الفيبروميالجيا والتعب المزمن.. إعاقات خفية يعاني أصحابها في صمت

الفيبروميالجيا والتعب المزمن.. إعاقات خفية يعاني أصحابها في صمت

المحرر: محمود الغول - مصر
متلازمة الفيبروميالجيا إعاقة صامتة

يتعاطف الناس عادة مع ما يرى ويلمس من الجروح والندوب، لكن هناك معاناة لا تكتشف بسهولة، تختبئ خلف ابتسامات مجاملة أو محاولات يومية للظهور بمظهر عادي.

بين هذه المعاناة، تبرز متلازمة الألم العضلي الليفي الفيبروميالجيا ومتلازمة التعب المزمن، كنموذجين واضحين لما يعرف بالإعاقات الخفية، تلك التي يعيشها صاحبها في صمت، بينما المجتمع كثيرا ما يظن أنه بخير.

بل تعد متلازمة الفيبروميالجيا ومتلازمة التعب المزمن (CFS) من أبرز الأمثلة على الأمراض التي تقع في فجوة التعريف القانوني، حيث تصنف كإعاقات خفية invisible disabilities، هذه الحالات لا تظهر علامات مرئية على الجسم، ولا يمكن تأكيدها باختبارات الدم أو الأشعة ، مما يجعلها نموذجا مثاليا لدراسة التناقض بين الواقع الطبي والتشريعات الحالية.

متلازمة الفيبروميالجيا إعاقة صامتة

الفيبروميالجيا هي حالة مزمنة غير معدية تسبب ألما واسع النطاق في الجسم، مصحوبا بإرهاق، ومشاكل في النوم والذاكرة والمزاج. تشير الأبحاث إلى أن المرض ينطوي على طريقة خاطئة في معالجة الدماغ والحبل الشوكي لإشارات الألم، مما يزيد من الحساسية العامة للألم. لا يوجد علاج نهائي لهذا المرض، لكن الأدوية وتغييرات نمط الحياة، مثل ممارسة الرياضة بانتظام وتعديل عادات النوم، يمكن أن تساعد في إدارة الأعراض، على الرغم من أن المرض لا يترك أثرا على الجلد أو العظام، إلا أنه يسرق الصحة والشباب، ويحول حياة الشخص إلى مأساة حقيقية.

المصابون بالفيبروميالجيا يستيقظون يوميا على أجساد مثقلة بالوجع، الألم ينتشر في العضلات والمفاصل بلا سبب واضح، كأن الجسد كله أصبح مصيدة للتيبس والإنهاك، الأطباء يصفونه بأنه «ألم منتشر»، لكن الوصف لا ينقل حجم القسوة، كثيرون منهم يسمعون من الآخرين جملة «أنت شكلك سليم»، بينما الواقع أن مجرد حمل حقيبة خفيفة أو صعود درجات السلم قد يكون تحديا يوميا.

متلازمة التعب المزمن الوجه الآخر لنفس المأساة
متلازمة التعب المزمن الوجه الآخر لنفس المأساة

متلازمة التعب المزمن

أما متلازمة التعب المزمن فهي الوجه الآخر لنفس المأساة، تخيل أن تستيقظ من نوم امتد لثماني ساعات كاملة، لتشعر أنك لم تنم على الإطلاق، التعب لا يزول بل يتراكم ويقيد حياة المريض كما يقيد الحديد قدمي أسير. المهام البسيطة: تحضير وجبة، أو الخروج لمقابلة صديق، قد تبدو كجبل شاهق يحتاج إلى طاقة خارقة لتسلقه.

بين الشك الطبي وسوء الفهم الاجتماعي

ما يزيد القسوة أن هذه الأمراض كثيرا ما تقابل بالشك، بعض الأطباء، لسنوات طويلة، شككوا في وجود الفيبروميالجيا من الأساس، واعتبروها «توهما» أو «عرضا نفسيا»، المجتمع بدوره يعجز عن فهم كيف يبدو الشخص قادرا على الحركة في لحظة، ثم ينهار في لحظة أخرى، هذا الشك يضيف عبئا نفسيا هائلا للمصاب، الذي يجد نفسه مطالبا بإثبات ألمه غير المرئي.

وجوه خلف الأرقام

قصص المرضى تكشف الجانب الإنساني العميق لهذه المتلازمات، سيدة في الأربعين من عمرها تصف يومها قائلة: «أحتاج إلى ساعة كاملة كل صباح فقط لأستطيع النهوض من الفراش. ابني الصغير يعتقد أنني لا أحب اللعب معه، بينما الحقيقة أنني بالكاد أستطيع حمل نفسي».

شاب آخر يحكي أنه فقد وظيفته بسبب غياب متكرر غير مبرر، لم يقتنع مديره بأن «التعب» يمكن أن يكون إعاقة حقيقية، الاعتراف بأن الفيبروميالجيا ومتلازمة التعب المزمن إعاقات خفية هو خطوة أولى لرفع الظلم عن أصحابها، يحتاج المرضى إلى دعم طبي جاد، يشمل علاجا يخفف الأعراض وبرامج إعادة تأهيل، لكنهم أيضا بحاجة إلى وعي اجتماعي يخفف من عزلتهم. أن يصدقهم المجتمع، أن يمنحهم مساحات للراحة دون حكم، أن يتعامل معهم باعتبارهم «أقوياء يصارعون ما لا نراه».

الإعاقات الخفية تضعنا أمام اختبار إنساني كبير يسأل هل تعاطفنا مشروط بما يمكن أن تراه أعيننا؟ أم أننا قادرون على مد يد الفهم والدعم لمن يعيشون خلف ستار غير مرئي من الألم والإرهاق؟

الفيبروميالجيا والتعب المزمن ليسا مجرد تسميات طبية، بل قصص بشرية مليئة بالصراع اليومي مع جسد متمرد. وبينما لا تزال الأبحاث تسعى لفهم أسرار هذه المتلازمات، يبقى أبسط دواء ممكن اليوم هو الاعتراف والتقدير والرحمة.

المقالة السابقة
بروتوكول تعاون لتمكين ذوي الإعاقة في الإمارات
المقالة التالية
مصر تفتح ملف سيارات ذوي الإعاقة.. تكلف الدولة مليارات الجنيهات

وسوم

أصحاب الهمم (45) أمثال الحويلة (390) إعلان عمان برلين (393) اتفاقية الإعاقة (536) الإعاقة (97) الاستدامة (857) التحالف الدولي للإعاقة (833) التشريعات الوطنية (652) التعاون العربي (414) التعليم (51) التعليم الدامج (45) التمكين الاقتصادي (61) التنمية الاجتماعية (855) التنمية المستدامة. (58) التوظيف (43) التوظيف الدامج (699) الدمج الاجتماعي (612) الدمج المجتمعي (127) الذكاء الاصطناعي (65) العدالة الاجتماعية (56) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (416) الكويت (64) المجتمع المدني (845) الولايات المتحدة (49) تكافؤ الفرص (844) تمكين (61) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (501) حقوق الإنسان (60) حقوق ذوي الإعاقة (74) دليل الكويت للإعاقة 2025 (367) ذوو الإعاقة (115) ذوو الاحتياجات الخاصة. (817) ذوي الإعاقة (390) ذوي الهمم (44) ريادة الأعمال (381) سياسات الدمج (830) شركاء لتوظيفهم (375) قمة الدوحة 2025 (478) كود البناء (370) لغة الإشارة (44) مؤتمر الأمم المتحدة (329) مجتمع شامل (837) مدرب لغة الإشارة (578) مصر (38) منظمة الصحة العالمية (598)