Skip to content

النائبة جهاد إبراهيم لـ”جسور”: الكرسي المتحرك منحني الحرية وحاربت لأصبح أماً

النائبة جهاد إبراهيم لـ”جسور”: الكرسي المتحرك منحني الحرية وحاربت لأصبح أماً

مصر- جسور – شيماء اليوسف

ولدت جهاد إبراهيم، مصابة بشلل أطفال، عانت من التنمر طوال طفولتها، وظلت 8 سنوات طريحة الفراش، في لحظة فارقة من حياتها حصلت على أول كرسي متحرك، تمكنت حينها من الذهاب للمدرسة، ثم للجامعة، ثم عينت معيدة بجامعة عين شمس، وترقت إلى مدرس مساعد.

الإعاقة لم تحد من طموحها ورغبتها في الحلم، تدرجت في المناصب حتى تقلدت مقعداً في برلمان مصر 2015، وشاركت في وضع قانون رقم 10 لسنة 2018، لرعاية ذوي الإعاقة، واليوم هي متحدثة تحفيزية، تسعى لتغيير حياة الملايين من ذوي الإعاقة.

تلقت جهاد إبراهيم مؤخرا، تكريما في الإمارات،  من مؤسسة زايد العليا لذوي الهمم،  وباعتبارها إحدي الملهمات، التقت بها “جسور” لنعرف أكثر عن رحلتها، وتجربتها في السلك الجامعي، وأخيرا تجربتها في تمثيل ذوي الإعاقة في البرلمان.

النائبة جهاد إبراهيم فوق الكرسي المتحرك

عانيتِ من الإعاقة الحركية منذ الصغر، ما الذي تتذكرينه عن تلك اللحظات الأولى، وكيف شكلت هذه التجربة شخصيتك وأكسبتك القدرة على التحدي ؟

نشأت في ظروف قاسية بالفعل، لكن لم تكن قاسية بقدر وصف القسوة، لكنها كانت أقسى من أن تتحملها طفلة، تتعرض كل يوم للتنمر، في واقع اقتصادي خانق، ولمدة 8 سنوات منبطحة على الأرض ،ولا أعرف لماذا لا استطيع أن أقف على قدمي، وأسمع من حولي يقولون عبارات مؤذية نفسياً، كأنوا يقولون ” ياريتها كانت ولد، يا حرام دي مشلولة، دي عاجزة دي معاقة، يا حرام الحلو ميكملش” كل هذه العبارات كانت تحدث شرخ داخلي في روحي، وعندما يحل المساء، وتجلس أمي بالقرب مني، أسألها لماذا يا أمي لا أستطيع التحرك، لماذا الله لا يساعدني على الحركة، أطلب منها أن تخبر الله برغبتي في المشي على قدمي، كنت أنتظر ان تحدث لي معجزة، أريد أن ألعب مثل الصغيرات، وكانت أمي ترد على استفساراتي بعبارة تبدو رقيقة، لكنها كانت تسكن ألمي، تقول لي، من يحبه الله يختبر صبره، وعلينا أن نصبر، لكنني لم أفهم وقتها الصبر.

– هل تذكرين المرة الأولى التي واجهتِ فيها التنمر  على إعاقتك؟ وكيف خرجت من حالة الهزيمة إلى حالة القوة والنجاح واثبات الذات؟

كلما عدت بالذاكرة للخلف،وتذكرت نفسي وأنا نائمة على ظهري لسنوات طويلة، أتأكد أن لا شيء يبقى على حاله، فالتغيير سنة من سنن الحياة، وعلى الإنسان أن يشكر الله دائما، فهذه الفترة التي ممرت بها في سنواتي الأولى من الحياة، ساعدتني في بناء ما أنا عليه اليوم، لقد مرت كتجربة دافعة لي حتى هذه اللحظة.

– كيف غيّر حصولك على أول كرسي متحرك في سن الثامنة إحساسك بالعالم وحريتك الشخصية؟

عندما حصلت على أول كرسي، شعرت أنني حصلت على هدية لا تقدر بثمن، فلولاه ما كنت ذهبت للمدرسة، وما كنت أصل إلى ما أنا عليه اليوم، أول كرسي كان بمثابة طاقة نور، وأمل حصلت عليه في حياتي، وفي تلك اللحظة تأكدت أن الله يأخذ ويعطي، أصبحت أشعر أنني بلا مشكلة.لقد أعطاني الكرسي الحرية، أصبح بإمكاني التحرك بسهولة، كأنني فراشة تحلق بجناح من حديد.

