.png)
في أحد مستشفيات غزة، ترقد الطفلة سمر البشيتي ذات العشرة أعوام. تبدو كزهرة صغيرة انكسر ساقها قبل أن تكتمل. لا شيء يشبه طفولتها الآن. لا خطوات، ولا ضحكات، ولا حتى القدرة على رفع يدها الصغيرة التي أصبحت ساكنة كالغصة في قلب أمها.
لحظة واحدة وسقوط برميل ثقيل فوق رأسها. كانت كفيلة بأن تُطفئ نور طفلة اعتادت أن تملأ البيت حركة وحياة، وتتركها تصارع الحمى والتشنجات والشلل الرباعي في منطقة لا تملك إلا الدعاء. ووسط هذا الألم، تقف أمها وحيدة، تتشبث بآخر خيوط الأمل، وتطلق نداءً واحدًا للعالم: «أنقذوا سمر، قبل أن يغيب النداء في صمت الفقد».
انتهى بها الحال إلى الشلل الرباعي والشلل الدماغي
الضربة سببت شلل رباعي ودماغي، كما أكّدت التقارير الطبية أن حالتها تزداد صعوبة بسبب الشلل الرباعي الذي يضغط على جسدها الصغير ويهدد حياتها في كل لحظة.
يختنق جسدها الصغير بالألم، وحرارتها لا تهدأ. وتشنجاتها تزداد قوة، فيما تتدهور حالتها يومًا بعد يوم بعد إصابة بالغة في رأسها إثر سقوط البرميل. وكسورًا في الجمجمة وكدمات عميقة في الدماغ، وانتهى بها الحال إلى الشلل الرباعي والشلل الدماغي.
ورغم محاولات الأطباء المحدودة، وفي ظل واقع طبي خانق، أكّد الجميع أن حياتها الآن معلّقة على سفر عاجل للعلاج بالخارج، قبل أن يفوت الأوان. وأوضح بعضهم أن استمرار الشلل الرباعي دون علاج مناسب يزيد خطر الانتكاسات المفاجئة التي قد تكون قاتلة.
تقول الأم لـ”جسور” بصوت يختلط فيه القهر بالخوف: “من يوم الحادث وأنا مش عارفة أنام. سمر كانت تلعب قدّام البيت، بنت صغيرة وما بتعرفش إن الدنيا ممكن تنقلب عليها بثواني.. فجأة وقع عليها برميل كبير، صرخت صرخة عمرها ما طلعت من قلبي لحد الآن،.لما شفت الدم نازل من راسها اتجمدت، حسّيت إنه روحي هي اللي اتكسرت مش راسها.”
وتكمل الأم: “لما وصلنا المستشفى، الدكتور قاللي إن عندها كدمات خطيرة في الدماغ وكسور من الجهة الأمامية، وبعدها دخلت في شلل رباعي. ما كنتش فاهمة، يعني إيه بنتي اللي كانت تركض وتلعب وتضحك، فجأة ما تتحركش؟ فجأة جسمها ينشل؟”
كل يوم بشوفها بتضعف وأنا بضعف معها
وتتابع الأم حديثها بصوت يختنق: “سمر عمرها 10 سنوات، يتيمة أبوها من زمان، وما إلها غيري. وكل يوم حالتها بتسوء أكثر، الحرارة ما بتنزلش، والتشنجات قوية، بشوفها قدّامي بتتألم ومش قادرة أعمل إلها شيء. الوضع في غزة صعب جدًا، وما في علاج لحالتها هون، الأطباء قالولي لازم تسافر فورًا، وإلا حياتها بخطر كبير.”
وتضيف الأم: “والله نفسي أشوف بنتي تقوم من السرير، تتحرك، تمشي، تلعب زي البنات. كل يوم بشوفها بتضعف وأنا بضعف معها. قلبي موجوع عليها، مرات بإمسك إيديها الصغيرة لما تهتز، وبحس حالي عاجزة قدّامها. بتصرخ من الألم وأنا مش قادرة أوجّع حالي مكانها ولا أعمل إلها حاجة، غزة ما فيها إمكانيات، الأطباء عملوا اللي يقدروا عليه، بس كلهم قالولي، لازم تسافر، لازم تطلع فورًا. كل يوم تأخير بيأذيها، واحتمال يصيرلها انتكاسة خطيرة. بتمنى من كل إنسان يقدر يساعدها ما يقصر، بنتي لازم تسافر بسرعة قبل ما نفقدها.”
نداء عاجل بالسفر للعلاج
سمر اليوم تقف على حافة الخطر، بين حياة يمكن إنقاذها وساعات تتسرب من بين أصابع أم عاجزة. كل ما تحتاجه هو سفر عاجل للعلاج خارج غزة، قبل أن تتعرض لانتكاسة خطيرة لا يمكن تداركها.
وليس بعيدًا عن قصتها، فقد شهدت غزة خلال الشهور الماضية إنقاذ حياة العديد من الأطفال الذين خرجوا للعلاج في الخارج بعد إصابات خطيرة. كادت تودي بحياتهم. بعضهم وصل إلى مراحل حرجة فقدت معها أسرهم الأمل. لكن بمجرد وصولهم إلى مستشفيات أكثر تجهيزًا، بدأت حالتهم تتحسن تدريجيًا. وتمكنوا من استعادة قدرتهم على الحركة أو الكلام أو التنفس بشكل أفضل.
هذه القصص لم تكن مجرد أرقام، بل كانت أملًا حقيقيًا لأهالٍ عاشوا على حافة الانهيار،.قبل أن تعيد الرحلة العلاجية أبناءهم إلى الحياة من جديد. واليوم. سمر تستحق الفرصة نفسها، تستحق أن تُمنح فرصة النجاة، تمامًا كما نجا غيرها، رغم ما سببه لها الشلل الرباعي من معاناة لا يحتملها جسد طفلة.
يذكر أن الزميل عمرو طبش هو أول من نشر معلومات وصور لحالة الطفلة سمر رياض البشيتي.
