ألفة الدبابي هي قصة تتجاوز حدود اللوحة الفنية، لتصبح نموذجا للفكر الاستراتيجي. وهي فنانة رقمية رائدة من تونس. قدمت ردا ثوريا على كل من يصر على سجن صاحب الإعاقة في خانة الضعف، غير القادر حتى على خدمة نفسه.
في هذا التقرير نغوص في تفاصيل حكاية التونسية ألفة الدبابي. كواحدة من قصص الإلهام وتحدى الصعاب، وتحويل الإعاقة الجسدية إلى دافع للنجاح وتحقيق الذات.
ألفة الدبابي الإعاقة ليست إعاقة
يكمن مفتاح شخصية ألفة الدبابي في فلسفتها الشخصية العميقة. هذه الفلسفة ليست مجرد رد فعل على ظروفها، بل هي استراتيجية إدراكية استباقية. فعندما سئلت في لقاء صحفي، كان ردها ثوريا في بساطته: «إعاقتي أمر عادي، ولم تكن عائقا أبدا، فهي بالنسبة إلي تفاصيل، الأهم هو ما أملكه في عقلي».

هذا التصريح هو «إعادة تصنيف» واعية، إذ تختار ألفة أن تكسر التعريف المجتمعي الذي يربط الشخص بالإعاقة. هي تفصل بوعي بين الجسد، الذي قد يحتوي على تفاصيل تقنية، وبين العقل الذي هو مصدر الأهمية والهوية الحقيقية. وهذا التحرر الفكري هو الخطوة الأولى التي سمحت لها بأن ترى نفسها كمساهم فاعل في المجتمع.
التنمر كوقود والتحرر الرقمي في عقل ألفة الدبابي
لم يكن التحدي الذي واجهته ألفة الدبابي جسديا فقط. بل كان اجتماعيا ونفسيا بامتياز. فقد أكدت مصادر الأمم المتحدة أنها تعرضت للتنمر والسخرية كطفلة بسبب إعاقتها، بدلا من أن يؤدي بها هذا الألم إلى الإنطواء. فقد منحها مهمة و«قودا». اليوم يتمحور عملها الفني ورسالتها عبر شركتها حول رفض العار الجسدي والصحة العقلية.

اختيار ألفة الدبابي لمجال «الفن الرقمي» ليس صدفة فنية، إنما هو اختيار استراتيجي حاسم. وهذا المجال هو الجسر المثالي بين شغفها التقليدي بالرسم وضرورتها المادية الناتجة عن إعاقتها الحركية. فقد صرحت لموقع الأمم المتحدة بأن «التكنولوجيا والابتكار» ليستا مجرد شغف بالنسبة لها. إنما هما «عوامل تمكين للعمل» العالم الرقمي لا يعترف بالقيود المادية، مما أتاح لها أن تتجاوز حواجز العالم المادي وتعبر عن نفسها بطلاقة كاملة.
ألفة الدبابي وتجليات فينوس
يعد معرض «في لايك فينوس» لألفة الدبابي أكثر من مجرد عرض فني إنه البيان الفلسفي المتكامل لها، في هذا المعرض، تلاقت جميع خيوط قصتها، فلسفتها الشخصية حول القوة الداخلية. وموضوعها الأثير (المرأة)، ورمزيتها العميقة، فاختيارها لاسم «فينوس» يرمز إلى «آلهة الحب والجمال والنصر».
وتعد رمزية هذا المعرض عميقة، حيث اعتمدت ألفة على الرقم 8 الذي يرمز إلى «الطاقة اللامتناهية». عندما تقول ألفة «8 أوجه»، هي تقصد أن المرأة هي تجسيد للطاقة اللامتناهية والتجديد بلا حدود. حيث الهدف المركزي للمعرض هو تمثيل المرأة بطريقة فنية، وإيصال رسالة واضحة: «المرأة دائما في موضع قوة» فنها يغوص في «عوالم المرأة بشغف وحب». ويستخدم ألوانا زاهية مستوحاة من ألوان المجرة، على سبيل المثال، يرمز اللون الأزرق إلى «الهدوء والعاصفة في الوقت نفسه»، مما يمثل رفضا للصور النمطية للمرأة ككائن سلبي فقط.

من الفن النخبوي إلى التأثير المجتمعي
تدرك ألفة الدبابي أن الفن المعلق في معرض يظل نخبويا بطبعه. ولتحقيق «المساهمة المجتمعية» الحقيقية، كان عليها أن تجد طريقة لنقل رسالتها إلى الشارع التونسي. كانت «القفزة الاستراتيجية» هي تأسيس شركة «أولفس» (Olfus) للفنون الرقمية في عام 2020. هذا التأسيس يمثل تحولها من «فنانة» إلى «رائدة أعمال اجتماعية»، مستخدمة الفن كأداة للتغيير العملي والملموس.
وفقا لما ذكرته الأمم المتحدة، فإن «أولفس» شركة تستخدم «الفن الرقمي» وتكنولوجيا «الذكاء الاصطناعي» لإنتاج ونقل رسائل تساعد أولئك الذين يواجهون التحديات، وخاصة أولئك الذين يواجهون التنمر.
هي تترجم فنها عالي المفهوم إلى منتجات ملموسة وديمقراطية في متناول الجميع، كالطباعة على الأوراق والقمصان والأكواب، و«أولفس» تحول الفن من شيء ينظر إليه إلى شيء يستخدم.
طالع: موزة بن ذيبان.. فنانة إماراتية تحدت الشلل الدماغي بالإبداع الفني
إرث يتجدد بلا حدود
ألفة الدبابي كما تبيع المنتجات الفنية، فهي كذلك تستثمر في بناء الجيل القادم. هي تدرك أنها رائدة في مجال جديد، وعليها مسؤولية تمهيد الطريق للآخرين، هذا يتجلى في مبادراتها التعليمية. حيث قدمت دورة تكوينية مجانية معتمدة في التصميم الجرافيكي على هامش معرضها. هي لا ترى الفن كهواية كما ترى في الفنون البصرية رافعة اقتصادية قادرة على توفير مجالا للإبداع للشباب.

قصة ألفة الدبابي هي شهادة على أن القوة الحقيقية لا تنبع من كمال الجسد. لكن من وضوح الرؤية في العقل، لقد نجحت في تحويل مسارها من فنانة شابة تواجه تحديات إلى واحدة من أبرز رائدات الفن الرقمي.
وأصبحت قصتها وفنها نموذجا عالميا يثبت كيف يمكن للتكنولوجيا والإبداع أن يكونا في خدمة الدمج والشمول. ورسالتها الأساسية «آمنوا بأحلامكم واجتهدوا من أجل تحقيقها برغم كل الصعوبات والعراقيل». فقد حولت التفاصيل إلى قوة لامتناهية، تماما مثل فينوس التي اختارتها كرمز للنصر.


.png)


















































