الدول العربية – جسور- فاطمة الزهراء بدوي
يفرض الأشخاص المختلفون أنفسهم بقوة الموهبة والعزيمة، وسط عالم لا يُفسح الطريق بسهولة للمختلفين لكن الموهبة والعزيمة والإصرار تجعل صاحبها قادرا على صنع المستحيل، وتحويل العثرات إلى سلالم، يصعد عليه لتحقيق حلمه.. ففي شهر يوليو، وُلد خمسة من أبرز ذوي الإعاقة في العالم العربي، خاضوا معاركهم بثبات ويقين، وحولوا الإعاقة إلى طاقة خلاقة غيرت نظرة المجتمع لهم، في ميادين الرياضة وقاعات الرسم والموسيقى وباقي الفنون.
منحة حلمي.. رائدة مصرية في فن الحفر والطباعة
وُلدت الفنانة منحة حلمي في حلوان عام 1925، وهي واحدة من أوائل النساء اللاتي التحقن بمعهد الفنون التربوية، ثم درست الحفر في لندن حيث نالت جائزة “سلايد” المرموقة.
رغم إصابتها لاحقًا بحالة صحية نتيجة استنشاق مواد كيميائية، تابعت التدريس في جامعة حلوان حتى وفاتها في 2004. خلدت حلمي اللحظات السياسية والاجتماعية في مصر من خلال لوحاتها: سد أسوان، أول انتخابات شاركت فيها نساء، وحتى مشاهد من الحياة اليومية. بقيت أعمالها حيةً، تُعرض في متاحف مصرية وأوروبية، وتُدرس في مناهج الفنون المعاصرة.
فيصل الراجحي.. بطل الكويت في مضمار الإرادة
أحرز البطل الكويتي فيصل الراجحي ميدالية برونزية في سباق 5000 متر على الكراسي المتحركة فئة T54 ضمن دورة الألعاب البارالمبية «باريس 2024». وحقق إنجازه بزمن بلغ 10:55.99 دقيقة، بفارق طفيف عن الأميركي رومان تشك والسويسري مارسيل هاغ.
وصل إلى ذلك بعد سنوات من العمل المتواصل، شارك خلالها في بطولات قارية ودولية، وراكم خبرةً جعلته اليوم من بين أبرز الرياضيين في ألعاب القوى البارالمبية. أكمل الراجحي مشاركته في «باريس 2024» بخوض سباقات 400 و800 و1500 متر، ممثلًا لوطنه إلى جانب زميليه فيصل سرور وضاري بطي.
وليد كتيلة.. آلة الذهب التونسية
العدّاء التونسي وليد كتيلة هو أحد ألمع نجوم الرياضة البارالمبية في فئة T34، لم يتوقف يومًا عن تحطيم الأرقام ورفع علم بلاده عاليًا، وأيضا فاز بأكثر من 10 ميداليات ذهبية في دورات لندن 2012، ريو 2016 وطوكيو 2020.
اشتهر بقدرته المذهلة على ضبط الإيقاع وتوظيف التكتيك، لا سيما في سباقات 100 و800 متر. وفي أحد الحوارات الصحفية، أرجع سر تفوقه إلى والدته، التي دعمته منذ الطفولة وغرست فيه الإيمان بقدراته، رغم إصابته بالشلل الدماغي. اليوم، يوظف شهرته في نشر الوعي بقضايا ذوي الإعاقة، ويكرس جهده لتشجيع الأطفال على دخول عالم الرياضة بثقة وطموح.
راكان كردي.. رسام سعودي يحوّل الضمور العضلي إلى فن
في جدة، نشأ راكان كردي وهو يعاني من ضمور عضلي أقعده على كرسي متحرك، لكنه لم يتخل عن حلمه، واكتشف موهبته في سن مبكرة، وعبر يوتيوب ومنصات الإنترنت، طوّر مهاراته في الرسم والتصميم الرقمي.
باع أكثر من 1000 لوحة، وشارك في معارض وطنية، مع رسم بورتريهات لرموز سعودية.. اعتُمدت بعض لوحاته من جهات رسمية، واعتبرتها وزارة الشؤون الاجتماعية أعمالًا مُلهمة، ويرى في الموسيقى وسيلة لتعزيز تركيزه أثناء الرسم، مع إيمانه بأن الفن لغة قادرة على التعبير عن قضايا كبرى بطريقة بصرية مؤثرة.
محمد الدلو.. فن الأنمي والمنديلا من قلب غزة المحاصرة
لم تمس قدماه الأرض يومًا، لكنه حلق بخياله وريشته في سماء غزة.. محمد الدلو، شاب فلسطيني وُلد بإعاقة جسدية كاملة، عوضها بإبداع نادر في الرسم. بدأ رحلته من خلال محاكاة شخصيات الأنمي، ثم تطور إلى فنون الزخرفة والمنديلا.. نظّم أول معرض للأنمي في غزة بعنوان “الأنمي حياتي” عام 2015، وتوالت بعدها المعارض والمشاركات.
رغم خروجه المبكر من المدرسة، كوّن ثقافته ذاتيًا، وبدأ يرسم لشركات فلسطينية شعارات احترافية، محوّلًا الفن إلى مصدر دخل دائم، ويرى في إعاقته طاقة كبيرة، وفي الورق ملاذًا يُجسد فيه أمنياته وأمنيات أصحاب الهمم.
الأبطال الخمسة يجمعهم إيمانهم بأن حدود الجسد لا تعني نهاية الحلم، وقصصهم تُروى لتكون وقودًا لثقة الأجيال الجديدة بأن التميز لا يعرف قالبًا ثابتًا.