هل يرى المكفوفون في أحلامهم؟ دراسات علمية سعت إلى البحث عن إجابة علمية لهذا التساؤل، أحدث هذه الدراسات أظهرت أن المكفوفين يحلمون بأحلام تختلف عن أحلام المبصرين.
حسب الآراء العلمية قد يرى بعض المكفوفين مشاهد بصرية، يعاني آخرون من نقص أو غياب تام للبصر في الأحلام، مع تعويض ذلك بتعزيز الحواس الأخرى، وذلك تبعًا لوقت فقدان البصر، سواء من الولادة أم بعد ذلك، وحسب المدة التي قضاها الشخص مكفوفًا.
هل يرى المكفوفون محتوى بصري
في دراسة “The Sensory Construction of Dreams and Nightmare Frequency in Congenitally Blind and Late Blind Individuals” التي أجرتها Meaidi, Amani وJennum, Poul وPtito, Maurice وKupers, Ron، نُشرت في Sleep Medicine في مايو 2014، شملتُ الدراسة 11 شخصًا مكفوفين منذ الولادة (Congenitally Blind‑CB)، و14 مكفوفين في سن متأخرة (Late Blind‑LB)، و25 من المبصرين كمجموعة ضابطة، فبلغت الفترات التي جمع فيها الباحثون مُعطيات الأحلام عبر استبيان صباحي لمدة أربعة أسابيع.
وقد وجدت الدراسة أن جميع المكفوفين كانوا لديهم انطباعات بصرية أقل في أحلامهم مقارنة بالمبصرين، وأن المكفوفين في وقت متأخر من العمر أظهروا أن مدة العمى مرتبطة سلبًا مع وضوح العناصر البصرية ولونها ومدة ظهورها في الحلم، فكلما طالت مدة العمى، قلّت هذه العناصر.
كما أفاد المكفوفون منذ الولادة بأن أحلامهم تحتوي على مكوّنات سمعية ولمسية وتذوّقية وشمية، أكثر بكثير مما لدى المبصرين، في حين أن المكفوفين المتأخرين أشاروا فقط إلى زيادة ملموسة في الإحساس باللمس مقارنةً بالمبصرين، دون اختلاف كبير في باقي الحواس.

وفي دراسة أحدث بعنوان “Mental Imagery in Dreams of Congenitally Blind People” التي نشرت في Brain Sciences في 30 سبتمبر 2023، قام الباحثون Kang, J. وBertani, R وآخرين، بتحليل 180 حلمًا تعود إلى سبعة أشخاص مكفوفين منذ الولادة مأخوذة من قاعدة DreamBank، ومقارنتها بأحلام أشخاص مبصرين، فوجدوا أن المحتوى الحلمي للمكفوفين خُصِّص له تمثيل أكبر للحواس السمعية، واللمسية، والشمّية، والتذوقية، مع وجود استخدام محدود لكن ملحوظ لبعض الصفات البصرية في الكلمات التي يستخدمها المكفوفون عند وصف الأحلام، مثل الإشارة إلى ألوان أو جمالية بصرية، لكن بنسبة أقل بكثير من المجموعة الضابطة من المبصرين.
في دراسة أحدث، أجرت مجموعة Setareh et al دراسة تحت عنوان “Comprehensive Analysis of the Dream Content of People with Blindness, Using the Hall and Van de Castle System”، نُشرت في International Journal of Dream Research عام 2024، حيث جمع الباحثون 135 حلمًا من 17 شخصًا كفيفًا، ودرسوا أنماط الأحلام باستخدام نظام Hall & Van de Castle، فوجدوا تفاوتات في المحتوى البصري، وهو ما يدل على أن بعض المكفوفين لديهم قدر من الاسترجاع البصري أو التصور البصري في أحلامهم، رغم أن هذا المحتوى أقل وضوحًا وتكرارًا مقارنة بالمبصرين.
كيف تبدو الأحلام للمكفوفين؟
تُظهر الدراسات أن المكفوفين منذ الولادة، غالبًا ما يميلون إلى أحلام تكون غنية بالحواس غير البصرية، فمثلاً في دراسة Meaidi et al (2014)، المكفوفون منذ الولادة قالوا إن أحلامهم تحتوي على عناصر سمعية ولمسية وتذوّقية وشمية أكثر بكثير من تلك التي في أحلام المبصرين، في حين أن المكفوفين المتأخرين كانوا أكثر استخدامًا للحس اللمسي فقط عند المقارنة بالمبصرين، ولم يكن هناك اختلاف كبير في المحتوى العاطفي أو الموضوعي للحلم بين المجموعات.
من ناحية أخرى، أشارت دراسة Mental Imagery in Dreams of Congenitally Blind People (2023) إلى أن المكفوفين يستخدمون كلمات بصرية مثل أسماء الألوان أو تعبيرات جمالية أقل بكثير من المبصرين، لكن وجودها يُظهِر أن بعض التصورات البصرية – حتى لو كانت مجرد استعارات لغوية أو تمثلات عقلية – موجودة.
