ألفة الدبابي.. «فينوس الرقمية» تحول التفاصيل إلى طاقة لامتناهية

 ألفة الدبابي.. «فينوس الرقمية» تحول التفاصيل إلى طاقة لامتناهية

المحرر: محمود الغول - مصر
ألفة الدبابي - في المنتصف - شابة فنانة في المجال الرقمي من تونس

ألفة الدبابي هي قصة تتجاوز حدود اللوحة الفنية، لتصبح نموذجا للفكر الاستراتيجي. وهي فنانة رقمية رائدة من تونس. قدمت ردا ثوريا على كل من يصر على سجن صاحب الإعاقة في خانة الضعف، غير القادر حتى على خدمة نفسه.

في هذا التقرير نغوص في تفاصيل حكاية التونسية ألفة الدبابي. كواحدة من قصص  الإلهام وتحدى الصعاب، وتحويل الإعاقة الجسدية  إلى دافع للنجاح وتحقيق الذات.

ألفة الدبابي الإعاقة ليست إعاقة

يكمن مفتاح شخصية ألفة الدبابي في فلسفتها الشخصية العميقة. هذه الفلسفة ليست مجرد رد فعل على ظروفها، بل هي استراتيجية إدراكية استباقية. فعندما سئلت في لقاء صحفي، كان ردها ثوريا في بساطته: «إعاقتي أمر عادي، ولم تكن عائقا أبدا، فهي بالنسبة إلي تفاصيل، الأهم هو ما أملكه في عقلي».

ألفة الدبابي فنانة رقمية تونسية تتحدى الإعاقة
ألفة الدبابي فنانة رقمية تونسية تتحدى الإعاقة

هذا التصريح هو «إعادة تصنيف» واعية، إذ تختار ألفة أن تكسر التعريف المجتمعي الذي يربط الشخص بالإعاقة. هي تفصل بوعي بين الجسد، الذي قد يحتوي على تفاصيل تقنية، وبين العقل الذي هو مصدر الأهمية والهوية الحقيقية. وهذا التحرر الفكري هو الخطوة الأولى التي سمحت لها بأن ترى نفسها كمساهم فاعل في المجتمع.

التنمر كوقود والتحرر الرقمي في عقل ألفة الدبابي

لم يكن التحدي الذي واجهته ألفة الدبابي جسديا فقط. بل كان اجتماعيا ونفسيا بامتياز. فقد أكدت مصادر الأمم المتحدة أنها تعرضت للتنمر والسخرية كطفلة بسبب إعاقتها، بدلا من أن يؤدي بها هذا الألم إلى الإنطواء. فقد منحها مهمة و«قودا». اليوم يتمحور عملها الفني ورسالتها عبر شركتها حول رفض العار الجسدي والصحة العقلية.

ألفة الدبابي أعمالها الفنية تحظى باهتمام الشباب
ألفة الدبابي أعمالها الفنية تحظى باهتمام الشباب

اختيار ألفة الدبابي لمجال «الفن الرقمي» ليس صدفة فنية، إنما هو اختيار استراتيجي حاسم. وهذا المجال هو الجسر المثالي بين شغفها التقليدي بالرسم وضرورتها المادية الناتجة عن إعاقتها الحركية. فقد صرحت لموقع الأمم المتحدة بأن «التكنولوجيا والابتكار» ليستا مجرد شغف بالنسبة لها. إنما هما «عوامل تمكين للعمل» العالم الرقمي لا يعترف بالقيود المادية، مما أتاح لها أن تتجاوز حواجز العالم المادي وتعبر عن نفسها بطلاقة كاملة.

ألفة الدبابي وتجليات فينوس

يعد معرض «في لايك فينوس» لألفة الدبابي أكثر من مجرد عرض فني إنه البيان الفلسفي المتكامل لها، في هذا المعرض، تلاقت جميع خيوط قصتها، فلسفتها الشخصية حول القوة الداخلية. وموضوعها الأثير (المرأة)، ورمزيتها العميقة، فاختيارها لاسم «فينوس» يرمز إلى «آلهة الحب والجمال والنصر».

وتعد رمزية هذا المعرض عميقة، حيث اعتمدت ألفة على الرقم 8 الذي يرمز إلى «الطاقة اللامتناهية». عندما تقول ألفة «8 أوجه»، هي تقصد أن المرأة هي تجسيد للطاقة اللامتناهية والتجديد بلا حدود. حيث الهدف المركزي للمعرض هو تمثيل المرأة بطريقة فنية، وإيصال رسالة واضحة: «المرأة دائما في موضع قوة» فنها يغوص في «عوالم المرأة بشغف وحب». ويستخدم ألوانا زاهية مستوحاة من ألوان المجرة، على سبيل المثال، يرمز اللون الأزرق إلى «الهدوء والعاصفة في الوقت نفسه»، مما يمثل رفضا للصور النمطية للمرأة ككائن سلبي فقط.