– ما الذي دفعك لاختيار علم الاجتماع كمسار أكاديمي، وكيف ساعدك على فهم المجتمع بصورة أعمق كامرأة من ذوي الإعاقة؟

في الحقيقة، لم تكن دراسة علم الاجتماع خياري الأول؛ فقد كنت أحلم بأن أصبح طبيبة، لأعالج الناس، درست علمي علوم في الثانوية، لكني لم أتمكن من الالتحاق بكلية الطب، حاولت التقديم في كلية البنات، لكن طلبي رُفض بسبب استخدامي الكرسي المتحرك، تذكرت حينها طالبًا ذو إعاقة، رفضته كلية الهندسة، فألف كتابًا بعنوان “رفضتني الهندسة طالبًا ،وفرضت عليها نفسي معلمًا”، بعد أن تخصص في الرياضيات، وصارت كتبه تُدرس في كلية الهندسة، كان ذلك حافزًا لي، فالتحقت بكلية الآداب، رغم شعوري باليأس في البداية. اليوم، أحمد الله على تلك الظروف التي أبعدتني عن الطب، فقد استطعت من خلال دراسة علم الاجتماع أن أساعد الناس بطرق أعمق، وأن أبث فيهم الأمل وحب الحياة. تعلمت في هذا التخصص كيفية معالجة المشكلات وتكوين علاقات اجتماعية ناجحة، فوجدت في دراسة علم الاجتماع وسيلة لاكتشاف المجتمع وخدمة الناس بشكل حقيقي.

– أنتِ بطلة سباحة وحصدتِ العديد من الميداليات، كيف ساهمت الرياضة في تشكيل شخصيتك ؟

أؤمن بأن الرياضة هي التوازن الأجمل الذي وضعه الله في الحياة، حين أشتاق للمشي أو الجري، ألجأ إلى السباحة، فهي تمنحني شعورًا بالحرية وتحررني من قيود الإعاقة، في الماء، أستطيع القيام بكل ما يعجز عنه جسدي على الكرسي، فأجد فيها التوازن والدافع للاستمرار، وأشعر أنني حرة بحق.

– كيف كانت رحلة التدرج من معيدة إلى أستاذة في جامعة عين شمس، وهل واجهتِ أي عراقيل بسبب الإعاقة أثناء العمل الأكاديمي؟

كانت رحلتي من معيدة إلى مدرس مساعد ثم إلى مدرس مليئة بالتحديات والصعوبات، واستغرقت مني وقتًا طويلًا من الصبر والعمل الجاد. لم تكن الإعاقة عائقًا في هذه المسيرة، لكن التنقل والبحث عن المراجع في المكتبات العامة كان مرهقًا، بينما ساعد توفر المصادر الإلكترونية أثناء الدكتوراه على تيسير الأمر، كنت أخشى أحيانًا ألا تكتمل رحلة الدراسات العليا بسبب مشقتها، لكن عناية الله وإيماني بحلمي كانا دافعًا للاستمرار.، في لحظة ما، شعرت أن عملي كمعيدة في الجامعة كان بمثابة طوق نجاة، خاصة كوني امرأة ريفية جاءت من أقصى الصعيد لتنجح وتحقق ذاتها.

ما الذي دفعكِ لخوض تجربة البرلمان، وما القضية الأهم التي حملت لواء الدفاع عنها في قاعة البرلمان حين كنتِ تمثلين ذوي الإعاقة؟

لم أسعَ لدخول البرلمان، لكن جهات سيادية رشحتني لتمثيل ذوي الإعاقة في مجلس الشعب، خلال دورة 2015 – 2020، بترشيح من اللواء سيف اليزل، كانت هذه فرصة مهمة في حياتي، وركزت جهدي على قضية الأمل كأولوية للأمن القومي العربي، مثلت داخل البرلمان ذوي الإعاقة بكل هدوء وثبات، وشعرت بتقدير الجميع، من أهم إنجازاتي التي أعتز بها تقنين قانون رقم 10 لسنة 2018 لرعاية ذوي الهمم.