كذلك لم يُظهِروا اختلافًا كبيراً في فئة حجم الأشياء أو الإحساس بالضوء (luminosity) في الأحلام مقارنة بالمبصرين في بعض المقاييس.

كما درس Setareh et al (2024) بأنماط الأحلام بين المكفوفين، أكد أن بعض الأحلام تتضمن مشاهد بصرية عند من فقد البصر بعد سن يمكنهم فيه الاحتفاظ بذكريات بصرية، أما من ولدوا مكفوفين فتكون الأحلام أكثر حسيّة عبر الأصوات، واللمس، والموضوعات الزمنية والمكانية دون صور واضحة.
الكوابيس لدى المكفوفين
نعم، تنطوي تجربة أحلام المكفوفين على كوابيس، وربما بتكرار ومضمون مختلف، حسب الحالة البصرية.
في دراسة Meaidi et al (2014)، وُجد أن المجموعة المكفوفة منذ الولادة (CB) أفادت بتكرار أكبر للكوابيس مقارنة بالمكفوفين المتأخرين والمبصرين، وأن لديهم أحلامًا تتضمن تفاعلات عدائية أو مواقف تهديدية أكثر من الآخرين، وقد يكون هذا مرتبطًا بخبراتهم اليومية من تهديد أو صعوبة التنقل أو الخوف من الظلام أو عدم القدرة على الرؤية، مما يزيد من تأثير المشاهد أو المخاوف في الحلم.
دراسة Setareh et al (2024) أشارت إلى أنه عند تحليل أحلام المكفوفين ضمن نظام Hall & Van de Castle، تم رصد أنماط عدائية أو مواقف خطرة أو تهديدية وأكثر حسًّا بالخطر لدى بعض المكفوفين، وإن كانت ليست كلها كوابيس بمعناها الكامل، لكنها تميل إلى أن تحتوي على عناصر سلبية أو خوفية أكثر من أحلام بعض المبصرين في بعض الحالات.
أجمع العلماء على أن زمن فقدان البصر (أي العمر عند حدوث العمى) هو عامل حاسم في تحديد ما إذا كان الشخص المكفوف يحلم بمكونات بصرية أو لا، وإلى أي مدى.
تاريخ فقدان البصر
من فقد بصره بعد سن يُقدّر بحوالي الطفولة المبكرة المبكرة أو بعدها، أي بعد الخمس إلى السابعة سنة تقريبًا، غالبًا يكون لديه ذكريات بصرية كافية لاحتواء صور أو مشاهد بصرية في أحلامه، وإن كانت أقل وضوحًا مع مرور الزمن بعد فقدانه للبصر.
أما من ولدوا مكفوفين (Congenitally Blind)، فمع أن الكثير من الأحلام لديهم لا تتضمن صورًا واضحة أو رؤية في الحلم كما المبصرين، إلا أن بعض الدراسات مثل Kang et al. 2023 رصدت وجود بعض العبارات أو الكلمات البصرية في وصف الأحلام لديهم، مما يقترح إمكانية وجود تصور بصري داخلي رغم غياب الخبرة البصرية الحسية المباشرة.
كذلك، مدة العمى بعد فقدان البصر تؤثر؛ فكلما طالت المدة، قلّت وضوح الصور، الألوان، ومدة ظهور العناصر البصرية في الحلم، بحسب دراسة Meaidi et al. 2014.
الاستنتاجات العلمية
أولا: المكفوفون يحلمون، كما يفعل المبصرون، ولكن نوعية الأحلام تختلف تبعًا لعوامل مثل العمر عند فقدان البصر، ومدة العمى، مع المحتوى البصري أقل وضوحًا وتكرارًا لدى من ولدوا مكفوفين.
ثانيًا: الحواس الأخرى مثل السمع، اللمس، الشم، والتذوق تلعب دورًا أكبر في أحلام المكفوفين، خاصة لمن لم يرَ البصر مطلقًا، وهي وسيلة تعويضية أساسية لبناء التجربة الحلمية.
ثالثًا: الكوابيس موجودة أيضًا، وقد تكون أكثر انتشارًا أو تتضمَّن عناصر الخوف والتهديد لدى المكفوفين من الولادة، ربما نتيجة للتجارب الواقعية التي يواجهونها، كتحديات التنقل أو الاعتداءات أو عدم الأمان.
رابعًا: الدراسات الحديثة مثل “Mental Imagery in Dreams of Congenitally Blind People” تفتح إمكانية أن يكون هناك بعض شكل من التصور البصري الداخلي حتى لمن ولدوا مكفوفين، وإن كان هذا التصور لا يشبه ما يراه المبصرون؛ ربما يكون من خلال استعارات لغوية أو ذكريات سمعية أو حسّية تتحول إلى ما يشبه تخيّل بصري.