من العزلة إلى بريق النجاح. أصم بريطاني يهزم الإعاقة بالشطرنج، عبارة مناسبة لتكون عنوانًا لرحلة الإنجليزي إيلان دويك، tمنذ طفولته واجه الأستاذ المساعد بجامعة ريدينج البريطانية، والأمين العام للاتحاد الدولي لشطرنج الصم. جدارًا من العزلة بسبب إعاقته.
إيلان لم يستسلم، وحين أُغلقت أذناه، كانت عيناه تلتقطان تفاصيل العالم وكلماته من حركة الشفاه.
إيلان دويك أصم من جذور شرق أوسطية
وعن رحلته مع الإعاقة يقول إيلان لـ جسور: «وُلدتُ أصمَّ، وأعود بجذوري إلى لندن بإنجلترا. نشأت في أسرة لا يوجد بها أي شخص أصم، ولذلك كان عليّ أن أطور مهاراتي الخاصة؛ فتعلمت قراءة الشفاه، كما تعلمت القراءة والكتابة بالإنجليزية. وكذلك باللغة الفرنسية، لأن أسرتي تعود أصولها إلى الشرق الأوسط، وكانت الفرنسية هي اللغة المتداولة بينهم.
أذكر أنني التحقت خلال طفولتي بثلاث مدارس مختلفة للصم، وفي فترة السبعينيات والثمانينيات كان استخدام لغة الإشارة ممنوعًا في المدارس؛ لذلك لم أتعلم لغة الإشارة البريطانية (BSL) إلا في سنوات مراهقتي المتأخرة، وكان الفضل في ذلك لأصدقائي الصم الذين تربّوا في أسر صماء؛ فقد نقلوا لي هذه اللغة وفتحوا أمامي أبوابًا جديدة للتواصل».

إيلان لم يكن مجرد أصم بريطاني يهزم الإعاقة، فيكمل حديثه: «في عام 1984 التحقت بجامعة هيرتفوردشاير لدراسة الرياضيات. في برنامج دراسي مدته أربع سنوات. في تلك الفترة لم يكن هناك أي دعم تقريبًا للطلاب الصم داخل الجامعات؛ كنت أعتمد كليًا على قراءة الشفاه خلال المحاضرات، كما كنت ألجأ إلى مراجعة ملاحظات زملائي. بعد انتهاء كل محاضرة. حتى أتمكن من متابعة الدروس. ورغم هذه الصعوبات الكبيرة، تمكنت من التخرج بمرتبة الشرف من الدرجة الثانية العليا».
حين أغلقت أذنيّ.. فتحت عينيّ على تفاصيل العالم
ثم بدأت مسيرتي المهنية كمبرمج للحاسب الآلي، وعملت في هذا المجال عدة سنوات. لكنني قررت بعد ذلك أن أغير مساري تمامًا؛ فاتجهت إلى التمثيل. كممثل مستقل في المسرح والتليفزيون. خلال التسعينيات وبدايات الألفية. وبالرغم من أنني لا أمارس التمثيل كثيرًا هذه الأيام، فقد فزت بجائزة أفضل ممثل في مهرجان الفيلم الألماني. عن دوري في فيلم قصير. بعنوان Diagnonsense عام 2023، حيث جسدت شخصية رجل مسن أصم. يُدعى «باتريك ميرفي»، كان يعاني من مشكلات نفسية.
هذه الجائزة مثلت لي اعترافًا بمشواري الفني. الذي امتد أكثر من 30 عامًا، وإقرارًا بأن المحترفين الصم أصبح لهم وجود متزايد. داخل صناعة السينما البريطانية، وهو ما يبشر بمستقبل أفضل.
ويستطرد إيلان حديثه: «منذ عام 2011 بدأت عملي في جامعة ريدينج، حيث التحقت ببرنامج بكالوريوس فنون المسرح والتعليم. ودراسات الصم (TAEDS) التابع لكلية التربية، واستمررت في العمل بهذا البرنامج حتى إغلاقه عام 2018، حيث ركّزت خلال تلك الفترة على المونولوج المسرحي. بلغة الإشارة، ودراسات الصم، وتعليم الدراما للطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة.
رحلة إيلان من التمثيل إلى تدريس الرياضيات
وبالتوازي مع عملي في التمثيل، كنت أمارس التدريس منذ أكثر من عقدين. بدأت أولًا بتدريس الدراما، ثم عملت لفترة قصيرة في تدريس الرياضيات في مدرسة لذوي الإعاقة في برمنجهام. في الوقت نفسه بدأت أيضًا تدريس لغة الإشارة البريطانية (BSL) إلى جانب علم اللغة، والتاريخ، والثقافة، والسياسة، وكذلك نشر التوعية بقضايا الصم، في مراكز تدريب مختلفة داخل المملكة المتحدة».

