الحساب الذهني يبرز كأحد المداخل التربوية الحديثة القادرة على الاستجابة لاحتياجات ذوي الإعاقة، وذلك بعيدًا عن القوالب التقليدية التي لا تراعي الفروق الفردية. حيث لا يعتمد فقط على الكتابة أو الرؤية، وإنما يقوم على التدرج الذهني والتجربة الحسية. ما يجعله أداة تعليمية دامجة تتيح للطلاب ذوي الإعاقة فرصًا حقيقية للتعلم.
التونسية نورس الحاج عمار، المدرب الدولي للحساب الذهني تؤكد أن «الحساب» ليس مجرد مهارة حسابية، بل منهج تربوي متكامل يساهم في تنمية التفكير والذاكرة والتركيز وبناء الثقة بالنفس لدى الطلاب.
وتوضح في حوار مع «جسور» كيف يمكن دمجه بالمناهج التقليدية لدعم التعليم الدامج لذوي الإعاقة، مع مراعاة الفروق الفردية والضوابط التربوية، ليصبح أداة تعليمية فعّالة تتيح لكل طالب فرص التعلم المتكافئة في بيئة آمنة ومحفزة.
ما المقصود بالحساب الذهني كوسيلة تعليمية؟ وكيف يختلف عن كونه مجرد مهارة حسابية؟ وما فوائده؟
بدايةً، يُعد الحساب الذهني كوسيلة تعليمية منهجًا تربويًا متكاملًا. إذ لا يقتصر على إجراء العمليات الحسابية دون استخدام أدوات. بل يهدف في الأساس إلى تنمية التفكير والتركيز والذاكرة وسرعة المعالجة الذهنية. كما يختلف عن كونه مجرد مهارة حسابية في أنه لا يسعى فقط للوصول إلى الناتج الصحيح. وإنما يعمل على بناء القدرات العقلية للمتعلم وتعزيز كفاءته الذهنية بشكل عام. ومن ثم، تتجلى فوائده في تعزيز الثقة بالنفس، وتنشيط الدماغ. إضافة إلى تحسين الانتباه. إلى جانب دعمه للتعلم الأكاديمي في مختلف المواد. وهي أهداف تتقاطع مع مبادئ الحساب الذهبي».
كيف تطور استخدام الحساب الذهني داخل المنظومات التعليمية الحديثة؟
في الواقع، شهد الحساب الذهني تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة. حيث انتقل تدريجيًا من كونه نشاطًا جانبيًا أو ترفيهيًا إلى أداة تعليمية معترف بها في العديد من النظم التعليمية حول العالم. خاصة مع تطور علوم الدماغ والاتجاه نحو التعليم القائم على تنمية المهارات. وبالتالي، أصبح يُستخدم اليوم لدعم المناهج الدراسية وتنمية الذكاءات المتعددة. ولم يعد حكرًا على المسابقات أو البرامج الخاصة فقط.

هل يمكن دمج الحساب الذهني مع المناهج التقليدية؟
بطبيعة الحال، يمكن دمج الحساب الذهني بمرونة كبيرة مع المناهج التقليدية. كما يمكن تقديمه أيضًا كمسار داعم أو علاجي وفقًا لاحتياجات كل طالب. ومن وجهة نظري، فإن التكامل بينه وبين المناهج الدراسية هو الخيار الأفضل. خاصة عند التعامل مع الطلاب ذوي الإعاقة. حيث يحقق أكبر قدر من الفائدة التعليمية دون ضغط.
كيف يسهم الحساب الذهني في دعم مفهوم التعليم الدامج لذوي الإعاقة؟
في هذا السياق، يعتمد الحساب الذهني على التجربة الحسية. وكذلك التدرج الذهني أكثر من اعتماده على الكتابة أو الرؤية فقط. وهو ما يجعله أداة تعليمية دامجة بامتياز. وبناءً عليه، يتيح هذا الأسلوب لكل طالب أن يتعلم وفق قدراته وإمكاناته. كما يمنحه فرصة المشاركة الفعالة داخل البيئة التعليمية دون شعور بالعجز أو الإقصاء.
ما الفروق الأساسية بين تعليم الحساب الذهني للطلاب من ذوي الإعاقة والطلاب من غير ذوي الإعاقة؟
هنا، يجدر التأكيد على أن الاختلاف لا يكون في المحتوى. وإنما في وتيرة التعليم، وأساليب الشرح، ووسائل التقديم. فعند العمل مع الطلاب ذوي الإعاقة نركز بشكل أكبر على التدرج، والتكرار، والتعزيز الإيجابي. مع مراعاة الفروق الفردية والحالة النفسية لكل طالب.
ما الضوابط التربوية عند تقديم الحساب الذهني لذوي الإعاقة؟
في المقام الأول، هناك مجموعة من الضوابط الأساسية. في مقدمتها احترام الفروق الفردية. وكذلك تجنب المقارنة بين الطلاب، وعدم ممارسة أي نوع من الضغط. إضافة إلى ذلك، يجب ربط التعلم دائمًا بالشعور بالنجاح والأمان النفسي. مع وضوح الهدف التعليمي منذ البداية.
كيف يساعد الحساب الذهني الطلاب ذوي الإعاقة البصرية؟ وما الأساليب المناسبة لتدريب المكفوفين وضعاف البصر؟
من خلال الاعتماد على الأصابع. وكذلك اللمس، والصوت، يستطيع الطالب الكفيف أو ضعيف البصر فهم العمليات الحسابية دون الحاجة إلى الرؤية. وفي هذا الإطار، يعتمد التدريب على الشرح اللفظي الواضح، واستخدام الأصابع كأداة أساسية للحساب. وذلك مع التدرج من المحسوس إلى المجرد. إلى جانب الإيقاع الصوتي والتكرار، بما يعزز الاستقلالية والثقة بالنفس.
