اليد الروبوتية القابلة للنفخ.. ثورة ناعمة تعيد حاسة اللمس والتحكم لمبتوري الأطراف

اليد الروبوتية القابلة للنفخ.. ثورة ناعمة تعيد حاسة اللمس والتحكم لمبتوري الأطراف

المحرر: محمود الغول - مصر
اليد الروبوتية القابلة للنفخ

شهد عالم الأطراف الصناعية قفزة علمية هائلة قد تغير حياة الملايين حول العالم. حيث نجح فريق بحثي مشترك في تطوير اليد الروبوتية القابلة للنفخ التي تتميز بالذكاء والمرونة الفائقة. وفقا للدراسة المنشورة في مجلة Nature Biomedical Engineering، يمثل هذا الابتكار جيلا جديدا من التكنولوجيا المساعدة.

وهنا نتعرف على تفاصيل هذا الاختراع الذي يجمع بين خفة الوزن ودقة الأداء. لذلك، نغوص في التقنيات المستخدمة وكيف ستساهم في استعادة مبتوري الأطراف لقدراتهم الطبيعية. في الواقع، نحن أمام تحول جذري ينقل الأطراف الصناعية من مجرد أدوات جامدة إلى أجزاء حية تتفاعل وتشعر.

اليد الروبوتية القابلة للنفخ

جاء هذا الإنجاز ثمرة تعاون علمي رفيع المستوى بين مؤسستين عريقتين. تحديدا، بين باحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) الأمريكي وجامعة شنجهاي جياو تونغ الصينية. حيث سعى الفريقان إلى حل المشكلات المزمنة التي تواجه مستخدمي الأطراف الصناعية التقليدية.

بناء على ذلك، تم دمج الخبرات الهندسية في مجال الروبوتات اللينة مع علوم الأعصاب الدقيقة. النتيجة كانت طرفا صناعيا لا يشبه أي شيء رأيناه من قبل في الأسواق الطبية. لذا، ينظر إلى هذا التعاون كنموذج مثالي للبحث العلمي العابر للحدود لخدمة الإنسانية.

تختلف اليد الروبوتية القابلة للنفخ جذريا عن الأطراف التقليدية المصنوعة من المعادن والبلاستيك الصلب. إذ تعتمد في تكوينها على مادة إيلاستومر، وهي مادة ناعمة ومرنة وقابلة للتمدد. هذا الاختيار جعل اليد خفيفة الوزن بشكل مذهل، حيث تزن حوالي نصف رطل فقط (ما يقارب 290 جراما).

في المقابل، تزن الأطراف الصناعية التقليدية عدة كيلوجرامات، مما يسبب إرهاقا شديدا للمستخدم. علاوة على ذلك، تتيح هذه المادة الناعمة حركات أكثر انسيابية وطبيعية تشبه حركة اليد البشرية الحقيقية. لذلك، يعتبر التخلي عن الهياكل المعدنية الصلبة هو حجر الزاوية في هذا التصميم المبتكر.

النفخ بالهواء والتحكم العصبي

يكمن سر اليد الروبوتية القابلة للنفخ في نظامها الهوائي الفريد والمعقد. حيث تحتوي الأصابع على قنوات هوائية يتم نفخها بدقة لتنفيذ حركات القبض والبسط. وفقا للمقال العلمي في Nature Biomedical Engineering، يتم التحكم في ضغط الهواء عبر مضخة صغيرة وخفيفة يمكن تثبيتها بسهولة.

من ناحية أخرى، يرتبط هذا النظام الهوائي بنظام عصبي متطور لقراءة إشارات المخ. إذ يقوم المستخدم بتخيل الحركة، فتلتقط المستشعرات الإشارات الكهربائية من العضلات المتبقية في الذراع. بسرعة فائقة، تترجم الخوارزميات هذه الإشارات إلى أوامر للمضخة لتحريك الأصابع فوريا.

تعتبر استعادة حاسة اللمس هي المعجزة الحقيقية في هذا الابتكار الرائد. تاريخيا، كان مستخدمو الأطراف الصناعية يعانون من انعدام الإحساس بما يمسكونه، مما يؤدي لسقوط الأشياء أو تحطيمها. لكن اليد الروبوتية القابلة للنفخ زودت بمستشعرات ضغط دقيقة في أطراف الأصابع.

عندما يلمس المستخدم شيئا، ترسل هذه المستشعرات إشارات عكسية إلى جلد المستخدم في الذراع المبتورة. نتيجة لذلك، يشعر الدماغ بملمس الجسم وصلابته وكأنه يلمسه بيده الحقيقية. هذا التطور يغلق حلقة التحكم العصبي، مما يتيح للمستخدم تعديل قوة قبضته في الوقت الفعلي.

طالع: شريحة دماغية لمرضى الشلل تمكنهم من تحريك الأطراف الروبوتية

التكلفة الاقتصادية وتكنولوجيا للجميع

يمثل السعر الباهظ للأطراف الصناعية الذكية عائقا كبيرا أمام ملايين المحتاجين. حيث تصل تكلفة الأطراف الروبوتية المعدنية إلى عشرات الآلاف من الدولارات (قد تتجاوز 10,000 دولار). في المقابل، تتميز اليد الروبوتية القابلة للنفخ بتكلفتها المنخفضة بشكل لا يصدق.

