسلط الضوء على إنجازات، هذا العالم، التي ولدت من رحم المعاناة. حيث بدأت نقطة التحول الكبرى في حياته عام 1868. وفقا للسجلات الطبية التاريخية، تعرض باستير لسكتة دماغية حادة ومفاجئة. أدى ذلك إلى شلل نصفي كامل في جانبه الأيسر. كان عمره حينها 45 عاما فقط وفي قمة نشاطه. ظن الأطباء والزملاء أن مسيرته العلمية قد انتهت إلى الأبد. حسب معهد باستور على الإنترنت.

كفاح لويس باستير

رغم قسوة التشخيص، رفض باستير الركون إلى التقاعد أو الراحة. قرر أن يتحدى جسده العاجز بعقله المتقد وإرادته الصلبة. استمر في أبحاثه المعملية لمدة 27 عاما إضافية بعد الإصابة. تثبت هذه السنوات أنها كانت الأكثر إنتاجية وتأثيرا في تاريخه. لم تمنعه القدم التي يجرها من الوصول إلى معمله يوميا.

وجاء الإنجاز الأضخم بعد مرور 17 عاما على إصابته بالشلل. في عام 1885، نجح باستير في تطوير أول لقاح ضد داء الكلب. يعتبر هذا الاكتشاف ثورة طبية أنقذت ملايين الأرواح لاحقا. المدهش أن هذا العمل الجبار تم وهو في أوج معاناته الجسدية. يؤكد هذا أن الإعاقة الجسدية لا توقف الإبداع الذهني.

وواجه باستير صعوبة بالغة في التحكم بيده اليسرى لإجراء التجارب الدقيقة. لذلك، ابتكر أسلوب عمل يعتمد على الفريق والمساعدين المخلصين. كان يوجه مساعديه بدقة متناهية ليقوموا بدور يديه في المختبر. يعلمنا هذا أهمية تكييف بيئة العمل لتناسب قدرات ذوي الإعاقة. نجح في تحويل عجزه الفردي إلى قوة جماعية ضاربة.

إنقاذ صناعة الحرير ونظرية الجراثيم

لم يكتف باستير بالطب البشري، بل أنقذ الاقتصاد الفرنسي أيضا. استنادا إلى كتب السيرة، كلفته الحكومة بحل أزمة دودة القز. سافر إلى الجنوب وهو يعاني من صعوبة الحركة ليدرس المرض. تمكن من اكتشاف الطفيل المسبب للمرض ووضع حلا جذريا له. أنقذت جهوده صناعة الحرير من الانهيار التام في ذلك الوقت. وفق الموسوعة البريطانية.

كما رسخ باستير نظرية الجراثيم التي غيرت مفهومنا عن الأمراض تماما. قبل ذلك، كان الاعتقاد السائد أن الأمراض تتولد ذاتيا من العدم. أثبت باستير بالتجارب أن الكائنات الدقيقة هي السبب الحقيقي للعدوى. مهد هذا الطريق لتعقيم غرف العمليات وتطوير المضادات الحيوية لاحقا. كل هذا أنجزه رجل كان المجتمع يراه عاجزا.

طالع: عباقرة هزموا الإعاقة وحولوا تحدياتهم إلى اختراعات غيرت وجه العالم

وامتلك باستير فلسفة خاصة جدا حول العلاقة بين الإرادة والنجاح. قال ذات مرة: الإرادة هي التي تفتح أبواب النجاح. طبق هذه المقولة حرفيا في كل يوم من أيام مرضه. كان يرى أن العمل هو العلاج الوحيد للروح والجسد. ألهمت كلماته أجيالا من العلماء والمرضى على حد سواء.

توجت جهوده بتأسيس معهد باستير الشهير في باريس عام 1888. حيث أشرف بنفسه على بنائه وتنظيمه رغم تدهور صحته. يعد المعهد اليوم منارة عالمية للأبحاث الطبية ومكافحة الأوبئة. يقف المبنى شاهدا على انتصار الروح البشرية على القيود البيولوجية. لا يزال المعهد يعمل بنفس الروح التي بثها مؤسسه المشلول.

رسم تصويري لالطفل جوزيف مايستر ولويس باستير
رسم تصويري لالطفل جوزيف مايستر ولويس باستير

الاعتراف العالمي بإنجازات لويس باستير

حصد باستير تكريمات عالمية لم يحصل عليها عالم قبله. نال وسام جوقة الشرف وأوسمة من ملوك ورؤساء العالم. لكن التكريم الأكبر كان في نظرات الامتنان من المرضى الذين عالجهم. تحديدا الطفل جوزيف مايستر أول من جرب عليه لقاح الكلب. نجاة هذا الطفل كانت المكافأة الحقيقية لسنوات الألم والتعب. وفق موقع PBS NewsHour التابع لهيئة البث العامة الأمريكية.

تقدم قصة لويس باستير درسا بليغا لكل شخص من ذوي الهمم. مفاده أن الجسد مجرد وعاء، وأن القوة الحقيقية تكمن في العقل. كما توجه رسالة للمجتمع بضرورة توفير الدعم والوسائل المساعدة. لو تم عزل باستير بسبب مرضه، لخسرت البشرية طوق نجاتها.

أثبتت تجربة باستير أن الدمج والعمل الجماعي يلغيان أثر الإعاقة. عندما تكامل عقل باستير مع أيادي مساعديه، تحققت المعجزات. يجب أن نطبق هذا النموذج في مؤسساتنا وشركاتنا اليوم. لا يجب استبعاد الموظف الموهوب لمجرد عجزه عن أداء مهام حركية. التكامل هو سر النجاح في أي منظومة عمل ناجحة.

ةلم يكن باستير مجرد آلة تفكير، بل كان إنسانا مرهفا. تأثر بوفاة بناته بمرض التيفوئيد، مما دفعه لمحاربة الأمراض بشراسة. كان دافعه الأساسي هو منع تكرار الألم الذي عاشه في بيوت الآخرين. حول أحزانه الشخصية إلى طاقة عمل لا تنفد لخدمة البشرية.

وفاة الجسد وبقاء الأثر

رحل باستير عن عالمنا في عام 1895، لكنه لم يمت حقا. ترك خلفه منهجا علميا أنقذ مليارات البشر على مر العقود. أثبت موته أن الإعاقة لم تكن سوى تفصيل صغير في حياته. في النهاية، يتذكر العالم إنجازاته وينسى كرسيه أو عصاه.

في الختام، يظل ميلاد لويس باستير عيدا للإنسانية ولذوي الإرادة. يعلمنا تاريخه أن الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الطموح والروح فقط. لقد أثبت للعالم أجمع أن العقل المبدع لا يمكن أن يشل. لذلك، دعونا نستلهم من ذكراه القوة لتحدي أي صعاب تواجهنا.

المقالة السابقة
عائلات ذوي الإعاقة في غانا يطالبون بخدمات تأهيلية ميسّرة ودعم مستدام
المقالة التالية
الكويت.. الحويلة تتابع ميدانيًا أوضاع نزلاء مركز إيواء الصباحية في زيارة مفاجئة