أبناء «نجاة» في صعيد مصر.. ضحايا نظام صحي لا يعترف بالأمراض النادرة

أبناء «نجاة» في صعيد مصر.. ضحايا نظام صحي لا يعترف بالأمراض النادرة

المحرر: عبد الصبور بدر - مصر

في أعماق صعيد مصر، وتحديدًا في محافظة سوهاج، تعيش السيدة نجاة يونس أحمد التي تعيش قصة مروعة تختصر معاناة آلاف الأسر البسيطة مع الأمراض النادرة وضعف الخدمات الصحية.

أم لخمسة أبناء تواجه منذ سنوات مرضًا نادرًا أصاب ثلاثة من أولادها يُعرف بـ”أديسون الكظري”، وهو مرض يهدد الحياة إذا لم يُشخّص بدقة ويُعالج بانتظام.

بدأت نجاة رحلتها مع الأطباء بين أخطاء في التشخيص وتأخر في التحاليل وصعوبة في توفير العلاج، لتجد نفسها أمام واقع يفرض عليها التخلي عن أحلام أبنائها وتعليمهم مقابل العلاج.

و بين مستشفيات لا تعترف بالمرض، وأدوية لا تتوفر إلا في العاصمة، وأجساد صغيرة ننهار أمام عينيها، تحولت الأم الصعيدية إلى رمز للصبر الإجباري في مواجهة نظام صحي مثقل بالبيروقراطية

قصة نجاة مرآة لأوجاع فقراء الريف حين يواجهون مرضًا لا يعرفه كثيرون ولا يجد له المسؤولون حلًا.

قالت السيدة نجاة يونس أحمد من محافظة سوهاج بمصر لـ«جسور»: «أنا أم لخمسة أبناء؛ ثلاث بنات وولدان، وزوجي يعمل مساعد نجار ويتحصل على دخل مادي بسيط. الابن الأكبر عمره 25 عامًا، والأصغر 10 سنوات، أما البنات فهن 23، و19، و17 عامًا».

بداية الألم

وأضافت: «ابنتي الثالثة (ش) شعرت بإرهاق شديد، ونوم متواصل، وغثيان، وتغير لون الشفاه واللسان إلى الغامق. كنت أذهب إلى الطبيب فيعطيني علاجًا للأنيميا، وغيّرت الطبيب أكثر من مرة، لكن الوضع استمر كما هو حتى دخلت شهد في غيبوبة كظرية».

أول الأبناء في الإصابة

أيام المستشفى والمعاناة

وتابعت: «قضينا 17 يومًا في التحاليل والإشعاعات دون أن تتكلم. كنت لا أنام وأنا أقف على قدمي بجانبها طوال النهار، أشعر أنني أموت وبنتي ونور عيني لا أعرف ما بها. تحولت إلى هيكل عظمي وتاهت ملامحها عني، في الوقت الذي انهارت فيه ظروفي المادية».

وأضافت: «بعد 17 يومًا خرجت من المستشفى الجامعي بسوهاج دون أن تُشخص حالتها. طلب مني الطبيب أن أتركها في الغرفة، وكان ذلك بالنسبة لي كالموت، بل أصعب أيام حياتي. تركت أولادي جميعًا، وكان الابن الأكبر يجد صعوبة في رعايتهم أو الاهتمام بأي شيء».

رحلة البحث عن التشخيص

وأوضحت: «بعد شهر، وبينما كنا في البيت، ذهبنا إلى طبيب جهاز هضمي، فقال لي: امنعي عنها اللحوم ودَعيها تعيش على الفينو والمربى والجبن. تركت أولادي في بيت جدهم وأقمت معها. وفي أحد الأيام لاحظت بقعًا سوداء على لسانها، فذهبت مسرعة إلى طبيب غدد صماء في سوهاج اسمه أحمد منير حجاب، وهو الذي اكتشف المرض فعلاً».

الصدمة والتحليل

وشرحت نجاة: «طلب مني الطبيب إجراء تحليل، فأخذت العينة وذهبت إلى المعمل الذي أرسلني إليه، فوجدته غاليًا جدًا ولم أجد المبلغ، فبكيت. سحبت العينة ودفعت جزءًا من المبلغ وعدت إلى البيت وأنا أتمنى من الله الشفاء. استغرقت مدة التحليل عشرة أيام، كانت من أصعب الأيام عليّ، كنت أحتضنها وأبكي وأخفي دموعي عنها».

معاناة شديدة

وأضافت: «ذهبت إلى المعمل وأكد الطبيب أنها مصابة بمرض أديسون الكظري، وكتب لي العلاج. كانت الصدمة عندما قال إن العلاج كورتيزون، وبدأنا رحلة جديدة، وكان نوع الكورتيزون اسمه هستوكرتين إتش 5».