حسب تقديرات الباحثين في الدراسة، تبلغ تكلفة المواد المكونة لهذه اليد حوالي 500 دولار فقط. بسبب ذلك، يفتح هذا الابتكار باب الأمل لتوفير أطراف ذكية في الدول النامية ولذوي الدخل المحدود. لذا، الجانب الاقتصادي هنا لا يقل أهمية عن الجانب التقني والطبي.

وخضعت اليد لاختبارات مكثفة للتأكد من فاعليتها في سيناريوهات الحياة اليومية الواقعية. أظهرت النتائج قدرة المستخدمين على أداء مهام دقيقة كانت شبه مستحيلة سابقا. على سبيل المثال، تمكنوا من سكب العصير في الكوب، وإغلاق سحاب الحقيبة، وحتى مداعبة قطة بلطف دون إيذائها.

علاوة على ذلك، ساعدت المرونة العالية للأصابع القابلة للنفخ في الإمساك بأجسام مختلفة الأشكال والأحجام. سواء كان الجسم هشا مثل بيضة، أو صلبا مثل علبة معدنية، تتكيف اليد تلقائيا. هذا التكيف يعيد للمستخدم استقلاليته وثقته في التعامل مع محيطه.

تصميم اليد الروبوتية القابلة للنفخ ضد الصدمات

تتفوق الروبوتات اللينة على نظيرتها الصلبة في معايير السلامة والأمان الشخصي. ففي حالة الاصطدام العرضي، لن تسبب اليد الناعمة أي أذى للمستخدم أو للأشخاص المحيطين به. إضافة إلى ذلك، أثبتت المواد المرنة قدرة عالية على تحمل الصدمات القوية.

في إحدى التجارب المذكورة في الدراسة، تعرضت اليد للضرب بمطرقة ودهس بالسيارة، ومع ذلك ظلت تعمل بكفاءة. بسبب هذه المتانة، تعد اليد خيارا مثاليا للاستخدام اليومي الشاق دون خوف من التلف السريع. لذلك، تم حل معضلة الهشاشة التي تعاني منها الأطراف الإلكترونية التقليدية. حسب مجلة نيتشر العلمية.

ومن أبرز التحديات في الأطراف الصناعية هو الوقت الطويل الذي يحتاجه المريض للتدريب. مع ذلك، أثبتت التجارب السريرية أن اليد الروبوتية القابلة للنفخ سهلة الاستخدام والتعلم. حيث تمكن المتطوعون من استخدامها بكفاءة بعد تدريب قصير جدا لا يتجاوز 15 دقيقة.

يعود السبب في ذلك إلى الخوارزميات الذكية التي تفهم نية الحركة بدقة عالية. كما أن التغذية الراجعة الحسية (اللمس) تسرع من عملية تكيف الدماغ مع الطرف الجديد. بناء على ذلك، يشعر المستخدم بأن اليد جزء طبيعي من جسده وليست أداة خارجية دخيلة.

مظهر يشبه البشر

لم يغفل الباحثون الجانب النفسي والجمالي للمستخدمين عند تصميم اليد. لذلك، يمكن تغطية الهيكل القابل للنفخ بقفازات تجميلية تشبه لون وملمس الجلد البشري. بفضل مرونة المواد الداخلية، يبدو مظهر اليد طبيعيا جدا حتى أثناء الحركة.

هذا الأمر يقلل من الوصمة الاجتماعية التي قد يشعر بها بعض مبتوري الأطراف. حيث يفضل الكثيرون طرفا لا يجذب الانتباه بشكله الآلي المعدني. إجمالا، يجمع التصميم بين الوظيفة العملية والشكل المقبول اجتماعيا.

رغم النجاح الباهر في المختبرات، لا تزال هناك خطوات قبل الوصول للإنتاج التجاري الضخم. إذ يعمل الفريق حاليا على تحسين تقنيات الاستشعار وجعل النظام أكثر دقة في البيئات المختلفة. كما يسعون لتطوير بطاريات تدوم لفترات أطول لتشغيل المضخات الهوائية.

من المتوقع أن تخضع التكنولوجيا لمزيد من التجارب السريرية على نطاق أوسع من المرضى. لكن النتائج الحالية تبشر بقرب طرح المنتج في الأسواق الطبية. لذا، يترقب المجتمع الطبي والمرضى هذا الإطلاق بفارغ الصبر.

حقبة جديدة من الإنسانية الرقمية

في الختام، تمثل اليد الروبوتية القابلة للنفخ أكثر من مجرد اختراع هندسي بارع. إنها تجسيد لتوظيف التكنولوجيا المتقدمة لاستعادة الكرامة والقدرة البشرية. بفضل جهود باحثي MIT وجامعة شنغهاي، أصبح حلم استعادة اللمس والحركة الطبيعية واقعا ملموسا وبسعر معقول. أخيرا، نحن على أعتاب عصر جديد لا تكون فيه الإعاقة عائقا أمام الحياة الطبيعية.

المقالة السابقة
أليس ولوكلان يرويان تجربتهما مع أول كرسي متحرك مصنوع من الخشب
المقالة التالية
د. إيمان كريم: استجابة فورية لشكاوى ذوي الإعاقة في مصر