في أحد مراكز التأهيل بمدينة هانجتشو بمقاطعة تشيجيانج شرقي الصين، تعالت أصوات التصفيق بينما كان رجل يُدعى «وانج» يقف ببطء بعد أن ظل مقعدًا على كرسيه المتحرك لأكثر من عشر سنوات.
تسرد صحيفة الشعب اليومية الصينية القصة. المشهد لم يكن اعتياديًا، فقد ساعده على النهوض هيكل خارجي ذكي طوّرته شركة ناشئة تُدعى RoboCT، تجمع بين الهندسة الميكانيكية والذكاء الاصطناعي لتعيد الأمل والحركة لمن فقدوها.
من بين الحاضرين كان المهندس «نيه بينغ»، الذي عاش تجربة مشابهة. فقد تعرض نيه قبل أكثر من عقد، لإصابة في العمود الفقري أثناء عمله ميكانيكي سيارات، ما أفقده القدرة على المشي وجعله يعتمد على الكرسي المتحرك في حياته اليومية.
يقول متذكّرًا تلك الأيام الصعبة: «حين أدركت أنني سأقضي بقية حياتي على كرسي متحرك شعرت أن عالمي انهار كليا». ومع مرور الوقت، أصيب بضمور في العضلات ومضاعفات صحية أخرى، حتى بات الخروج من المنزل تحديًا.
لكن التحول بدأ حين قرأ إعلانًا عن شركة جديدة ناشئة، تبحث عن أشخاص لتجربة نماذج أولية من الهياكل الخارجية. لم يكن يعرف وقتها ما هو «الإكسوسكيلتون أو الهيكل الخارجي»، لكنه قرر أن يجرب.
يقول: «البقاء في المنزل لم يكن خيارًا. أردت أن أساعد نفسي وأمنح الأمل لآخرين يعانون مثلي»
الهيكل الخارجي الذي طورته RoboCT ليس مجرد إطار معدني يُربط بالجسد، بل نظام ذكي يمكن ارتداؤه يتفاعل مع حركات الإنسان. يضم أجهزة استشعار دقيقة تُثبت على الساقين لالتقاط نية الحركة، ثم تدعمها بمحركات كهربائية لتوليد حركة طبيعية تحاكي المشي الفعلي.
انضم نيه إلى الفريق منذ تأسيس الشركة عام 2017، وبدأ يتعلم بنفسه مهارات هندسية وإلكترونية ليشارك في تطوير التصميمات الجديدة. ويتذكر لحظة وقوفه الأولى قائلاً:«عندما شعرت أني أستطيع الوقوف مرة أخرى، بكيت من الفرح. كانت تلك اللحظة بداية حياة جديدة بالنسبة لي»
يعمل نيه اليوم في قسم البحث والتطوير بالشركة، ويجري تدريبات يومية باستخدام الهيكل لمدة ساعة على الأقل. كما يقدّم ملاحظاته لتحسين الراحة والملاءمة في النماذج الحديثة.
وخلال السنوات الماضية طورت الشركة تقنياتها بشكل كبير، فاستبدلت أنظمة التشغيل الهيدروليكية بأخرى كهربائية أخف وزنًا وأكثر دقة، وصغّرت حجم البطاريات، وطوّرت نظام الأحزمة لتسهيل ارتداء الجهاز.
الابتكار الأحدث لدى RoboCT هو دمج واجهة الدماغ-الآلة Brain-Computer Interface، وهي تقنية تلتقط الإشارات العصبية من الدماغ وتحوّلها إلى أوامر ميكانيكية، لتستجيب أرجل الروبوت لحركة الشخص بمجرد التفكير في المشي.
ولا يقتصر دور الشركة على البحث العلمي فقط، بل تدير مركزًا للتأهيل يتيح للأشخاص ذوي الإعاقة تجربة الأجهزة أو استئجارها.
يستخدم الأطفال المصابون بالشلل الدماغي الهياكل لتحسين قدرتهم على المشي، بينما تساعد كبار السن على صعود السُلّم والتنقل بسهولة. وقد وصلت منتجات الشركة إلى أكثر من 700 مؤسسة طبية وتأهيلية في أنحاء الصين، وسُجّل أكثر من 650 ألف استخدام فعلي حتى الآن.
يشير نيه إلى أن المجتمع الصيني بات أكثر وعيًا بحقوق ذوي الإعاقة خلال السنوات الأخيرة، مضيفًا:«في هانجتشو، أصبحت وسائل النقل أكثر سهولة. فالموظفون في المترو يضعون منحدرات لمساعدتنا على الصعود بأمان. أحب هذه المدينة لأنها لا تهتم فقط بالمباني الحديثة، بل بالناس أيضًا، وخصوصًا بالفئات الضعيفة، سواء من كبار السن أو ذوي الإعاقة»
مؤخرًا، اختبر نيه نموذجًا جديدًا يعتمد بالكامل على واجهة الدماغ، مما يجعله قادرًا على تحريك الهيكل بمجرد التفكير، دون لمس أي أزرار. ويتطلع إلى اليوم الذي تصبح فيه هذه الأجهزة أخف وزنًا وأكثر مرونة.
يقول مبتسمًا: «أحلم بأن يصبح الهيكل مثل قطعة من الملابس، يمكن ارتداؤها بسهولة ليتمكن أي شخص من المشي بحرية من جديد».
وفي ظل التوسع السريع في مجال التكنولوجيا المساعدة بالصين، يتزايد الأمل في أن تسهم هذه الابتكارات في تحسين جودة حياة ملايين الأشخاص ذوي الإعاقة حول العالم.
فالتجربة الصينية لا تقتصر على الاختراع فحسب، بل تعكس فلسفة إنسانية عميقة ترى في التكنولوجيا وسيلة للكرامة والتمكين، لا مجرد أداة عملية.
وبنبرة تأملية يختتم نيه حديثه يقول: «قبل عشر سنوات، لم أكن أتخيل أنني سأقف مرة أخرى وأسير أيضا. واليوم، أعيش كل يوم بأمل وشغف، لأن التكنولوجيا منحتني فرصة ثانية للحياة»