وسط ظروف حرب قاسية ونقص حاد في الخدمات الطبية، أُصيب بمرض شديد غيّر مجرى حياته إلى الأبد، خرج من مرضه مصابا بالصمم، سكتت كل الأصوات من حوله وهو طفل لم يكمل عامه الثالث، فغابت ضحكات العائلة وتلاشت أصوات الأخوة، لكن قلبه ظل يسمع لغة واحدة لا يخطئها، وهي لغة الإرادة.
كانت البداية صعبة، عالم يضج حوله بالأصوات التي لا تصل إليه، لكنه لم يسمح للعزلة أن تُحاصره، إنه محمد عبد الواحد، نائب رئيس الاتحاد الأردني لرياضات الصم

بدأ محمد عبدالواحد مشواره التعليمي في مدرسة المؤسسة والأراضي المقدسة للصم والبكم حتى الصف السادس، قبل أن ينتقل إلى المملكة العربية السعودية ويلتحق بمدرسة الرياض للصم، هناك لم يكتفِ بالدراسة حتى الصف الثالث المتوسط، بل انغمس في تعلم مهارات عملية مثل صيانة الكهرباء وعلوم الحاسب الآلي وفنون التصوير.
يحكي محمد عبد الواحد عن رحلته لـ”جسور” قائلًا: “لم يكن الصمم عائقًا أمام شغفي بالرياضة، ارتديت قفازات حارس المرمى في نادي الرياض للصم، وحميت شباكه لمدة 7 سنوات، وحصدت لقب أفضل حارس في المملكة، إلى جانب تميزي في لعبة كرة الطاولة، كنت دائمًا ما أواجه الكرات في الملعب كما أواجه تحدياتي في الحياة بكل ثبات وثقة”.
مؤكدا: “وعند عودتي إلى الأردن، حملت خبراتي وشغفي معًا لأقود العمل الرياضي والاجتماعي، توليت رئاسة نادي سمو الأمير علي بن الحسين للصم في عمّان لمدة 10 سنوات، ثم انتقلت إلى إربد حيث قدت النادي هناك لمدة 17 عامًا، واليوم أقف على رأس إدارة نادي سمو الأمير علي بن الحسين للصم في الزرقاء.

ويضيف عبدالواحد: لكن طموحي لم يتوقف عند نجاحي الشخصي، بل أردت أن أكون صانع مساحات لقاء وتواصل بين الصم من خلال أنشطة رياضية وثقافية وخيرية، ورحلات ترفيهية ومؤتمرات، فشاركت في صياغة مستقبل حقوق ذوي الإعاقة السمعية كنائب لرئيس الاتحاد الأردني لرياضات الصم، ورئيس للجنة الخاصة بهم في اللجنة البارالمبية الأردنية، حتى أنني كنت جزءًا من مناقشة تعديلات دستورية تخص هذه الفئة في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”.
وبنبرة صوت يملؤها الثقة يقول: “على مدى ستة عقود من الكفاح، أثبت أن الصمت لا يعني الغياب، وأن فقدان السمع لا يلغي القدرة على الإلهام، وأن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل بداية تحدٍ جديد. بالصبر، والتعلم، والعمل، يمكن أن نحول أي محنة إلى فرصة، ونكتب قصص نجاحنا بأيدينا، ثم نقرأها بعد سنوات كملحمة بطولية تستحق الفخر والاعتزاز”.