عندما نتحدث عن ذوي الإعاقة، غالبا ما يركز الحوار على محدودياتهم وما لا يستطيعون فعله، لكن هناك جانبا آخر أقل ظهورا لكنه يحمل قدرة كبيرة على التمكين وتحسين جودة حياتهم اليومية هو كيف تستخدم المؤثرات الحسية مثل الضوء والصوت واللمس والاهتزاز وغيرها بطريقة تحول نقصا في قدرة إلى مورد للتعويض، وتحول الحواجز إلى جسور.
الفيزياء النفسية تقدم هذا الأدوات المعرفية، وهي ليست مجرد مفردات أكاديمية بل تجسيد في أجهزة وابتكارات حقيقية أثبتت فعاليتها.
في مدينة مومباي في الهند تعيش معلمة تدعى Indirani Sankari وهي من ضعاف البصر تجارب يومية صعبة في التنقل مثل ممرات غير مستوية ولافتات زجاجية لا ترى بوضوح وحيوانات ضالة وزحمة من الناس، بينما العصا الذكية (SmartCane) تمثل ثورة صغيرة في حياتها، هذه العصا تستخدم أشعة فوق سمعية (Ultrasonic)للكشف عن العقبات من حول المستخدم، وترجمتها إلى اهتزازات في راحة اليد كلما اقترب العقبة تزداد قوة الاهتزاز، والاستعمال اليومي لهذه العصا جعل تنقلها أكثر أمانا واستقلالية.
ما يجعل هذه القصة مثالا حيا على الفيزياء النفسية هو كيف أن مؤثرا فيزيائيا بسيطا مثلالموجات فوق السمعية يحول إلى إحساس لمسي يساعد على إدراك العقبات، وبالتالي تحسين الحركة والسلامة.

نظام SoV للأشخاص ضعاف البصر
هناك دراسة تجريبية قيمت جهاز Sound of Vision الذي يحول عناصر بصرية من البيئة إلى إشارات صوتية ولمسيةaudio-haptic ثم يستخدم في مهام التنقل، وفي هذه الدراسة تم اختبار الأداء مقارنة باستخدام العصا البيضاء التقليدية، وجد أن المشاركين الذين استخدموا النظام الجديد تمكنوا من تجنب العقبات والتنقل بكفاءة خلال مسارات معقدة وبعد تدريب لعدة ساعات.
هذا النوع من الأجهزة يظهر كيف أن الدماغ قادر على استيعاب مؤثرات غير متوقعة كأن يحول الصوت مع الاهتزاز إلى ما يعادل بعض الوظائف البصرية، من دون أن يرى الشخص، هذا التطبيق يفسر جزءا كبيرا من الفيزياء النفسية، فعندما يخسر الشخص الحاسة البصرية، الحواس الأخرى تنشط بأكثر حساسياتها لملء الفراغ.
كيف ترى بلسانك ما لا ترتاه عينك
من القصص الملهمة جدا المؤلف Erik Weihenmayer الذي فقد بصره، يستخدم جهازا يدعى BrainPort، وطور بواسطة Paul Bach-y-Rita الفكرة أن هناك كاميرا تلتقط المشهد البصري، ثم تحول الصورة إلى إشارة كهربائية ترسل إلى لسان المستخدم من خلال شبكة من الأقطاب الكهربائية، والدماغ يتعلم تفسير هذه الإشارات مثل خريطة الحواس مثل اللون والتدرج والشكل والمسافة، وباستخدام هذا الجهاز مع تدريب بإمكان المستخدم أن يرى بالعقل ما لا تراه العين.
هذا النوع من التعويض الحسي يعكس تماما الفيزياء النفسية وأن الحاسة تصبح أوسع من أن تقتصر على العين، فالإدراك البصري يستبدل أو يكمل بحواس تتواصل مع الدماغ بطرق مختلفة.

قبعة ذكية للصم وضعاف السمع
في مؤتمرات مثل CHI تم اقتراح واختبار نظام يدعى Haptic-Captioning يضيف إلى الترجمة الفورية للنصوص اهتزازا في المعصم وفقا لمن يتكلم فعليا في فيديو متعدد المتحدثين، والفكرة أن الصم أو أصحاب ضعف السمع غالبا ما يعتمدون على الترجمة النصية، لكن يواجهون صعوبة في معرفة من هو المتحدث أو التمييز بين المتحدثين، بينما الاهتزازات تستخدم هنا كمؤثر تكميلي للنص، لتوضيح الجهة التي يتكلم منها الشخص، ولتعزيز الفهم العاطفي (intonation) وفهم المحتوى بشكل أكثر تفاعلية.. الدراسة بينت أن هذا النظام يحسن الفهم ويساهم في تفاعل أفضل مع المحتوى المرئي-السمعي.
تجارب التعرف على الصور عبر الصوت بدل الرؤية
هناك بحث علمي يعرف بتحول الحاسة (sensory substitution) حيث يتم تحويل صور أو معلومات بصرية إلى مؤثرات صوتية يمكن للمكفوفين تفسيرها، في واحدة من هذه الدراسات تم اختبار جهاز يترجم المعلومات المرئية إلى صوت مع نماذج مختلفة، وتمكن بعض المكفوفين بعد تدريب من التفرقة بين أشكال هندسية معقدة، وإن لم يروها لكنهم تميزوها بالسمع.
تلك التجربة تعلمنا أن التدرب مهم الدماغ ليس يبرمج تلقائيا ليقرأ الأصوات كصور، لكن بمرور الوقت ومع التكرار يمكنه بناء خرائط ذهنية للأشكال والمسافات من مؤشرات صوتية.
تحديات ضاغطة ومعوقات
رغم هذه النجاحات، ثمة تحديات لا يمكن إغفالها مثل الحاجة إلى تدريب مكثف كما في حالات BrainPort أو تحول الصور إلى صوت، المستخدم يحتاج وقتا لتعلم تفسير المؤثر، وإن لم يكن الكل مستعدا لهذا.
وكذلك قبول اجتماعي وتقني لأن بعض الأجهزة قد تكون بارزة بصريا أو تحتاج لحمل إضافي، وقد لا يرغب المستخدم أن يعرف أنه يستخدم جهازا خاصا، فذلا عن أن بعض الأجهزة باهظة التكلفة أو غير متوفرة في كل الدول، خصوصا الدول النامية.
لهذافإن تطبيقات الفيزياء النفسية لذوي الإعاقة ليست فقط قصصا ملهمة بل حقائق مثبتة مثل أجهزة تعمل بتحويل الضوء إلى صوت، الصوت إلى اهتزاز، الصورة إلى مؤثر يمكن إدراكه بالحواس المتبقية، كل ذلك يخلق قدرة على التعويض والتأقلم، بل ويتعدى ذلك إلى تمكين واستقلالية أكبر.
والاهتمام بتطوير تلك التقنيات توفيرها بأسعار معقولة وتدريب المستخدمين عليها، هو جزء من العدالة الإنسانية لأن كل إنسان له الحق أن يعيش العالم بكافة إمكانياته، حتى لو بعض الحواس مختلفة أو غائبة.