أستراليا – جسور – فاطمة الزهراء بدوي
أعلنت الحكومة الأسترالية عن رفع الحد الأدنى لسن الأهلية للأطفال لدخول “نظام دعم الإعاقة الوطني” (NDIS) من سبع سنوات إلى تسع سنوات، وذلك بعد اجتماع حاسم عقده وزراء الصحة في الولايات الأسترالية يوم الجمعة. التغيير سيجعل غالبية الأطفال دون سن التاسعة خارج نطاق التغطية المباشرة للـNDIS، ويعتمدون بدلًا من ذلك على ما يسمى “الدعم الأساسي” الذي ستوفره الولايات بشكل مباشر.
يمثل هذا التحول الجذري في السياسات محاولة من الحكومة الفيدرالية لكبح النمو المتسارع في تكاليف البرنامج، والذي يشهد ضغطًا متزايدًا نتيجة الارتفاع الكبير في أعداد الأطفال الملتحقين به، حيث تشير الإحصائيات إلى أن واحدًا من كل خمسة أولاد دون السابعة إما مشترك حاليًا أو يتقدم بطلب للانضمام إلى النظام.
دعم مخصص للاضطرابات النفسية الاجتماعية
بموجب التغييرات الجديدة، ستحصل حكومات الولايات على مسؤولية تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال دون التاسعة، خاصةً أولئك الذين يعانون من تأخر نمائي خفيف إلى متوسط. في الوقت ذاته، سيبقى NDIS مخصصًا لمن لديهم إعاقات دائمة وشديدة.
وزير الصحة الفيدرالي مارك باتلر صرح عقب الاجتماع بأن الحكومة الفيدرالية ستدعم هذه التغييرات بتمويل جديد يقدر بنحو 700 مليون دولار، لتوسيع خدمات الصحة النفسية للشباب ضمن أنظمة الولايات.
وقال باتلر: “الصحة النفسية لدى الشباب تُعد تحديًا حقيقيًا في مجتمعنا، والطلب على هذه الخدمات يزداد عامًا بعد عام. لذلك، فإن توفير نماذج رعاية فعالة، وأعداد كافية من مقدمي هذه الخدمات، يُعد أمرًا بالغ الأهمية”.
وأشار إلى أن التمويل الجديد سيشمل ما وصفه البروفيسور بات مكغوري بـ”الفجوة المفقودة”، في إشارة إلى الشباب الذين يعانون من مشكلات نفسية لا يتم تصنيفها تحت الاضطرابات الشديدة، وبالتالي لا يحصلون على الدعم الكافي.
من المستشفيات إلى الرعاية المجتمعية
أكد باتلر أن الأشخاص الذين يعانون من احتياجات نفسية واجتماعية كبيرة، مثل أولئك الذين يترددون باستمرار على أقسام الطوارئ دون حصولهم على دعم كافٍ، سيظلون ضمن دائرة اهتمام الحكومة. وأضاف: “نحن نعمل مع الولايات لضمان استمرار حصول هؤلاء الأفراد على الدعم المناسب”.
كما أشار الوزير إلى أن التغييرات لن تطبق على الفور، مؤكدًا أن النظام الجديد للدعم الأساسي مرتبط باتفاقيات تمويل المستشفيات، والتي لن يتم الانتهاء منها قبل نهاية هذا العام. وتابع: “لا يمكننا إطلاق نظام دعم أساسي بحلول الأول من يوليو، لعدم وجود اتفاقيات تمويل جاهزة بعد”.
بناء قوى عاملة في مجال الصحة النفسية
ومن بين المحاور الأساسية للإصلاح، يأتي تعزيز القوى العاملة في مجال الصحة النفسية، من خلال التخصصات المعروفة مثل الطب النفسي وعلم النفس، وأيضًا من خلال توظيف الكوادر من أصحاب التجارب الحياتية، في إطار ما يُعرف بـ”القوى العاملة من الأقران”، وهو نهج جديد وفريد في قطاع الصحة.
وأوضح الوزير: “نحن بحاجة إلى قوة عاملة تمتلك خبرات شخصية في الصحة النفسية، وهذا ما سيجعل النظام الجديد أكثر إنسانية وقربًا من الواقع”.
تفريق واضح بين الدعم العميق والدعم الوقائي
شدد باتلر في كلمته على أن الدعم الأساسي يعد بديلًا للدعم العميق الذي يحتاجه الأطفال ممن يعانون من إعاقات دائمة، ووسيلة لتقديم مساندة خفيفة للأطفال ممن لديهم مشكلات نمو بسيطة نسبيًا، بهدف إعادتهم إلى مسار النمو السليم.
وقال: “نريد توفير الدعم للأطفال الذين لا يحتاجون إلى خدمات دائمة، لكنهم بحاجة إلى تدخل مبكر يعيدهم إلى الطريق الصحيح، دون أن ندفع بهم مبكرًا إلى نظام دعم مصمم خصيصًا لذوي الإعاقات الشديدة والدائمة”.
مخاوف وتحديات
رغم الإيجابيات التي أعلنت عنها الحكومة، أعرب بعض الأهالي والمهنيين عن قلقهم من غياب التفاصيل حول طبيعة “الدعم الأساسي”، وما إذا كانت الخدمات البديلة التي ستقدمها الولايات ستكون متاحة بالفعل بالمستوى والكفاءة المطلوبة، خاصةً في المناطق النائية والمحرومة.
من المتوقع أن تثير التغييرات الجديدة نقاشًا واسعًا في الأوساط الأسترالية المعنية بذوي الإعاقة، خصوصًا في ظل تزايد الطلب على خدمات الدعم المبكر، ووجود فجوات واضحة في البنية التحتية الحالية.
وبينما تتعهد الحكومة بأن الدعم الأساسي سيكون متاحًا وممولًا بشكل مناسب، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه الإصلاحات في تحقيق التوازن بين خفض تكاليف النظام وضمان حصول كل طفل على ما يحتاجه من رعاية؟