مصر – جسور – سحر محمد
“كان يوما مأساويا في حياتي، استيقظت من نومي كعادتي، ولكن هذه المرة لا أري شيئا، كان الشعور مفزعا، لا يمكن وصفه، أن تنام وأنت تري كل شيء، ثم تستيقظ لتجد نفسك في دائرة من الظلام الحالك، لا تنهى”.. بهذه العبارات المؤثرة بدأ الدكتور خالد حنفي يروى حكايته.
يكمل المحامي، الدكتور خالد حنفي، عضو مجلس النواب المصري، سرد قصة فقدان بصره، وقتما كان طالبا بكلية الحقوق، وكأن المصائب لا تأتى فرادى، بعدها توفى والده ولحقت به والدته بعد مدة قصيرة، قائلا:”علمت بعدها أنني أصبت بمرض نادر ما يصيب الشباب، وهو (الجلوكوما)، كنت تائها وقتها لا أدري ماذا افعل في دراستي، بعد أن كنت طالبًا متفوقًا، وكيف استكمل حياتي التي تبدلت بين ليلة وضحاها، وماذا عن أحلامي التي بت ارسمها علي جدران المدينة، وكل ما حولي يكسوه الظلام، ما عدت أري شيئا، ولا اسمع شيئا سوي همهمات الحزن ونبرات الشفقة، وكلمات يملأها اليأس، كل شيء يؤكد لي مصير واحد لا يمكن تغييره، وهو الإستسلام للعجز للدائم والظلام المقيم، وزاد الأمر قهرا حين فقدت والدي، في نفس الوقت الذي كنت أحاول فيه تقبل عالمي الجديد ، كأن الكون بأكمله تأمر على أن يسلبني أعز ما أملك في آن واحد ، ولكن سرعان ما لملمت شتاتي، واستحضرت عزيمتي واستعدت طموحي من جديد، بحثت عن بدائل للمذاكرة، أصبحت اسجل الشرائط لأنني لم اتعلم وقتها طريقة برايل للكتابة والقراءة”.

يستكمل النائب الدكتور خالد حكايته: استمر تفوقي الجامعي رغم تغير كل ظروفي وحصلت علي شهادة “الليسانس” ثم بدأت في التحدي الجديد وهو مشوار “الماجستير” وكنت أول دبلوم للدراسات العليا في الدراسات القضائية عام ١٩٩٨، وحين حصلت علي المركز الأول على دفعتي شعرت انني اطلقت إشارة البدء وأنرت مصباحي الأول في الطريق، الذي إخترت أن أراه ببصيرتي لا بعيناي ، التحقت علي الفور بدبلومة القانون الخاص، والتي تفوقت فيها ايضا، حينها شعرت أنني أصبحت محارب أقوي وأشرس، وجاهز لخوض الحرب في سوق العمل، كنت أواجه شتى العقبات حين خرجت للعمل بالمحاماة، بعض من السخرية وشيئا من التنمر، ومحاولات من الإحباط وتساؤلات لا تنتهي علي كيفية الخروج للمحكمة، وكيفية قراءه المذكرات، ولكن روح المقاتل كانت غالبة ، ومع التقدم التكنولوجي وظهور الكومبيوتر الناطق بدأت الحياة تتيسر معي شيئا فشيئا ، وأصبحت اتجه دائما للحصول علي دورات تدريبية في برامج الحاسب الألي المختلفة الخاصة بذوي الإعاقة، حتي تمكنت من تصميم مشروع مع إحدى شبكات المحمول، لتقديم أول برنامج قارئ للشاشة في مصر، لأصحاب الإعاقات البصرية، بعدها بدأت اهتم بشئون الإعاقة وتعرفت علي العديد من الشخصيات المهتمين بهذا الملف في نقابة المحاميين، ثم التحقت بالمجلس القومي لشئون الإعاقة حتي أصبحت المتحدث الرسمي باسم المعاقين، وكنت ممثلا لمصر في المؤتمر الدولي الأفريقي في ديسمبر لعام ٢٠١٥ وتم مناقشة الإتفاقية الإفريقية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ثم إنضممت للجنة الخمسين لوضع الدستور ، والتي تم فيها وضع العديد من النصوص الدستورية التي غيرت حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، حتي يومنا هذا، وبعد مشوار ليس بهين، صرت فيه واحد من ذوي الإعاقة، ثم أصبحت اتحدث باسمهم، حان الوقت أن أكون ممثلا لهم في البرلمان المصري ، فكانت المفاجأة الجميلة التي اهداني إياها القدر دون سعي مني .
ويستطرد الدكتور خالد: فوجئت بمكالمة هاتفية من مكتب السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، يبلغونني بقرار رسميا منه، بتعييني كأول نائب برلماني كفيف، ممثلا للأشخاص ذوي الإعاقة، وكانت هي المرة الأولي التي يصدر فيها قرار في هذا الشأن في عهده ، كنت وقتها في غاية سعادتي وامتناني، لكل لحظة آمنت فيها بقدرة الله وعظيم عوضه، ثم آمنت فيها بقدرتي وعظيم إصراري علي النجاح .