انطلقت اليوم في العاصمة الهندية نيودلهي فعاليات معرض«ما وراء الحدود» Beyond Limits في نسخته الخامسة والعشرين، بمشاركة 78 فنانًا من ذوي الإعاقة من مختلف أنحاء الهند.
المشاركون سيعرضوا أكثر من 100 عمل فني يعبّر عن طاقة لا تعرف القيد، وعن رؤية فنية تتجاوز المفهوم التقليدي للإعاقة.
وبحسب موقعindiatimes يستمر المعرض على مدار ثلاثة أيام من 10 إلى 12 أكتوبر 2025 في جاليري أربانا للفنون التابعة للأكاديمية الهندية للفنون الجميلة والآداب بمنطقة سيري فورت في نيودلهي، وهو من تنظيم مؤسسة عائلة ذوي الإعاقةFamily of Disabled FOD، وهي منظمة غير ربحية تعمل منذ أكثر من ثلاثة عقود على تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة ودمجهم في المجتمع من خلال التعليم والعمل والفن.

منصة للفن الحقيقي لا للشفقة
يركّز معرض ما وراء الحدود على تقديم الفن كقيمة إبداعية مستقلة، وليس كوسيلة تعاطف أو نشاط خيري، فمنذ انطلاقته قبل 25 عامًا، يسعى المعرض إلى منح الفنانين من ذوي الإعاقة اعترافًا فنيًا حقيقيًا ومكانة مستحقة في الساحة التشكيلية، إلى جانب تمكينهم من تحقيق الاستقلال المادي عبر بيع أعمالهم أو الحصول على فرص عرض جديدة.
تضم نسخة هذا العام أعمالًا من مناطق تمتد من أقصى الشمال إلى الجنوب الهندي من آسام وميجالايا إلى تاميل نادو وكارناتاكا وماهاراشترا، ما يجعلها أوسع مشاركة جغرافية في تاريخ المعرض.
وتتنوع المعروضات بين المنحوتات البرونزية والرخامية، واللوحات الزيتية والأكريليك والمائية، فضلًا عن الوسائط الفنية المتعددة التي تمزج بين التراث المحلي والتجريب المعاصر.
ويمنح هذا التنوع الزوار فرصة للتعرّف على الثراء الثقافي والفني الذي يملكه الفنانون من ذوي الإعاقة في الهند، والذين غالبًا ما يُستبعدون من صالات العرض التقليدية.
قصة من الإلهام إلى التمكين
تعود فكرة هذا المعرض إلى عام 1992 حين أسس راجيندر جوهار مؤسسة Family of Disabled بعد أن أصيب بشلل الرباعي نتيجة إصابة في الحبل الشوكي.
وبدل أن يستسلم للإعاقة، قرّر تحويل معاناته إلى رسالة، فأسّس منظمة تهدف إلى توفير التدريب والتعليم والدعم المهني والمعيشي للأشخاص ذوي الإعاقة، كرّس جوهار حياته لتعزيز مفهوم الاعتماد على الذات. فأنشأ برامج تمكّن الأفراد من إقامة مشروعات صغيرة، وتقدّم لهم الأدوات والأجهزة التعويضية اللازمة، إلى جانب منح تعليمية وفرص تدريبية.
من أبرز مشروعات المؤسسة مركز أونّاتيUnnati لإعادة التأهيل، الذي يوفّر تدريبًا عمليًا في مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات ولخياطة وإعادة التدوير والحرف اليدوية، بما في ذلك صناعة أقلام الصحف الورقية في تجربة مبتكرة تجمع بين الفن والاستدامة الاقتصادية.
وقد حاز جوهار خلال مسيرته 27 جائزة في مجالات الشجاعة والخدمة الاجتماعية، كما خُصصت له حلقة ضمن البرنامج الشهير، ساتياميف جاياتي Satyamev Jayate ، الذي يسلّط الضوء على قصص ملهمة في مجال العدالة الاجتماعية ودمج ذوي الإعاقة، ليصبح نموذجًا للقيادة الإنسانية والإصرار على التغيير رغم القيود الجسدية القاسية.
الفن كجسر للوعي والتغيير
يحمل معرض، ما وراء الحدود، رسالة واضحة: أن الإبداع لا يُقاس بالقدرة الجسدية بل بقدرة الروح على التعبير والتجاوز، وفي كل دورة جديدة، تثبت المؤسسة المنظمة أن الفن قادر على تغيير النظرة المجتمعية إلى الإعاقة، وتحويلها من ، حالة نقص، إلى مساحة خصبة للإبداع والابتكار.
اللافت في هذا الحدث أنه لا يكتفي بعرض الأعمال الفنية، بل يسعى أيضًا إلى بناء حوار بين الفنانين والجمهور من خلال ورش عمل وجلسات تفاعلية، تتيح للزوار فهم التحديات التي يواجهها الفنانون ذوو الإعاقة أثناء إنتاج أعمالهم، وكيف استطاعوا تحويل القيود الجسدية إلى أدوات للتعبير الفني والحرية.
ويقول أحد منظمي المعرض إن «القيمة الحقيقية لهذا الحدث تكمن في كسر الحواجز النفسية والمجتمعية وفتح الأبواب أمام جيل جديد من الفنانين الذين يرون في الفن طريقًا للحرية. لا مجرد وسيلة للهروب من الواقع بل وسيلة للتعبير عن الذات والكرامة الإنسانية.»
نحو رؤية بلا حدود
على مدار ربع قرن، تحوّل معرض، ما وراء الحدود، إلى علامة فنية وإنسانية بارزة في الهند، ووجهة ملهمة لكل من يؤمن بأن الإبداع لا يعرف إعاقة.
فبين لوحات تتنفس الألوان، ومنحوتات تحمل أثر الإرادة، ووجوهٍ تصرّ على أن تُرى، يظلّ المعرض شاهدًا على أن الفن حين يولد من التحدي، يصبح أعظم أشكال الحرية والتجدد