الفن كطريق للنجاة..  جيفري جوردون يحوّل الألم إلى لوحات

الفن كطريق للنجاة..  جيفري جوردون يحوّل الألم إلى لوحات

المحرر: سماح ممدوح حسن-أمريكا

في زمن تتقلّب فيه الأسواق وتضيق فرص العمل، يبدو الطريق أكثر وعورة أمام الأشخاص من ذوي الإعاقة. لكن قصصًا إنسانية مثل قصة الفنان الأمريكي جيفري جوردون التى نشرها موقع  Public Source تذكّرنا بأن الإرادة والإبداع قادران على فتح نوافذ جديدة حتى في الجدران المغلقة.

الامتنان طريق العبور

يبلغ جوردون من العمر 44 عامًا ويعيش باضطرابات نفسية وخللٍ في التنسج الهيكلي الكامل، وهي حالة نادرة تجعل العظام لا تنمو أو تتكوّن على نحو طبيعي منذ الطفولة، ما يخلّف تشوّهات في القوام ويحدّ من الحركة.

ورغم ما رافق ذلك من ألم دائم وصعوبات جسدية، وجد في الامتنان طريقًا للتجاوز:

«تقدير الأشياء الصغيرة التي نعتبرها بديهية ساعدني على إكمال الطريق»، يقول يقول الفنان الأمريكي، وهو يرسم مشهدًا من الحياة اليومية، من أفق بيتسبرج الرمادي إلى فنجان قهوة بسيط يعبق بالسكينة.

لكن تحويل الفن أو الامتنان إلى مهنة ليس أمرًا يسيرًا. فالإحصاءات في ولاية بنسلفانيا تشير إلى أن واحدًا فقط من كل أربعة أشخاص من ذوي الإعاقة يبحث عن عمل. وغالبًا ما يضطر هؤلاء للعمل بدوام جزئي بسبب القيود الجسدية أو النفسية أو الاجتماعية.

بين البطالة وفقدان الدافع

خسر جوردون عمله الأخير خلال جائحة كوفيد-19، ومنذ ذلك الحين لم يتمكّن من استعادة مساره المهني. يقول: «أعاني من قلق ومشاكل في تقدير الذات. أخاف أن أبدأ عملاً ثم أعجز عن أدائه كما يجب.»

ومع ذلك، لم يستسلم. وبدأ يسوّق لوحاته محاولًا أن يجعل من الإبداع مصدر رزق ولو محدودًا.

من أعماله التشكيلية

سياسات متقلّبة ومفاهيم تتراجع

يرى الخبراء أن تباطؤ الاقتصاد وتوسّع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي أعادا تشكيل سوق العمل، وجعلا من الصعب على الأشخاص ذوي الإعاقات، خاصة العصبية والذهنية، العثور على وظائف مستقرة.

وفي الولايات المتحدة، تراجع الزخم الذي رافق برامج التنوع والمساواة والشمول (DEI) خلال السنوات الماضية، خصوصًا بعد التحولات السياسية التي شهدتها البلاد، ما زاد من غموض مستقبل المبادرات الداعمة لتوظيف ذوي الإعاقة.

وهو يرسم إحدى لوحاته

استعادة الثقة من جديد

يقول البروفيسور ميسون أمري من جامعة روتجرز: «المؤسسات تُظهر رغبة حقيقية في توظيف ذوي الإعاقة، لكن التحدي يكمن في التنفيذ. من المهم أن نصمّم لكل شخص المسار الذي يناسبه.»

أما جوردون فيحاول استعادة ثقته بنفسه من خلال ورش تدريبية في نادي ليفين للمصابين باضطرابات نفسية، حيث يتدرّب على مهارات المقابلات الوظيفية ويشارك في جلسات تأهيلية تساعده على إعادة بناء قدرته على التواصل والعمل الجماعي.

حين يتحوّل الألم إلى فن

في مرسمه الصغير، يواجه جوردون أوجاع المفاصل بفرشاة وألوان. لوحاته التجريدية والانطباعية تعبّر عن رؤيته الفريدة للعالم، وكأن كل ضربة فرشاة تحمل أثر المعاناة والتحرّر في آن، ويعبر عن ذلك قائلا:  «الألم يجعلني حاضرًا تمامًا، لا وقت للتردّد حين تؤلمك المفاصل»

وفي سلسلته الفنية «أكواب القهوة»، رسم 24 كوبًا متشققًا. يرمز كل واحد منها إلى إنسان يحمل جرحه لكنه يظل جميلًا بطريقته الخاصة.