– عندما تصفين نفسك بأنكِ “كوتش تحفيزي”، ما الرسالة الأساسية التي تحرصين على إيصالها في لقاءاتك مع الشباب والفتيات؟

بما أنني متحدثة تحفيزية، فإن رسالتي هي نشر الأمل بين الشباب، وأتمنى منهم ألا يستسلموا للإحباط.

– أذكري شخص له فضل على الدكتورة جهاد؟

أود هنا ذكر شخص له فضل كبير في تغيير حياتي، وهو الدكتور بسام الخوري، الذي التقيته عندما كنت أعمل أستاذة جامعية ولاعبة سباحة، لكنني كنت أشعر باليأس والوحدة، وافتقد الحب، وهو أمر يتمنى أي إنسان الحصول عليه، خاصة أن أصحاب الإعاقة يواجهون نظرات المجتمع التي تضيق عليهم حياتهم، ساعدني دكتور بسام على تقبل نفسي، ومنذ ذلك الوقت أصبحت أنقل هذه الطاقة للآخرين، وقدمت تدريبات لمساعدة ذوي الإعاقة على تقبل أنفسهم والسعي لتغيير حياتهم.، كان الدكتور بسام يؤكد دائمًا أن نظرة الشفقة تجاه ذوي الإعاقة غير مقبولة، وأن المجتمع يحتاج إلى استبدالها بنظرة احترام ورحمة.

– كيف تقيّمين نظرة المجتمع المصري حاليًا إلى الأشخاص ذوي الإعاقة، وهل نقترب فعلاً من مجتمع شامل؟

تغيرت نظرة المجتمع المصري تجاه ذوي الإعاقة بشكل كبير، بعد تولي الرئيس السيسي الحكم، بفضل جهوده في نشر الوعي بحقوقهم، وخلال لقائي به في أحد مؤتمرات الشباب، قلت له إن التاريخ سيسجل دوره في تغيير نظرة المجتمع لذوي الإعاقة، لأنه قدم الكثير لهم.

  • قبل أيام تم تكريمك في الإمارات ما أثر ذلك على رؤيتك لواقع ذوي الإعاقة في العالم العربي؟

عندما تم تكريمي من مؤسسة زايد العليا لذوي الهمم، في دولة الإمارات، شعرت بالفخر والسعادة، خاصة بعد أن لُقبت بلقب سفيرة لحملة جسور الأمل، هناك رأيت واقعًا رائعًا لذوي الهمم، حيث لا يحتاجون لمساعدة أحد، إذ تتوفر لهم جميع الأدوات والإمكانات التي تساعدهم على الحركة، وممارسة حياتهم بسهولة، ودون شعور بالنقص، وأتمنى أن يكون ذلك واقع ذوي الإعاقة في جميع بلادنا العربية والعالم أجمع.

– ما الدور الذي لعبته عائلتك في دعمك خلال مشوارك العلمي والسياسي؟

كان لعائلتي دور كبير في دعمي، خاصة أمي التي حملت في قلبها كل الحب لي، لازالت أذكر صوت ضربات قلبها وهي تحملني من فوق الأرض طوال سنواتي الثمانية الأولى، كما علمني والدي التقرب من الله، وطوال الوقت يقدمون الدعم لي.

– كيف تحافظين على طاقتك النفسية وسط كل هذه المسؤوليات؟

أحافظ على طاقتي النفسية من خلال جلسات التحفيز المتجددة، التي أشاركها مع صديقي الدكتور بسام الخوري، وفي كل مرة أنظر فيها إلى عيون ابنتي، يتجدد داخلي الأمل، لطالما نظر إليّ البعض كامرأة على كرسي متحرك، وكأنها عاجزة عن كل شيء، حتى عن حلم الأمومة، لكني دافعت عن هذا الحلم، وحاربت حتى أصبحت أمًا.

المقالة السابقة
حكاية شاب صعيدي فقد ذراعه وكف يده فأصبح بطلاً في رياضة العدو
المقالة التالية
رئيس الاتحاد الدولي للكرة الطائرة البارالمبية يحضر البطولة الإفريقية بكينيا