شابان يطالعان بعضل من أعمال ألفة الدبابي
شابان يطالعان بعض من أعمال ألفة الدبابي

من الفن النخبوي إلى التأثير المجتمعي

تدرك ألفة الدبابي أن الفن المعلق في معرض يظل نخبويا بطبعه. ولتحقيق «المساهمة المجتمعية» الحقيقية، كان عليها أن تجد طريقة لنقل رسالتها إلى الشارع التونسي. كانت «القفزة الاستراتيجية» هي تأسيس شركة «أولفس» (Olfus) للفنون الرقمية في عام 2020. هذا التأسيس يمثل تحولها من «فنانة» إلى «رائدة أعمال اجتماعية»، مستخدمة الفن كأداة للتغيير العملي والملموس.

وفقا لما ذكرته الأمم المتحدة، فإن «أولفس» شركة تستخدم «الفن الرقمي» وتكنولوجيا «الذكاء الاصطناعي» لإنتاج ونقل رسائل تساعد أولئك الذين يواجهون التحديات، وخاصة أولئك الذين يواجهون التنمر.

هي تترجم فنها عالي المفهوم إلى منتجات ملموسة وديمقراطية في متناول الجميع، كالطباعة على الأوراق والقمصان والأكواب، و«أولفس» تحول الفن من شيء ينظر إليه إلى شيء يستخدم.

طالع: موزة بن ذيبان.. فنانة إماراتية تحدت الشلل الدماغي بالإبداع الفني

  إرث يتجدد بلا حدود

ألفة الدبابي كما تبيع المنتجات الفنية، فهي كذلك تستثمر في بناء الجيل القادم. هي تدرك أنها رائدة في مجال جديد، وعليها مسؤولية تمهيد الطريق للآخرين، هذا يتجلى في مبادراتها التعليمية. حيث قدمت دورة تكوينية مجانية معتمدة في التصميم الجرافيكي على هامش معرضها. هي لا ترى الفن كهواية كما ترى في الفنون البصرية رافعة اقتصادية قادرة على توفير مجالا للإبداع للشباب.

ألفة الدبابي تتميز بالأعمال الرقمية كفن مختلف عن الشائع
ألفة الدبابي تتميز بالأعمال الرقمية كفن مختلف عن الشائع

قصة ألفة الدبابي هي شهادة على أن القوة الحقيقية لا تنبع من كمال الجسد. لكن من وضوح الرؤية في العقل، لقد نجحت في تحويل مسارها من فنانة شابة تواجه تحديات إلى واحدة من أبرز رائدات الفن الرقمي.

وأصبحت قصتها وفنها نموذجا عالميا يثبت كيف يمكن للتكنولوجيا والإبداع أن يكونا في خدمة الدمج والشمول. ورسالتها الأساسية «آمنوا بأحلامكم واجتهدوا من أجل تحقيقها برغم كل الصعوبات والعراقيل». فقد حولت التفاصيل إلى قوة لامتناهية، تماما مثل فينوس التي اختارتها كرمز للنصر.

المقالة السابقة
الكويت تتصدر بطولة آسيا–أوقيانوسيا 2025 لكرة السلة على الكراسي المتحركة
المقالة التالية
تخريج 61 متدربًا من ذوي الإعاقة في برنامج التمكين بالسعودية

وسوم

الإعاقة (3) الاستدامة (33) التحالف الدولي للإعاقة (34) التربية الخاصة (2) التشريعات الوطنية (33) التعاون العربي (33) التعليم (4) التعليم الدامج (4) التمكين الاقتصادي (3) التنمية الاجتماعية (33) التنمية المستدامة (3) التوظيف الدامج (32) الدمج الاجتماعي (31) الدمج الجامعي (3) العدالة الاجتماعية (3) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (31) الكويت (5) المتحف المصري الكبير (4) المجتمع المدني (31) المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (4) المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة (4) الوقائع الإخباري (2) تكافؤ الفرص (32) تمكين (2) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (31) حقوق الإنسان (3) حقوق ذوي الإعاقة (3) دليل الكويت للإعاقة 2025 (30) ذوو الإعاقة (12) ذوو الاحتياجات الخاصة. (31) ذوي الإعاقة (9) ذوي الهمم (5) ريادة الأعمال (33) سياسات الدمج (33) شركاء لتوظيفهم (34) قمة الدوحة 2025 (35) كود البناء (36) لغة الإشارة (2) مؤتمر الأمم المتحدة (36) مبادرة تمكين (3) مجتمع شامل (36) مدرب لغة الإشارة (37) مصر (12) منظمة الصحة العالمية (37) وزارة الشؤون الاجتماعية (2)