كيف يتكامل الحساب الذهني مع التعليم البصري ولغة الإشارة لدى الصم؟
في هذا الجانب، يعتمد الحساب الذهني بدرجة كبيرة على النمط الحركي. كما يمكن تقديمه بسهولة باستخدام لغة الإشارة والإيماءات والتتابع الحركي. وهو ما يجعله مناسبًا جدًا للطلاب الصم. كما أننا مع هذه الفئة نعتمد بشكل أساسي على اللغة البصرية، بينما مع ضعاف السمع نمزج بين الشرح الشفهي. إضافة إلى الدعم البصري بما يتناسب مع قدراتهم السمعية.
إلى أي مدى يحسن الحساب الذهني التركيز لدى ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة؟
بشكل عام، يسهم الحساب الذهني بشكل واضح في تحسين مستوى التركيز والانتباه لدى ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة. خاصة إذا قُدم في جلسات قصيرة ومنظمة. وفي الوقت نفسه، يجب الانتباه لحدود الاستفادة، فعند ملاحظة أي علامات للإرهاق أو التوتر يجب التوقف فورًا. وذلك لأن القاعدة الأساسية أن يكون التعلم ممتعًا ومحفزًا لا مرهقًا.
كيف يساعد الحساب الذهني الطلاب ذوي صعوبات التعلم؟ وهل يمكن اعتباره مدخلًا تعليميًا بديلًا؟
في هذا الإطار، يساعد الحساب الذهني الطلاب ذوي صعوبات التعلم على فهم العمليات الحسابية بطريقة مبسطة وحسية. وذلك بعيدًا عن التعقيد الرمزي، خاصة في حالات عُسر الحساب. وفي كثير من الأحيان يكون مدخلًا تعليميًا فعالًا عندما تفشل الطرق التقليدية في تحقيق نتائج إيجابية. وهو ما يعزز من قيمة الحساب الذهبي كخيار داعم.
متى يكون الحساب الذهني مناسبًا لطلاب طيف التوحد؟
يكون مناسبًا عندما يكون الطالب قادرًا على التقليد والتركيز لفترات قصيرة. كما يتم تقديمه بأسلوب روتيني ومنظم. ومن أهم الاعتبارات احترام الروتين، وتقليل المثيرات. إضافة إلى استخدام التعزيز الإيجابي. مع تجنب الإطالة في الجلسات التعليمية.
كيف يتم تقييم مستوى الطالب قبل إدخاله برنامج الحساب الذهني؟
عادةً، يتم تقييم مستوى الطالب من خلال قياس قدراته الذهنية. إضافة إل مستوى التركيز والاستجابة، والحالة النفسية، دون الاعتماد على العمر الزمني فقط. وغالبًا ما تبدأ مؤشرات التحسن في الظهور خلال فترة تتراوح بين أربعة إلى ثمانية أسابيع. خاصة على مستوى التركيز والثقة بالنفس.
هل توجد تجارب ناجحة للحساب الذهني مع ذوي الإعاقة؟ وما أبرز التحديات التي تواجه تطبيقه؟
نعم، بالفعل هناك تجارب ناجحة في مراكز ومدارس عربية وعالمية أثبتت فعالية الحساب الذهني مع ذوي الإعاقة. إلا أن أبرز التحديات تتمثل في ضعف الوعي المجتمعي بطبيعته التربوية. وكذلك نقص التدريب المتخصص. إضافة إلى الخلط بين الحساب الذهني والضغط الأكاديمي والسعي وراء النتائج السريعة.
هل هناك نقص في تدريب المعلمين؟ وكيف يمكن ضمان جودة برامج الحساب الذهني؟
للأسف، ما زال هناك نقص واضح في تدريب المعلمين. وهو ما يستدعي توفير برامج تدريب متخصصة. ويمكن ضمان جودة البرامج من خلال وضع معايير واضحة، وتأهيل المدربين بشكل علمي. إضافة إلى المتابعة والتقييم المستمر.
ما النصائح التي توجهينها للأسر؟ وكذلك المؤسسات التعليمية؟
أنصح الأسر بعدم الضغط على الطفل أو مقارنته بغيره. وكذلك اختيار مدرب مؤهل. مع التركيز على التطور التدريجي لا النتائج السريعة. أما المؤسسات التعليمية، فيمكنها دمج الحساب الذهني ضمن خطط التعليم الدامج كبرنامج داعم وغير إلزامي. وذلك بالتعاون مع مختصين في التربية الخاصة.
أخيرًا، ما الخطوة الأهم لنشر الحساب الذهني في العالم العربي؟
في الختام، أرى أن الخطوة الأهم هي نشر الوعي العلمي والتربوي الصحيح بمفهوم الحساب الذهني. وكذلك تدريب الكوادر المتخصصة، وتقديمه كأداة تعليمية إنسانية داعمة. بعيدًا عن التسويق المبالغ فيه أو الوعود غير الواقعية، بما يرسخ مكانة الحساب الذهبي كمنهج تربوي يخدم التعليم الدامج ويعزز العدالة التعليمية.


.png)


















































