الصين – جسور – فاطمة الزهراء بدوي
تقدمٌ علمي جديد تسجله الصين في مجال الصحة النفسية والرعاية المسندة بالذكاء الاصطناعي، بعد قبول بحث أصلي نُشر في مجلة Frontiers in Artificial Intelligence ضمن محور “تطبيقات تقنيات الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات الطبية”. وقدّم الدراسة الباحثان تونغتونغ جين وآيتيجانغ حليلي، من جامعتي شانشي وشينجيانغ، وسلطت الضوء على إمكانية التنبؤ المبكر بمخاطر الإصابة بالاكتئاب لدى كبار السن من ذوي الإعاقة باستخدام نماذج تعلم آلي مبنية على بيانات وطنية موسعة.
اعتمد الباحثان على بيانات “دراسة الصحة والتقاعد في الصين” (CHARLS)، وهي قاعدة بيانات طويلة المدى تغطي جوانب متعددة من حياة المسنين الصينيين، بما يشمل وضعهم الصحي، ومستوى النشاط اليومي، والتحديات النفسية والاجتماعية. وتم اختيار فئة كبار السن الذين يعانون من إعاقات تتعلق بالأنشطة الأساسية أو الآلية للحياة اليومية، لتكون محور هذا النموذج التنبؤي.
الدراسة طورت ثلاثة نماذج تعلم آلي مختلفة: الانحدار اللوجستي (LR)، والـHistGradient Boosting Machine (HistGBM)، والشبكة العصبية متعددة الطبقات (MLP). وتمت مقارنة أداء هذه النماذج بناءً على قدرتها على التنبؤ بمخاطر الاكتئاب. ووفقًا للنتائج الأولية، فقد أظهرت نماذج التعلم الآلي دقة مرتفعة في رصد الأشخاص المعرضين للاكتئاب قبل تطور الأعراض بشكل فعلي، وهو ما يفتح الباب أمام تدخلات علاجية مبكرة وتحسين جودة الحياة في المراحل المتقدمة من العمر.
اللافت في الدراسة أنها جمعت بين تخصصات القانون والتقنية والطب النفسي، مما يعكس طبيعتها متعددة التخصصات. وتُشير الكاتبة المشاركة آيتيجانغ حليلي، الباحثة في كلية القانون بجامعة شينجيانغ الزراعية، إلى أن التعامل مع فئة المسنين من ذوي الإعاقة لا يجب أن يقتصر على الجانب العلاجي فقط، ولكن يتطلب إطارًا قانونيًا وتنظيميًا يضمن كرامتهم ويؤسس لآليات دعم نفسي مبنية على أسس علمية دقيقة.
من جهة أخرى، يؤكد تونغتونغ جين من جامعة شانشي أن الدراسة لا تهدف إلى استبدال الخبرات الطبية أو النفسية البشرية، حيث تسعى إلى تمكين مقدمي الرعاية وصناع السياسات من أدوات تساعدهم في اتخاذ قرارات سريعة وفعالة بناءً على بيانات كمية.
وبحسب ما جاء في المقال، فإن الدراسة استفادت من طبيعة بيانات CHARLS، التي تجمع معلومات من آلاف الأفراد عبر الزمن، مما يعزز من موثوقية النموذج ويجعله قابلًا للتطبيق في سياقات صحية مماثلة خارج الصين، لاسيما في الدول ذات التركيبة السكانية المتقدمة عمرًا.
على الرغم من الطابع الأكاديمي للدراسة، فإن تطبيقاتها العملية واضحة. إذ يمكن توظيف النموذج في العيادات المجتمعية، ودور رعاية المسنين، وكذلك في برامج الحماية الاجتماعية، لاكتشاف الحالات المعرضة للخطر قبل أن تتفاقم معاناتها النفسية. وقد شدد الباحثون على أهمية الشراكة بين التقنيين، والأطباء، والباحثين الاجتماعيين، لضمان تطوير أدوات تنبؤية تراعي الخصوصية الإنسانية وتُستخدم بشكل أخلاقي.
وتُعد هذه الدراسة واحدة من ثماني دراسات تم قبولها ضمن محور خاص بالمجلة يركّز على توظيف الذكاء الاصطناعي في القطاع الطبي، ما يشير إلى الاتجاه العالمي المتزايد نحو دمج التقنيات الحديثة في الرعاية الصحية، وبشكل خاص الصحة النفسية التي طالما عانت من نقص الموارد وقلة الأدوات الوقائية.
من المنتظر أن تُنشر النسخة النهائية من الدراسة قريبًا بصيغة كاملة في مجلة Frontiers in AI، بعد قبولها بتاريخ 18 يونيو 2025، مع إتاحتها بنظام الوصول المفتوح بموجب رخصة المشاع الإبداعي (CC BY)، مما يتيح للباحثين وصناع السياسات في مختلف دول العالم الاطلاع عليها والاستفادة من نتائجها.
البحث يسلط الضوء على أهمية توفير بيئة داعمة للمسنين ذوي الإعاقة، والاعتراف بتعقيدات التحديات النفسية التي يواجهونها، كما يدعو إلى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي كوسيلة لفهم أعمق للصحة العقلية، وبناء أنظمة رعاية قائمة على التنبؤ، لا على رد الفعل.