مقاومة مضادات الميكروبات.. وباء يحول العدوى لإعاقة مستديمة

مقاومة مضادات الميكروبات هي التهديد الصامت الذي يحتفل العالم بالتوعية ضده هذا الأسبوع. وهذا الخطر لا يهدد الحياة فحسب، بل قد يحول العدوى البسيطة إلى إعاقة دائمة تلازم الإنسان طوال عمره. لذلك، يطلق العالم حملته السنوية هذا العام تحت شعار «تعلم. بادر. تصرف الآن». والهدف هو تسليط الضوء على أزمة صحية عالمية تجعل الأدوية غير فعالة.

مقاومة مضادات الميكروبات وباء القرن

في هذا السياق، تحتفل منظمة الصحة العالمية بالأسبوع العالمي للتوعية بمقاومة مضادات الميكروبات من 18 إلى 24 نوفمبر. والتي تحدث عندما تتطور البكتيريا والفيروسات والفطريات لتقاوم الأدوية المصممة لقتلها. نتيجة لذلك، تصبح العدوى صعبة العلاج، وتزداد مخاطر انتشار المرض والوفاة.

علاوة على ذلك، فإن هذه الظاهرة تهدد بتقويض عقود من التقدم الطبي. حيث يعتمد الطب الحديث على المضادات الحيوية في إجراء العمليات الجراحية وعلاج السرطان. لذلك، فإن فقدان فعالية هذه الأدوية يعني العودة إلى عصر كان فيه أي جرح بسيط قد يكون مميتا. وهي أزمة اجتماعية واقتصادية ملحة تتطلب تحركا عاجلا من جميع القطاعات.

كيف تؤدي مقاومة مضادات الميكروبات إلى الإعاقة؟

لا يتوقف خطر مقاومة مضادات الميكروبات عند حدود المرض الحاد، بل يمتد ليسبب إعاقات دائمة. حيث تؤدي العدوى المقاومة للأدوية إلى إطالة أمد المرض وزيادة شدته. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي العدوى البكتيرية المقاومة في العظام (التهاب العظم والنقي) إلى تآكل العظام وفقدان القدرة على الحركة. حسب موقع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) .

بالإضافة إلى ذلك، فإن فشل العلاج بالمضادات الحيوية قد يضطر الأطباء إلى اتخاذ إجراءات جذرية. تحديدا، قد يكون البتر هو الحل الوحيد لإنقاذ حياة المريض في حالات العدوى الشديدة بالأطراف. فهذا التحول من عدوى قابلة للعلاج إلى إعاقة دائمة هو الوجه الأكثر رعبا لمشكلتنا هذه. والتي تزيد من خطر حدوث مضاعفات خطيرة تتطلب تدخلات جراحية معقدة.

خطر البتر بسبب الإنتان والبكتيريا العنيدة

يعتبر الإنتان أحد أخطر مضاعفات العدوى المقاومة، وهو استجابة الجسم المميتة للعدوى. حيث تتسبب البكتيريا المقاومة في تفاقم حالات الإنتان وصعوبة علاجها. نتيجة لذلك، قد يؤدي الإنتان إلى تلف الأنسجة وفشل الأعضاء، مما يستدعي بتر الأطراف لإنقاذ المريض.

وفقا لمنظمة الصحة العالمية وموقعها على الإنترنت، فإن الأشخاص الذين ينجون من الإنتان غالبا ما يعانون من «متلازمة ما بعد الإنتان». وهي تشمل إعاقات معرفية ونفسية وجسدية طويلة الأمد. كما أن البتر الناتج عن الإنتان المقاوم يغير حياة المريض بالكامل ويحوله إلى شخص من ذوي الإعاقة. ومقاومة مضادات الميكروبات تزيد من احتمالية حدوث هذه السيناريوهات المأساوية بشكل كبير.

تعتمد الجراحات المعقدة مثل استبدال المفاصل وزراعة الأعضاء بشكل كلي على فعالية المضادات الحيوية الوقائية. مع ذلك، فإن هذه المقاومة تجعل هذه الإجراءات عالية المخاطر. على سبيل المثال، إذا أصيب مفصل صناعي بعدوى بكتيرية مقاومة، قد يفشل المفصل تماما.