بداية العلاج وصدمة أخرى

وتابعت الأم: «بعد بدء العلاج تحسنت ابنتي والحمد لله، وكنت حريصة على إعطائها الدواء بدقة، لكني لاحظت أن أختها (ر) لديها الأعراض نفسها. ذهبت بها إلى الطبيب فقال إنها أنيميا، لكن بعد التحليل كانت الصدمة: نفس المرض. تضاعف حزني وهمي، وبدأت معها رحلة جديدة من المعاناة، وأنفقت أموال تعليم إخوتها على العلاج».

تضحيات قاسية

وقالت نجاة: «ابنتي الكبرى نجحت في الثانوي الأزهري وكانت الخامسة على المحافظة، وكانت ترغب في دخول كلية التجارة بأسيوط، لكني رفضت وأدخلتها كلية اللغة العربية بسوهاج حتى لا أقصر في مصاريف العلاج. ابني الأكبر أيضًا ترك الجامعة ليعمل ويساعدني في علاج إخوته».

غيبوبة جديدة ومأساة ثالثة

واستطردت: «أرشدني بعض الناس إلى التأمين الصحي، وبدأت أصرف العلاج، لكن دون تحسن في حالة شهد أو رحمة.

دخلت رحمة في غيبوبة كظرية، وكنت أعيش بمفردي مع أولادي. كانت الساعة الرابعة فجرًا، وشاهدت طلوع روحها، وكان أصعب موقف في حياتي».

الابنة الصغرى

وأضافت: «خرجت أجري بها إلى أقرب مستشفى حكومي، فرفضوا حجزها وقال لي الطبيب: بنتك ميتة. تركني أنهار وتحاملت على نفسي، وذهبت بها إلى مستشفى سوهاج فأسعفوها. كان ذلك من أشد لحظات الألم التي عشتها».

الأمل والعمل

وتابعت الأم: «بعد ذلك غيّر الطبيب العلاج الذي كنت أصرفه من التأمين، وبدأت أبحث عن عمل. اشتغلت في أي عمل شريف حتى أزيد دخلي وأقف بجانب أولادي».

وأضافت: «طلبت من الدكتور أحمد منير حجاب أن يكتب لهم حقنًا للنمو، فرفض، فذهبت إلى القاهرة لطبيب آخر اسمه جوزيف محروس، فكتب لهما الحقن، لكن فقري حرمني من شرائها يوميًا، وكان الوقت قد تأخر. وأجرينا مقياس العظم فوجدنا أن عمر العظم قد كبر، ثم اكتشفت إصابة ابني الصغير بالمرض نفسه».

آخر الأبناء

الاستسلام للإرادة الإلهية

واختتمت نجاة: «لم أعد أحتمل، فدعوت الله ألا يحملني ما لا طاقة لي به، وكرست حياتي لأولادي. شهد الآن تعاني من ألم شديد في البطن، ونستعد لإجراء عملية في المرارة، والله المستعان».
وأضافت: «عندما نبحث عن علاج نجده على حساب صحة أولادنا، ويختفي فجأة. لماذا تعمل وزارة الصحة على تصعيب الأمور؟ وإذا كان العلاج متوفرًا في الصيدليات والمحافظات، فلماذا نضطر للسفر 12 ساعة للحصول عليه من صيدلية الإسعاف بالقاهرة؟»

كلمة شكر وسند إنساني

وختمت حديثها لـ«جسور» قائلة: «أشكر السيدة المصرية الكندية ريهام مرسي، التي يعاني أولادها من المرض نفسه، فهي سندي وسند أولادي، ودعمتني في كل شيء. والله المستعان».

السيدة ريهام مرسي مع ولديها
المقالة السابقة
مصر تفتتح مجمع خدمات متكامل لذوي الإعاقة في عين شمس
المقالة التالية
قطر تعتمد قانونًا جديدًا لدعم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

وسوم

أمثال الحويلة (397) إعلان عمان برلين (461) اتفاقية الإعاقة (608) الإعاقة (142) الاستدامة (1100) التحالف الدولي للإعاقة (1073) التشريعات الوطنية (845) التعاون العربي (515) التعليم (83) التعليم الدامج (65) التمكين الاقتصادي (90) التنمية الاجتماعية (1095) التنمية المستدامة. (84) التوظيف (64) التوظيف الدامج (828) الدامج (56) الدمج الاجتماعي (637) الدمج المجتمعي (163) الذكاء الاصطناعي (86) العدالة الاجتماعية (73) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (509) الكويت (86) المجتمع المدني (1077) الولايات المتحدة (63) تكافؤ الفرص (1070) تمكين (87) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (527) حقوق الإنسان (76) حقوق ذوي الإعاقة (95) دليل الكويت للإعاقة 2025 (373) ذوو الإعاقة (157) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1038) ذوي الإعاقة (529) ذوي الهمم (58) ريادة الأعمال (396) سياسات الدمج (1058) شركاء لتوظيفهم (386) قمة الدوحة 2025 (650) كود البناء (450) لغة الإشارة (72) مؤتمر الأمم المتحدة (342) مجتمع شامل (1065) مدرب لغة الإشارة (640) مصر (85) منظمة الصحة العالمية (663)