المتحف المصري الكبير، المطل على أهرامات الجيزة، هو أحد أضخم المشاريع الثقافية في العالم من حيث المساحة والمقتنيات، فهذا الصرح الذي يضم كنوز الملك توت عنخ آمون لأول مرة في مكان واحد، هو حجر الزاوية في استراتيجية مصر الثقافية والسياحية، وتكمن عظمة المتحف في رؤيته الأساسية لترسيخ مبدأ الشمولية والترحيب بالجميع.
“جسور” تأخذكم في رحلة للتعرف على التزام المتحف المصري الكبير بالإتاحة الشاملة، بداية من دمج المصاعد والناقلات في الدرج العظيم، وتوفير مجسمات لمسية وخدمات حسية، ونهاية بإعفاء ذوي الإعاقة ومرافقيهم من رسوم الدخول.
هذا الالتزام بإتاحة الوصول لذوي الاحتياجات الخاصة كما أنه استجابة قانونية، هو أيضا جزء لا يتجزأ من هوية المتحف كمؤسسة عالمية حديثة، وهذا الاستثمار في التصميم الشامل يمثل شكلا من أشكال الدبلوماسية الثقافية، حيث ترسل مصر رسالة واضحة حول توافقها مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان، وبهذا المعنى يصبح كل منحدر وكل خدمة مخصصة في المتحف جزءا من عملية بناء الهوية الوطنية الجديدة، وفق الموقع الرسمي للمتحف عى الإنترنت..
مجانية الدخول والمنطق الاقتصادي
تنطلق جهود المتحف في الإتاحة من فلسفة واضحة تتلخص في «تحويل زيارة المتحف إلى تجربة إنسانية ممتعة في بيئة ثقافية تحتضن الجميع»، تتجلى هذه الفلسفة في سياسة الإعفاء الشامل من رسوم الدخول للزوار من ذوي الإعاقة.
الأهم من ذلك أن الإعفاء يمتد ليشمل «مرافقا»، وهي خطوة تعكس فهما عميقا للاحتياجات، وتعتبر من أفضل الممارسات العالمية، وهذه السياسة ليست قرارا اجتماعيا فقط، بقدر ما هي أيضا قرار اقتصادي استراتيجي، فإزالة الحاجز المالي يشجع على زيارات أكثر، مما يزيد من احتمالية الإنفاق في المرافق الأخرى، ويحول المتحف إلى وجهة جاذبة للسياح الدوليين من ذوي الإعاقة.

الإتاحة المعمارية والدرج الذي يشمل الجميع
تمتع المتحف المصري الكبير بميزة فريدة، وهي أن مبادئ التصميم الشامل قد دمجت في نسيجه المعماري منذ البداية، وتتضح هذه الرؤية في منظومة التنقل السلسة التي تضمن تجربة مريحة وآمنة للجميع، حيث تبدأ بتوفير «عربات جولف» لتسهيل الحركة عبر المساحات الشاسعة.
أما داخل المبنى فتم تجهيزه بشبكة متكاملة من المصاعد والسلالم الكهربائية الحديثة، وتتميز المصاعد بكونها «مزودة بالصوت» لتلبية احتياجات الزوار من ذوي الإعاقات البصرية.
لعل أبرز مثال على هذا النهج هو «الدرج العظيم» فبدلا من توفير مسار بديل، تم دمج الإتاحة في قلب هذه التجربة المعمارية، حيث تم تزويد الدرج بثلاثة ناقلات للأشخاص للاستخدام العام، إضافة إلى ثلاث ناقلات أخرى مخصصة لمستخدمي الكراسي المتحركة، والرسالة هنا ليست «هناك طريق بديل لك» لكن «هذه الرحلة العظيمة هي لك أيضا».

إشراك كل زائر في التجربة
يمثل التزام المتحف المصري الكبير بالإتاحة الحسية والمعرفية امتدادا للبرامج الناجحة التي تم تطويرها في المتحف المصري بالتحرير، وهناك استراتيجية مؤسسية لنقل هذه الخبرات للزوار من ذوي الإعاقات البصرية، من المعروف أن المتحف سيقدم «مجسمات لمسية مزودة بشرح بطريقة برايل» لتعزيز تجربتهم، كما يتوقع ان يتم تبني بروتوكولات خدمة الزوار الصم وضعاف السمع، والتي تشمل توفير مترجمي لغة إشارة عند الطلب المسبق.
ويقدم المتحف بالتحرير بالفعل نموذجا متقدما لبرامج خاصة للزوار الذين يعانون من فقدان الذاكرة أو لديهم قدرات تعلم مختلفة، وهي برامج من المتوقع ان تكون جزءا أساسيا من العروض التعليمية في المتحف الكبير، وهذه المعطيات تكشف عن وجود نهج منهجي تقوده الجهات المعنية لنقل المعرفة في مجال الإتاحة، حسب موقع المتحف المصري بالقاهرة.
المتحف المصري الكبير كنموذج للمستقبل
والمتحف المصري الكبير يمكن النظر إليه كمعيار إقليمي جديد في مجال إتاحة الوصول والدمج المجتمعي، بينما إنجازاته الاستثنائية، المتمثلة في الدمج الكامل للإتاحة المادية في تصميمه المعماري وسياسة الإعفاء المالي الشاملة، تضعه في مصاف المؤسسات الثقافية الرائدة عالميا.
والأهمية الحقيقية للمتحف تكمن في طبيعته المزدوجة فهو في آن واحد نصب تذكاري لماض عظيم، ومخطط لمستقبل شامل، كما أن التزامه بالترحيب بكل زائر هو التزام إنساني عميق لا يقل أهمية عن التاريخ الذي يصونه، هذا التحول في دور المتحف الضخم يجعله ينتقل من النموذج التقليدي للمتحف كحافظ للآثر إلى دوره كعامل نشط في التنمية الاجتماعية والوطنية.


.png)


















































