القاهرة – جسور – سماح ممدوح حسن
قصص نجاح من يمارسون الألعاب الرياضية، خصوصا من ذوي الإعاقة، لا تبدأ برفع الكؤوس، لكن البداية الحقيقية، تكون في حضن أسرة، تدرك أن الإعاقة ليست نهاية الطريق، وأن الاختلاف لا يحول دون تحقيق النجاح والتميز، طالما توفر الدمع والمساندة، ومن قبلهمها الإرادة والرغبة في التحدى.
المحاضِرة دعاء سيف، الخبيرة في مجال تدريب وتأهيل ذوي الإعاقة، في تصريحات خاصة لـ “جسور” ترى أن تأهيل ذوي الإعاقة، ليس نوعا من الرفاهية، بل ضرورة، تفتح أبواباً نحو الاستقلالية، والثقة، وتحقيق الذات، حيث تتشكل البدايات بالدعم النفسي، والتحفيز، والمساندة اليومية داخل الأسرة.
وهنا يبرز معنى وأهمية مفهوم الإستقلالية، حسب وصف دعاء سيف، الذي يجب أن تعيه الأسرة جيدا، ليتحول من مجرد شعار، إلى ممارسة يومية، تسهم في دمج حقيقي ومستدام للرياضيين من ذوي الإعاقة، يجب تجنب اتخاذ قرارات سريعة عند البدء في تعليم الطفل من ذوي الإعاقة، رياضة أو مهارة جديدة، لأن ذلك يؤدي إلى شعور الطفل بالخوف والقلق، ما قد يعيده خطوات للوراء.
القدرة على تلبية الحاجات الأساسية
وتضيف، يمكننا القول إن اللاعب قد حقق درجة جيدة من الاستقلالية، عندما يصبح قادرًا على تلبية أكثر من 70% من احتياجاته اليومية بشكل مستقل، ويشمل ذلك تلبية الاحتياجات الأساسية، مثل تناول الطعام، والشرب، والعناية بالنظافة الشخصية، إلى جانب قدرته على التعامل مع المال، مثل الصرف وكسب النقود وإجراء الحسابات البسيطة.

كما يُعد من مؤشرات الاستقلالية، قدرته على تنظيم يومه، وتحديد الأنشطة التي يبدأ أو ينهي بها يومه، إضافة إلى إدراكه للوقت، صباحًا، ظهرًا، مساءً، عندما ينجح اللاعب في تحقيق هذه المهارات، نكون قد بدأنا فعليًا في بناء استقلاليته.
وتستطرد الخبيرة في مجال التدريب، الاستقلالية لا تقتصر على الأنشطة الرياضية فقط، بل تشمل جميع جوانب الحياة اليومية، فلكي يتمكن ذوي الإعاقة من تحقيق الاستقلالية، في المجال الرياضي، مثل المشاركة في المباريات والسعي لتحقيق أهداف معينة، لا بد أولًا أن يكونوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم، في حياتهم اليومية.
وتضيف، حتى الأشخاص من غير ذوي الإعاقة، لا يمكنهم تحقيق النجاح الرياضي، دون أن تكون لديهم ثقة في أداء مهامهم الحياتية.
وبالنسبة للرياضيين من ذوي الإعاقة، يبدأ تدريبهم على رعاية أنفسهم منذ الولادة، من خلال برامج علمية محددة تُعنى بتطورهم الإدراكي واللغوي والنفسي والحركي، في كل مرحلة عمرية.
الدمج بين الخاص والعام يصنع بطل
وتشير دعاء سيف إلى أهمية الدمج بين الحياة اليومية والنشاط الرياضي، من خلال تدريب اللاعب على مهارات الاستقلالية، كاختيار ملابسه الرياضية، تجهيز أدواته، التنقل إلى التدريب، والعناية بنظافته الشخصية بعد التمرين.
ولتعزيز استقلالية الأطفال من ذوي الإعاقة، يجب توفير الدعم وليس السيطرة، ما يحتاجه هؤلاء الأطفال هو أن نشجعهم على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، ونساعدهم في تنفيذ مهامهم، بقدر المستطاع، من خلال شبكة دعم موثوقة تشمل أولياء أمور ناضجين، ومدربين متفهمين، وترى أنه من الضروري تعزيز الثقة بالنفس والدافعية، من خلال التحفيز المستمر، سواء بالكلمات المشجعة أو بالثناء المناسب لطبيعة كل لاعب، والإيمان بأهمية توفير بيئة آمنة ومرنة، تتيح للطفل أن يخطئ ويتعلّم دون خوف.
كما لفتت إلى ضرورة تشجيع الطفل على الانضمام إلى مجموعات تتشابه إعاقته معهم، حيث سيشعر بتشجيع ودعم من أقرانه.
التربية الجنسية في حياة الطفل ذو الإعاقة
وتشير المحاضرة دعاء سيف إلى أهمية التربية الجنسية، عندما يصبح الطفل مدركًا لجسده وأعضائه التناسلية، يجب أن نعلمه كيفية حماية نفسه بطريقة متوازنة، كما يجب أن تكون التدريبات والمهارات التي نقدمها مناسبة لقدرات الطفل، إذا كان يعاني من صعوبات في التعلم، يجب التفكير في توجيهه لتعلم مهارة مهنية أو حرفية، بدلًا من التركيز على التعليم الأكاديمي، المهارات العملية يمكن أن تفتح له آفاقًا جديدة، حتى لو لم يتقن القراءة أو الكتابة.
من المهم البدء بتعليم المهارات اليومية الصغيرة، ثم التدرج في المهارات الأكبر، التعلم يجب أن يكون جزءًا من حياة الطفل اليومية، ويجب أن نحتفل بأدنى تحسن يطرأ عليه لتعزيز دافعيته للاستمرار.
وتؤكد دعاء سيف الخبيرة في مجال تدريب وتأهيل ذوي الإعاقة، أن الطفل الذي بدأ رحلته في تعلم الاستقلال، هو نفسه من يرعى كبار السن، ويقدم لهم العناية والاهتمام.
وفي نهاية تصريحاتها، قالت: دائمًا أستلهم من كلمات ستيفن هوكنج: “لا تنسَ أن تنظر إلى النجوم، بدلاً من النظر إلى قدميك” فهي تذكير بضرورة التطلع إلى الأفق، مهما كانت التحديات التي نواجهها في الطريق.