في هذه الحالة، قد يضطر المريض إلى إزالة المفصل والعيش بإعاقة حركية دائمة. بالمثل، يواجه مرضى السرطان الذين يخضعون للعلاج الكيميائي خطرا متزايدا للإصابة بعدوى مميتة بسبب ضعف مناعتهم. لذلك، فإن مقاومة مضادات الميكروبات تهدد بتحويل هذه العلاجات المنقذة للحياة إلى مخاطرة غير محسوبة العواقب. كما أنها تجعل الإجراءات الطبية الروتينية مغامرة خطيرة.

الأمراض المزمنة معاناة لا تنتهي

تفاقم مقاومة مضادات الميكروبات من معاناة أصحاب الأمراض المزمنة. حيث يعاني مرضى السكري، على سبيل المثال، من خطر كبير للإصابة بقرح القدم السكري. عندما تصاب هذه القرح ببكتيريا مقاومة، يصبح العلاج شبه مستحيل، مما يؤدي غالبا إلى البتر.

إضافة إلى ذلك، يعاني مرضى التهابات المسالك البولية المزمنة من تكرار العدوى وفشل العلاج. إن هذا يؤدي إلى تلف الكلى والفشل الكلوي على المدى الطويل. كما أن العدوى التنفسية المزمنة لدى مرضى التليف الكيسي تصبح قاتلة في ظل وجود بكتيريا مقاومة. وهذه المقاومة تحول الأمراض المزمنة إلى حالات مستعصية تهدد الحياة وجودتها.

طالع: سياسات مبتكرة لتنظيم استخدام المضادات الحيوية في المنشآت الصحية الكويتية

لا تقتصر آثار على الصحة الجسدية، بل تمتد لتشمل العبء الاقتصادي. حيث تؤدي الإعاقات الناتجة عن العدوى المقاومة إلى فقدان الإنتاجية وزيادة تكاليف الرعاية الصحية. إن المرضى الذين يعانون من إعاقات دائمة يحتاجون إلى رعاية طويلة الأمد وأجهزة مساعدة.

علاوة على ذلك، فإن هذا يضع ضغطا هائلا على الأسر والأنظمة الصحية. وفقا للتقارير، فإن التكلفة الاقتصادية ل مقاومة مضادات الميكروبات قد تكون كارثية على مستوى العالم. لذلك، فإن الاستثمار في الوقاية والاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية هو استثمار في المستقبل الاقتصادي والاجتماعي. فهي أزمة تنموية بامتياز.

ذوو الإعاقة في دائرة الخطر

يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة خطرا مضاعفا في ظل أزمة مقاومة مضادات الميكروبات. حيث يعانون غالبا من صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة والتشخيص المبكر. إضافة إلى ذلك، فإن اعتمادهم على الآخرين أو العيش في دور الرعاية يزيد من خطر تعرضهم للعدوى. وفق موقع amr-insights.eu الهولندي.

كما أشارت الدراسات، فإن الأشخاص الذين يعانون من إعاقات تتطلب رعاية تمريضية مكثفة هم أكثر عرضة للإصابة بالبكتيريا المقاومة. إن هذا يخلق حلقة مفرغة من المرض والإعاقة المتزايدة. لذلك، يجب أن تكون استراتيجيات مكافحة مقاومة المضادات شاملة وتراعي احتياجات هذه الفئة الضعيفة.

في الختام، إن مقاومة مضادات الميكروبات ليست مجرد مشكلة طبية، بل هي تهديد وجودي قد يعيدنا إلى عصور الظلام الطبي. إن خطر التحول من عدوى بسيطة إلى إعاقة دائمة هو خطر حقيقي يهدد الجميع. لذلك، يجب علينا جميعا الالتزام بالاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية واتباع إرشادات الأطباء. باختصار، إن العمل الآن هو السبيل الوحيد لحماية مستقبلنا الصحي ومنع تفاقم هذه الأزمة الصامتة.