اليابان – جسور – فاطمة الزهراء بدوي
يشهد سوق العمل في اليابان تحولات كبيرة بفعل أزمة نقص الأيدي العاملة، ما دفع الحكومة والشركات إلى استهداف فئات طالما عانت من التهميش، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة. ورغم أن هذه الخطوة تبدو إيجابية في ظاهرها، إلا أن الواقع يُظهر أن أغلب فرص العمل المتاحة لهم لا توفر بيئات عمل عادلة أو داعمة بما يكفي.
منذ توقيعها على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2014، أجرت اليابان سلسلة من الإصلاحات في قوانين التوظيف، فرفعت الحصص الإلزامية لتوظيف ذوي الإعاقة من 1.8% عام 2012 إلى 2.5% في 2024. كما أقرت مفهوم “التيسيرات المعقولة” الذي يلزم الشركات بتكييف أماكن العمل وفق احتياجات الموظفين، شرط ألا يشكل ذلك عبئًا ماليًا مفرطًا. ورغم ذلك، تظل الثغرات واضحة في تطبيق هذه القوانين ومراقبة التزام المؤسسات بها.
بعض الشركات تلتف على الحصص القانونية عبر التعاقد مع ورش عمل محمية أو إنشاء شركات تابعة توظف ذوي الإعاقة بشكل منفصل، مما يُضعف اندماجهم الحقيقي في بيئات العمل العامة. في ظل تقلص عدد السكان في سن العمل بـ224 ألف شخص عام 2024، تتوسع فرص توظيف ذوي الإعاقة خصوصًا في المحافظات الريفية التي تعاني من عجز حاد في القوى العاملة.
في محافظة أكيتا، يُعد برنامج “موارد المستقبل” نموذجًا لتشجيع توظيف النساء والأجانب وذوي الإعاقة. ويظهر ذلك بوضوح في النسب المرتفعة لتوظيف ذوي الإعاقة في قطاعات مثل الرعاية الصحية (26.3%) والتجزئة (24.4%) والصناعة (25%)، وهي نسب تفوق بشكل كبير معدلات التوظيف العامة في هذه القطاعات.

توفر مراكز التوظيف العامة مثل “هارو واك” تدريبات متخصصة تربط الباحثين عن عمل بالشركات، بينما توسعت برامج التدريب المهني لتشمل الأعمال المكتبية وتقنيات المعلومات بجانب الحرف اليدوية التقليدية. كما تبذل الجامعات والمعاهد الاجتماعية جهدًا كبيرًا في إدماج الطلبة ذوي الإعاقة، سواء عبر اختبارات بديلة للقبول أو تقديم تسهيلات تعليمية، ما يسهّل دخولهم سوق العمل لاحقًا.
لكن توظيف ذوي الإعاقة لا يمكن قياسه بالأرقام فقط. فالظروف الفعلية للعمل تكشف فجوة واسعة في العدالة. أغلبهم يشغلون وظائف غير منتظمة ولا يتمتعون بمزايا التوظيف الكامل، مثل التأمينات أو الأمان الوظيفي. مثلًا، فقط 17.3% من ذوي الإعاقات الإدراكية يعملون بوظائف دائمة، مقارنة بـ63% من عامة العاملين. ويتراجع معدل الاحتفاظ بالوظائف بشكل كبير بسبب سوء التواصل أو بيئات العمل غير المؤهلة.
الجمعيات المدافعة عن حقوق ذوي الإعاقة تسعى لتغيير هذا الواقع عبر حملات توعية وتقارير موثقة تسلط الضوء على تجارب العاملين، لكن جهودها تصطدم بضعف التمثيل النقابي وصعوبة التفاوض المباشر مع الشركات. غالبًا ما تلجأ هذه الجمعيات إلى السلطات المحلية لدعم العمال في قضاياهم، في ظل غياب نقابات مخصصة لذوي الإعاقة.
بينما تشكل الورش المحمية ملاذًا آمنًا لمن يصعب عليهم الاستمرار في بيئات العمل التقليدية، فإنها لا توفر الاستقلال المالي، إذ تقدم أجورًا منخفضة للغاية ويقتصر عملها غالبًا على من يعيشون مع عائلاتهم. كما تُستخدم أحيانًا كحل بديل للشركات الكبرى الراغبة في الالتزام الشكلي بالقانون دون دمج حقيقي.
وبينما تستمر اليابان في مواجهة أزمة نقص العمالة، فإن النظر إلى الأشخاص ذوي الإعاقة كحل سريع دون توفير ضمانات عادلة سيؤدي إلى ما يسمى بـ”عدم التطابق”، حيث تُوظف المهارات في أماكن لا تناسب قدرات أصحابها ولا تحترم حقوقهم. الإدماج الحقيقي يبدأ بتحسين ظروف العمل، وتعزيز استقرار الوظيفة، وبناء بيئات ترحب بالتنوع وتوفر الدعم النفسي والاجتماعي.