ويواصل إيلان حديثه: «وبعد توقف برنامج (TAEDS)، انتقلت إلى قسم اللغات والثقافات، وكان لي دور رئيسي في إنشاء وتطوير مستويات 1 و2 و3 من دورات لغة الإشارة البريطانية (BSL) كخيار إضافي لأي تخصص جامعي في جامعة ريدينج. وما زلت حتى الآن أواصل التدريس في كلية التربية حول «الدمج في التعليم» و”تعليم الأطفال الصم».
وبعد أن تخرجت في الرياضيات عام 1988، حصلت على دبلوم إعداد المعلمين (PGCE) عام 2013. وبسبب شغفي بقضايا الصم، بدأت بين عامي 2015 و2016 أطور أفكارًا لرسالة بحثية تتناول قضية توظيف البالغين الصم، وقادني هذا إلى التسجيل في برنامج الدكتوراه بجامعتي.
وبين عامي 2019 و2022، كنت عضوًا في فريق بحثي مكوّن من ستة أشخاص، وتمكنا من الحصول على منحة بحثية لمدة ثلاث سنوات لدراسة تقنيات الدعم المساعدة للصم، ومرضى عسر القراءة، والطلاب من خلفيات لغوية أجنبية (ESOL).
أزمة أبحاث حول نجاح الصم في العمل
وحصلت في النهاية على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة ريدينج، حيث أعمل الآن محاضرًا بها. ويضيف: «كانت رسالتي بعنوان: كيف ترتبط الخبرات التعليمية وهوية الصم بالنجاح الوظيفي؟ وقد أشرف على بحثي الدكتور تيم ويليامز، وهو عالم نفس إكلينيكي يهتم كثيرًا بتعليم الصم، خاصة أن جده كان مديرًا لإحدى مدارس الصم في هولندا.
واخترت هذا المجال البحثي لأنه لم يُدرس بشكل كافٍ من قبل، ولأنني كنت مقتنعًا أن المشكلات التي يواجهها الأطفال الصم. خلال تعليمهم. تؤدي لاحقًا إلى عوائق في حياتهم المهنية. ومن خلال البحث خرجت بنتائج مهمة، منها مثلًا… أنه لا يوجد ما يكفي من الأبحاث حول كيفية نجاح الأشخاص الصم في أماكن عملهم، حيث ينجح بعضهم أكثر من غيرهم بحسب مؤهلاتهم السابقة».
وركزت الدراسة على الصم الذين يعملون في بيئات يغلب عليها السمعيون، وغالبًا ما يكون الأصم هو الموظف الوحيد في الشركة، وكان الهدف دراسة تأثير ذلك على تقدير الذات.
كما أظهرت النتائج أن المرونة هي المفتاح الأساسي. للتعامل مع بيئة العمل الصعبة، لكن المشاركين أكدوا الحاجة إلى وعي أكبر. بقضايا الصم. ومواقف أكثر إيجابية في بيئات العمل.
وتبين أن هوية الصم، رغم أهميتها في حياة مستخدمي لغة الإشارة، ليست العامل الحاسم في مواجهة تحديات العمل. أو في الحفاظ على الصحة النفسية.
علاقة التنشئة وزراعة القوقعة بدرجة الثقة في العمل
كما وجدت الدراسة أن بعض أنماط التنشئة، مثل الاعتماد على زراعة القوقعة، والاعتماد على اللغة المنطوقة، والكتابة بمستوى جيد من الإنجليزية، ترتبط بثقة أكبر في مكان العمل.
وأظهرت النتائج أن درجة فقدان السمع أو العمر الحالي. أو نوع المدرسة التي التحق بها الأصم. لا تؤثر بشكل كبير على مستوى تقدير الذات.

ويستطرد: «وفي الجانب الآخر من حياتي، وعندما لا أكون منشغلًا بالتدريس أو البحث أو التمثيل، فإن عالمي المفضل هو الشطرنج. فأنا ألعب الشطرنج منذ أكثر من 40 عامًا.
وشاركت في بطولات دولية للشطرنج المخصص للصم في أوروبا، وتمكن فريقي بنادي لندن من تحقيق المركز الثالث مرة واحدة فقط بسبب قوة المنافسة، وكان ذلك في لشبونة بالبرتغال عام 2001».
ويختتم قائلًا: «واليوم، وبعد أن أكملت العقد السادس من عمري. أشعر برضا كبير عما حققته. فحتى هواياتي حولتها إلى انتصارات حقيقية. وأشغل حاليًا منصب الأمين العام للاتحاد الدولي لشطرنج الصم (ICCD) منذ عام 2022. وتشمل مشاريعي الحالية تطوير بطولات الشطرنج للصم. في آسيا وإفريقيا، وكان لي دور في تنظيم بطولة آسيا لشطرنج الصم. في طشقند، أوزبكستان».
ما صنعه إيلان من نجاحات يثبت انه لم يكن مجرد أصم بريطاني يهزم الإعاقة، ولكنه شخص ملهم. متعدد المواهب، وقادر علي ترويض الصعاب وصناعة النجاحات بطريقته.


.png)


















































