Skip to content

 السعودي محمد وحيش: الإعاقة البصرية لن تمنعني من حلم بناء “مدينة الهمم”

 السعودي محمد وحيش: الإعاقة البصرية لن تمنعني من حلم بناء “مدينة الهمم”

لا توجد تعليقات

السعودية – جسور – شيماء اليوسف

يقترح السعودي محمد وحيش حمدي، من ذوي الإعاقة البصرية، مشروعًا استثنائيًا يحمل اسم مدينة الهمم الدولية“. هذا المشروع ليس مجرد فكرة عمرانية أو تصميم حضاري، بل هو تصور إنساني شامل. الذي لم تمنعه إعاقته من أن يكون صاحب رؤية.

 في هذا الحوار، يكشف لنا عن تفاصيل مشروعه الحُلم، ويشاركنا رؤيته لمدينة يصبح فيها ذوو الإعاقة منتجين وقادة، لا مجرد متلقين للخدمات.

  • ما الدافع الشخصي وراء ابتكار فكرة “مدينة الهمم الدولية”؟

الدافع لم يكن مجرد حاجة فردية، بل شعور عميق باحتياج جماعي يمس كل شخص من ذوي الإعاقة. نحن اليوم نعيش في السعودية مرحلة تحوّل تاريخية، حيث أصبح الطموح لا يعرف حدودًا، ورأيت أن الوقت قد حان لأن تكون لنا مدينة متكاملة تُلبي احتياجاتنا على مختلف الأصعدة، من التعليم والتدريب إلى الترفيه والخدمات. مشروع مدينة الهمم الدوليةليس فكرة عابرة أو مبادرة وقتية، بل ثمرة سنوات من الملاحظة والتفاعل والمعايشة اليومية للواقع الذي يعيشه ذوو الإعاقة في مجتمعنا.

بوصفي كفيفًا، أعلم تمامًا أن المشكلة لا تكمن في الإعاقة بحد ذاتها، بل في غياب البنية التحتية والبيئة الداعمة التي تُمكّننا من العيش والعمل والإنتاج بكرامة. من هنا وُلدت الفكرة، كحل عملي، لا عاطفي، يستجيب لحاجة حقيقية. فغالبًا ما ينتهي المطاف بذوي الإعاقة بعد الدراسة إلى الجمعيات، حيث تُقدَّم برامج سطحية، تفتقر للاحترافية والاستدامة، ولا تؤهّلهم فعليًا لحياة منتجة.

  • هل كانت لديك تجربة شخصية دفعتك إلى تصميم المشروع؟

بكل تأكيد. تجربتي ليست تنظيرية، بل معايشة كاملة لتفاصيل الحياة اليومية كشخص من ذوي الإعاقة. أنا لا أتحدث من موقع الشفقة أو التقدير الخارجي، بل من الداخل، من واقع نعرفه جيدًا ونعي تحدياته. فكرة المدينة تُجسّد حلمًا مشتركًا لكل من شعر يومًا أنه على الهامش رغم قدراته، ولكل من اصطدم بواقع لا يعترف بإمكاناته.

وقد زرتُ عدة دول عربية باحثًا عن نموذج حقيقي لمرافق تحتضن ذوي الإعاقة باحترافية، لكن للأسف، ما وجدته كان خدمات سطحية، تُعاملنا كزوار مؤقتين، لا كمواطنين أصليين. نعم، هناك مبادرات، لكنها غالبًا غير كافية ولا تلامس جوهر الاحتياج.

  • كيف تخيّلت شكل المدينة على أرض الواقع؟

تخيلت مدينة لا يكون فيها ذوو الإعاقة حالات خاصة أو استثناءً، بل مواطنين كاملي الحقوق، يشاركون في بناء مجتمعهم. مدينة تنبض بالتصميم الشامل، من الممرات إلى المرافق، وتُصمم وظائفها وخدماتها لتناسب كل نوع من أنواع الإعاقة، بحيث يشعر الجميع فيها بالاستقلالية، والتمكين، والانتماء.

هي ليست مجرد مكان للإقامة، بل مصنع فعلي لصناعة التغيير. مدينة تؤهل ذوي الإعاقة باحترافية، وتُعيد توظيفهم داخلها، ليصبحوا مدرّبين لغيرهم من ذوي الإعاقة، فتُدار المدينة يومًا ما بالكامل بأيديهم. إنها فكرة تقوم على إعادة تدوير الطاقات الكامنة، وتحويلها إلى قوة منتجة، لا مُستهلكة.