تجربة إضافية

ليست تجربة جيفري جوردون الوحيدة التي تُجسّد الإصرار رغم التحديات. ففي زاوية أخرى من المدينة، تروي قصة كريس بارادا وجهًا مختلفًا من وجوه القوة والأمل.

كريس، البالغ من العمر ثلاثين عامًا، يعمل في فريق تنظيف متنقّل تابع لمنظمة Life’sWork غير الربحية. يقول مبتسمًا: «أحب عملي لأنه يجعلني جزءًا من فريق. لا أحب أن أكون وحدي»

كريس بارادا

ويضيف «المنظمة تمنح موظفيها وظائف بدوام جزئي حتى لا يفقدوا إعانات الضمان الاجتماعي، لكنها تواجه صعوبات تمويلية وسط ضبابية السياسات الفيدرالية وتقلّب الميزانيات.»

التكنولوجيا بين الفرصة والعقبة

ومع تطوّر سوق العمل، أصبحت التكنولوجيا بوابة الدخول الأولى إلى الفرص. غير أن هذا التحوّل الرقمي يحمل مفارقة مؤلمة: فبينما يُفترض أن تسهّل الخوارزميات عملية التوظيف، قد تُقصي، من دون قصد، الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية أو العصبية، لعدم مراعاتها لخصوصيتهم.

كما يبقى الإفصاح عن الإعاقة خلال المقابلات الشخصية قضية حساسة، تتراوح الآراء حولها بين من يرى أن الشفافية تولّد الثقة، ومن يفضّل الانتظار إلى ما بعد التوظيف لإثبات الكفاءة أولاً.الاختلاف جمال لا يُخفى

في سبتمبر الماضي، شارك جوردون في معرض فني بعنوان «مانوس»، حيث بيع عدد من أعماله، منها لوحته «الفخامة الأمريكية وكلب الفرعون». يقول بابتسامة: «كل كوب في لوحاتي متشقق أو غير مثالي تمامًا مثلنا جميعًا.» ورغم أن عائد الفن محدود، إلا أن التجربة منحته ما هو أثمن: إحساس بالجدوى والانتماء.

ففي عالم سريع التغيّر تقلّ فيه الفرص وتزداد التحديات، تبقى قصص مثل قصته شاهدًا على أن العمل ليس فقط وسيلة للعيش، بل وسيلة لاستعادة الكرامة وتحقيق الذات مهما طال الطريق أو اشتد الألم.

المقالة السابقة
«الشؤون الكويتية» تحلّ مجلس إدارة جمعية سعد العبدالله التعاونية وتحيل الأعضاء للنيابة 
المقالة التالية
رئيس «رفع الأثقال البارالمبية الدولية»: بطولة مصر الأفضل في التاريخ

وسوم

أمثال الحويلة (422) إعلان عمان برلين (497) اتفاقية الإعاقة (641) الإعاقة (148) الاستدامة (1140) التحالف الدولي للإعاقة (1112) التشريعات الوطنية (884) التعاون العربي (554) التعليم (87) التعليم الدامج (66) التمكين الاقتصادي (95) التنمية الاجتماعية (1134) التنمية المستدامة. (94) التوظيف (68) التوظيف الدامج (864) الدامج (60) الدمج الاجتماعي (669) الدمج المجتمعي (169) الذكاء الاصطناعي (90) العدالة الاجتماعية (78) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (546) الكويت (96) المجتمع المدني (1115) الولايات المتحدة (66) تكافؤ الفرص (1107) تمكين (93) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (554) حقوق الإنسان (81) حقوق ذوي الإعاقة (99) دليل الكويت للإعاقة 2025 (398) ذوو الإعاقة (162) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1069) ذوي الإعاقة (553) ذوي الهمم (61) ريادة الأعمال (425) سياسات الدمج (1093) شركاء لتوظيفهم (415) قمة الدوحة 2025 (682) كود البناء (482) لغة الإشارة (75) مؤتمر الأمم المتحدة (371) مجتمع شامل (1102) مدرب لغة الإشارة (671) مصر (104) منظمة الصحة العالمية (695)