اكتشاف بالصدفة.. هل يصبح «إبيكسا» أول دواء فعّال لعلاج التوحّد

اكتشاف بالصدفة.. هل يصبح «إبيكسا» أول دواء فعّال لعلاج التوحّد

المحرر: ماهر أبو رماد
عقار إيبكسا

في عالم الطب كثيرًا ما قادت الصدف العلمية إلى اكتشافات غيّرت وجه التاريخ، دواء أُعدّ لعلاج مرض بعينه، فإذا به يبرهن لاحقًا على فعاليته في التعامل مع مرض آخر،مختلف تمامًا.

واليوم يعود هذا السيناريو إلى الواجهة، مع دراسة أمريكية حديثة تشير إلى أن عقارًا طُور خصيصًا لمرض ألزهايمر قد يفتح نافذة أمل جديدة أمام الأطفال والمراهقين المصابين باضطراب طيف التوحّد.

الدواء هو «ميمانتين» المعروف تجاريًا باسم «إبيكسا»، والذي يُستخدم منذ سنوات في تحسين الذاكرة والقدرات الإدراكية لمرضى ألزهايمر، إلا أن نتائج تجربة سريرية حديثة كشفت عن إمكاناته الواعدة في تحسين مهارات التواصل الاجتماعي لدى المراهقين المصابين بالتوحّد، لتثير أسئلة جادة حول مستقبل «إعادة توظيف» الأدوية في علاج هذا الاضطراب العصبي المعقد.

بارقة أمل

القصة بدأت في مستشفى ماساتشوستس العام بمدينة بوسطن الأمريكية، حيث خضع 42 مراهقًا مصابًا بالتوحّد، بمتوسط عمر 13 عامًا، لتجربة سريرية استمرت 12 أسبوعًا، نصف هؤلاء تناولوا دواء «ميمانتين»، بينما تلقى النصف الآخر دواءً وهميًا (Placebo).

هل تقود الصدفة لعلاج التوحد

النتائج كانت لافتة؛ إذ أظهر أكثر من نصف من تلقوا «ميمانتين» تحسنًا ملحوظًا في مهارات التواصل الاجتماعي، مقارنة بنسبة لم تتجاوز 20% في المجموعة الأخرى، وخلص الباحثون إلى أن احتمالية الاستجابة للعلاج كانت أعلى بنحو 4.8 مرات عند مستخدمي الدواء الفعلي.

الأهم أن الدراسة، التي نشرت في دورية JAMA Network Open، أوضحت أن التحسن كان أوضح لدى المراهقين الذين لديهم مستويات مرتفعة من مادة «الغلوتامات»، وهو ناقل عصبي يرتبط بدور أساسي في بعض أعراض التوحّد مثل فرط الحساسية وصعوبة التواصل.

قيود الدراسة والاحترازات

رغم هذه النتائج المشجعة، أقرّ الباحثون بوجود قيود تحد من تعميمها؛ فقد اقتصرت الدراسة على عينة صغيرة، معظمها من المراهقين البيض، ولم تشمل أطفالًا يعانون من تأخر ذهني، كما لم تُختبر الآثار طويلة المدى للعلاج، لذلك يشدد الخبراء على ضرورة إجراء دراسات أوسع وأكثر تنوعًا للتحقق من فعالية وأمان الدواء قبل اعتماده بشكل رسمي لعلاج التوحّد.

اهتمام إعلامي واسع

النتائج لم تمر مرور الكرام، صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أعادت نشر تفاصيل الدراسة، وطرحت عبر حسابها الرسمي على منصة «إكس» سؤالًا مثيرًا: «هل يمكن لدواء ألزهايمر أن يساعد المراهقين المصابين بالتوحد على تعزيز مهارات التواصل؟» وسرعان ما أثار الخبر موجة نقاش على وسائل التواصل الاجتماعي بين أولياء الأمور والباحثين والمهتمين بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة.

رحلة بحث طويلة عن علاج

محاولات علاج التوحّد تمتد لعقود طويلة، وقد تركزت الجهود على ثلاثة مسارات رئيسية، الأول: التدخلات السلوكية المبكرة، مثل التحليل السلوكي التطبيقي (ABA) وإيرلي ستارت دنفر (ESDM)، وهما من أبرز النماذج التي أثبتت نجاحًا في تحسين مهارات الأطفال المصابين إذا طُبقت في سن مبكرة.