  • هل وضعت تصورًا مبدئيًا للمدينة؟ وما أبرز مرافقها الأساسية؟

نعم، تم إعداد تصور أولي للمدينة، بحيث تكون مقسمة إلى ثلاثة أقسام رئيسية، تخدم جميع فئات ذوي الإعاقة بكفاءة وكرامة.

القسم الأول هو القسم التعليمي والتدريبي، وقد صُمم بطريقة ذكية تضمن الوصول الشامل لكل فئة. يشمل هذا القسم تقنيات متطورة مثل لغة الإشارة، أنظمة النطق الإلكتروني، ومسارات مهيأة بالكامل للكراسي المتحركة، مع مراعاة الفروق الدقيقة بين احتياجات ذوي الإعاقات الحركية والبصرية والسمعية. الهدف أن يشعر الجميع بأن هذا المكان صُمم لأجلهم، لا ليكونوا فيه مجرد متلقين بل شركاء فاعلين في بيئة تعليمية تحفّز على النمو والتمكين.

أما القسم الترفيهي، فقد رُوعي فيه أن يكون متاحًا بالكامل للجميع، من خلال توفير الممرات الممهدة، والنواطق الصوتية، وعربات النقل الجماعي الصغيرة التي تسهل الحركة داخل المرافق الترفيهية. ويضم هذا القسم فعاليات وبرامج ترفيهية تراعي الفروق الفردية وتُصمم بروح الدمج والمشاركة، لا العزل.

ويأتي القسم الثالث كمرفق خدمي متكامل، ويضم فنادق، مسجدًا، مركزًا تجاريًا، مطاعم وكافيهات. جميع هذه المنشآت ستكون مجهزة بأحدث التقنيات الداعمة، مثل الأرصفة الذكية وأنظمة التوجيه الصوتي، وتُدار بكفاءة من قبل كوادر من ذوي الإعاقة أنفسهم. وتُخصص الفنادق تحديدًا للمتدربين الذين يلتحقون ببرامج طويلة المدى، بحيث يُتاح لهم الإقامة داخل المدينة دون الحاجة للتنقل اليومي، المدينة ككل تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة لتسهيل الدخول والخروج والتفاعل مع المرافق، ما يجعلها بيئة متكاملة ومستقلة وآمنة.

  • ما هي التخصصات التي يتضمنها القسم التدريبي؟

القسم التدريبي لا يقتصر على التأهيل المهني التقليدي، بل يشمل مجموعة واسعة من التخصصات التي تم اختيارها بعناية لتتناسب مع قدرات ذوي الإعاقة وميولهم المختلفة. من بين هذه التخصصات: العلوم الإدارية، الأسواق المالية، الإعلام بأنواعه، الزراعة، تصميم الأزياء، الموسيقى، والصناعات الحرفية والتقنية، بالإضافة إلى مركز أبحاث مخصص لدراسة احتياجات هذه الفئة وابتكار حلول مخصصة لها.

التدريب سيتم بطرق غير تقليدية، بالاعتماد على تقنيات الواقع المعزز، والتفاعل الذكي، بما يضمن تقديم تجربة تعليمية حديثة، مرنة، وشاملة، تستجيب للاختلافات الجسدية والحسية بين المتدربين.

  • ما المهن أو الحرف التي تراها مناسبة لذوي الإعاقة؟ وكيف تضمن دمجهم الحقيقي في سوق العمل؟

هناك طيف واسع من المهن التي يمكن أن تكون مصدر دخل واستقلال حقيقي للأشخاص ذوي الإعاقة، ومنها: التصميم الجرافيكي، الترجمة، التسويق الإلكتروني، البرمجة، الأشغال اليدوية، إدارة البيانات، الاستشارات، الزراعة الذكية، تصميم الأزياء، وحتى التداول في أسواق الأسهم.

نحن لا نعتمد فقط على التدريب النظري، بل نوفر تدريبًا عمليًا ممنهجًا، عبر مدربين متخصصين، وبالتعاون مع شركاء من القطاعين الحكومي والخاص. كما نوفر فرصًا للتدريب الميداني داخل المدينة، مما يُعزز فرص الدمج الفعلي ويؤهل المتدرب بشكل مباشر لسوق العمل.

