كوريا الجنوبية – جسور – فاطمة الزهراء بدوي
كشفت دراسة وطنية في كوريا الجنوبية عن أزمة غير مرئية يعانيها مقدمي الرعاية للأشخاص من ذوي الإعاقات النمائية، حيث تؤدي الضغوط اليومية إلى معاناة نفسية عميقة، دون دعم فعال من الدولة أو المجتمع.
الدراسة، التي أجرتها مؤسسة كوريا للصحة والشؤون الاجتماعية بتكليف من وزارة الصحة والرفاهية، استندت إلى استبيانات شملت أكثر من 3,100 شخص من ذوي الإعاقة، وقرابة 2,600 من مقدّمي الرعاية، موزعين على خمس مناطق بين فبراير ويونيو 2024.
وأظهرت النتائج أن 43% من مقدّمي الرعاية يقومون بتلك المهام بمفردهم تمامًا، من دون أي مساعدة أو بديل متاح في حالات الطوارئ.
العبء لا يُوزع بالتساوي، ولكن تتحمله النساء بشكل أساسي. بلغت نسبة النساء بين مقدّمي الرعاية 71.5%، منهن 60.9% من الأمهات، فيما شكل الآباء 19.1% فقط. وتوزعت النسبة المتبقية على الزوجات، الإخوة، والأجداد. غالبية مقدمي الرعاية تتراوح أعمارهم بين الأربعين والتسعة والخمسين، وهي فئة عمرية تواجه بالفعل تحديات صحية ومهنية.
رغم أن متوسط ساعات الرعاية يتجاوز التسع ساعات يوميًا، إلا أن 50% من المشاركين قالوا إنهم يقدمون ما لا يقل عن خمس ساعات من الرعاية كل يوم. ورغم هذا الجهد الهائل، فإن الدعم المؤسسي ما يزال محدودًا، ما يفاقم من مشاعر العزلة والانهاك النفسي.
أما من يتلقون الرعاية، فتتراوح أعمار معظمهم بين 20 و39 عامًا (36.9%)، يليهم من هم بين 40 و64 عامًا (31.8%)، في حين مثّل الأطفال والمراهقون أقل من 25%. وهذا يشير إلى أن العبء أصبح طويل الأمد، يرافق الأسر لسنوات، دون بوادر لتغيّر الوضع قريبًا.
من الجانب النفسي، عبرت غالبية مقدمي الرعاية عن مستويات مرتفعة من القلق. فقد قال 63.7% إنهم يشعرون بقلق دائم تجاه المستقبل، و37.2% يشعرون بحاجتهم المستمرة للراحة. أما الخروج لتناول الطعام أو الاستجمام فبات ترفًا لا يملكونه، وفقًا لـ34.4% من المشاركين.
لكن الأخطر أن 10.1% من مقدمي الرعاية قالوا إنهم فكّروا جديًا في إنهاء حياتهم خلال العام الماضي، فيما اعترف 18.7% بأنهم وضعوا خططًا لذلك، و9.3% حاولوا بالفعل التنفيذ. هذه الأرقام لا تترك مجالًا للشك بأن ما يُواجهه مقدّمو الرعاية تجاوز حدود الضغط النفسي المعتاد، ووصل إلى مرحلة الخطر الوجودي.
كما أبدى 18.5% رغبتهم في اللجوء إلى دعم نفسي متخصص، و7.9% يتناولون أدوية تخص حالات اكتئاب وقلق وأرق، مما يعكس أن الآثار النفسية تحوّلت إلى حالات مرضية تتطلب تدخلاً طبيا.
الخبراء في المجال الاجتماعي يحذرون من انهيار وشيك لنظام الرعاية غير الرسمي، القائم على الأسرة. ويطالبون بضرورة تعزيز خدمات الرعاية المؤقتة، وتوفير دعم نفسي شامل، وتوسيع المؤسسات المجتمعية القادرة على تقديم بدائل واقعية للأسر المنهكة.
الوضع في كوريا الجنوبية يعكس مفارقة مؤلمة: دولة تُعرف بتقدمها التكنولوجي والاقتصادي، لكنها ما زالت تعتمد على الأسرة بوصفها خط الدفاع الأول والأخير في التعامل مع الإعاقة. الأمر لم يعد مجرد “مهمة أسرية”، ولكن أزمة بنيوية تتطلب إعادة نظر شاملة في سياسات الرعاية الاجتماعية.