ثم العلاج الدوائي للأعراض المصاحبة: لا يوجد حتى الآن دواء يُعالج جوهر التوحّد، لكن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) اعترفت بدواءين لتخفيف أعراض التهيج والاندفاع والعدوانية، هما: ريسبيريدون (Risperidone)، تمت الموافقة عليه عام 2006، وأريبيبرازول (Aripiprazole)، أُضيف عام 2009، وكلاهما ساعد في السيطرة على بعض السلوكيات المصاحبة، لكنهما لا يعالجان لبّ الاضطراب.

الاتجاهات التجريبية الجديدة مثل استنشاق «الأوكسيتوسين» لتحسين التفاعل الاجتماعي، ومحاولات استهداف المسارات الجينية والخلويّة (مثلاً مثبطات mTOR في حالات متلازمة النتوءات)، إضافة إلى تجارب مبكرة على دور ميكروبيوم الأمعاء والعلاجات المعتمدة على البروبيوتيك.

إعادة توظيف الأدوية

الفكرة الجوهرية وراء تجربة «ميمانتين» تنتمي إلى ما يُعرف بـإعادة توظيف الأدوية (Drug Repurposing)، أي اختبار أدوية معروفة ومصرح بها لأمراض معينة في علاج حالات أخرى، هذه الاستراتيجية تختصر وقت التجارب، لأن الملف الأمني للدواء يكون مثبتًا مسبقًا، ويبقى التحقق من فعاليته في سياق جديد.

ومع تزايد فهم العلماء للآليات العصبية الدقيقة في الدماغ، خصوصًا دور النواقل العصبية مثل «الغلوتامات»، قد يفتح الباب أمام استخدام أدوية كانت موجهة لاضطرابات مختلفة لتجد مكانًا في علاج طيف التوحد.

حجم المشكلة عالميًا

التوحد ليس مشكلة محدودة الانتشار، بل تحدٍ عالمي متصاعد، ووفقًا لآخر تقديرات منظمة الصحة العالمية (WHO) لعام 2021 ضمن بيانات «العبء العالمي للأمراض»، يُقدّر أن شخصًا واحدًا من بين كل 127 شخصًا على مستوى العالم مصاب باضطراب طيف التوحد، أي ما يعادل نحو 61.8 مليون شخص حول العالم.

هذه الأرقام تعكس اتساع نطاق الاضطراب، إذ يتم تشخيص معظم الحالات في مرحلة الطفولة أو المراهقة، وهو ما يفسر حجم الاهتمام العلمي والإعلامي والتمويلي بتطوير حلول فعالة لعلاج التوحد أو على الأقل تحسين جودة حياة المصابين به وأسرهم.

اليوم يبرز عقار «ميمانتين» كنموذج جديد لاحتمالات إعادة اكتشاف الأدوية، رغم أن النتائج لا تزال أولية وتحتاج إلى دراسات أكبر، لكن التجربة تفتح بابًا قد يقود إلى تغيير جذري في التعامل مع أحد أكثر الاضطرابات العصبية تعقيدًا.

المقالة السابقة
مصر.. ورشة تدريبية حول دعم وتمكين ذوي الإعاقة.. غداً السبت
المقالة التالية
مصر تشارك بـ «المدينة المثالية» في «إكسبو» ذوي الإعاقة بدبي

وسوم

أمثال الحويلة (397) إعلان عمان برلين (460) اتفاقية الإعاقة (608) الإعاقة (142) الاستدامة (1099) التحالف الدولي للإعاقة (1072) التشريعات الوطنية (844) التعاون العربي (514) التعليم (83) التعليم الدامج (65) التمكين الاقتصادي (90) التنمية الاجتماعية (1094) التنمية المستدامة. (84) التوظيف (64) التوظيف الدامج (827) الدامج (56) الدمج الاجتماعي (637) الدمج المجتمعي (163) الذكاء الاصطناعي (86) العدالة الاجتماعية (73) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (508) الكويت (86) المجتمع المدني (1076) الولايات المتحدة (63) تكافؤ الفرص (1069) تمكين (87) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (527) حقوق الإنسان (76) حقوق ذوي الإعاقة (95) دليل الكويت للإعاقة 2025 (373) ذوو الإعاقة (156) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1037) ذوي الإعاقة (528) ذوي الهمم (58) ريادة الأعمال (396) سياسات الدمج (1057) شركاء لتوظيفهم (386) قمة الدوحة 2025 (649) كود البناء (449) لغة الإشارة (72) مؤتمر الأمم المتحدة (342) مجتمع شامل (1064) مدرب لغة الإشارة (640) مصر (84) منظمة الصحة العالمية (663)