وبفضل الدعم الموجَّه من الدولة، سواء من خلال البنوك المخصصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة أو برامج ريادة الأعمال، ستكون هناك منظومة متكاملة تضمن أن يتحول المتدرب من متلقٍ إلى صاحب مشروع أو موظف منتج ومستقل.

  • كيف يمكن أن يكون القسم الترفيهي مهيأً بالكامل لخدمة ذوي الإعاقة؟

القسم الترفيهي في المدينة صُمم وفقًا لمبدأ التصميم الشامل، ما يعني أن كل جزء فيه من المسارات إلى الألعاب، ومن التجهيزات إلى الفعاليات سيكون قابلاً للوصول والتفاعل من جميع الأشخاص، بغض النظر عن نوع الإعاقة. لن يكون هناك حاجة لتكييف لاحق أو حلول بديلة، لأن البنية من الأساس مبنية لتخدم الجميع وتوفر لهم الأمان، المتعة، والاستقلالية دون أي تمييز أو استثناء.

  • هل وضعت تصورًا للأنشطة الترفيهية بما يضمن دمج الجميع دون إقصاء؟

نعم، تم وضع خطة متكاملة تتضمن أنشطة متنوعة تراعي مختلف أنواع الإعاقات، مثل مسرح تفاعلي مجهز للمكفوفين والصم، رياضات معدّلة بحسب القدرات الحركية، ورش فنون تشكيلية، ألعاب جماعية تعزز التعاون، وفعاليات ثقافية مفتوحة. فلسفة الدمج ستكون حجر الأساس، بحيث لا يُعزل أحد، بل تُبنى الأنشطة على المشاركة الجماعية وخلق تجارب مشتركة تكسر الصورة النمطية، وتفتح المجال لتفاعل حقيقي بين الأفراد، مع توفير ساحات لعروض فردية وجماعية يشارك فيها الجميع على قدم المساواة.

  • كيف تساهم المدينة في تحويل ذوي الإعاقة من مستهلكين إلى منتجين؟

المدينة ليست مجرد مساحة للرعاية أو الترفيه، بل مشروع يهدف إلى التمكين الشامل. كل جزء فيها صُمم لتحفيز القدرات وتحويلها إلى قيمة مضافة، من خلال التدريب المهني المتخصص، التوظيف الحقيقي، إطلاق المشاريع الصغيرة، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي. الهدف هو أن يكون ذوو الإعاقة شركاء فاعلين في الاقتصاد الوطني، يساهمون في تقليل معدلات البطالة، ويُنظر إليهم باعتبارهم طاقات منتجة لا عبئًا على المجتمع. التوظيف هنا ليس بدافع التعاطف، بل مبني على الكفاءة والمهنية.

  • هل يشمل المشروع حاضنات أعمال أو برامج تمويل للمشروعات الفردية؟

نعم، هناك قسم خاص لريادة الأعمال يتضمن حاضنات ومُسرّعات أعمال مصممة خصيصًا لذوي الإعاقة، مع برامج إرشادية ودعم لوجستي. كما أُبرمت شراكات أولية مع مؤسسات تمويلية وبنوك تدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. نؤمن أن امتلاك الشخص من ذوي الإعاقة لمشروعه الخاص ليس ترفًا، بل حقٌ أصيل يكفل له الاستقلال الاقتصادي والكرامة.

  • هل تم عرض المشروع على جهات رسمية أو مستثمرين؟ وماذا كان الرد؟

تقدمت بالمشروع إلى الجهات الرسمية في المملكة العربية السعودية، وهو حاليًا قيد الدراسة لدى إحدى الوزارات المعنية. ما نسعى إليه الآن هو أن يُتبنّى المشروع كـ مبادرة وطنية ذات بُعد إنساني واقتصادي، أو حتى كمشروع دولي يُحتذى به، ليس فقط لأنه يخص ذوي الإعاقة، بل لأنه يُجسّد رؤية حديثة للتنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية.

المقالة السابقة
ليلة الوفاء:”جسور” تهدى خالد المظفر وقفاً خيرياً باسم والدته ودموعه تنهمر على المسرح
المقالة التالية
سوار “جسور” يزين معصم حضور مسرحية “ملك المسرح” من ذوي الإعاقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed