يحتفل العالم في السابع من ديسمبر بـ اليوم العالمي للطيران المدني، وهي مناسبة لتسليط الضوء على تطور قطاع النقل الجوي. لكن، لا يكتمل هذا الاحتفال دون الحديث عن شمولية السفر وإتاحته لجميع فئات المجتمع. حيث يواجه المسافرون من ذوي الإعاقة تحديات فريدة تحول رحلتهم أحياناً إلى مهمة شاقة.
وهنا نستكشف الجهود المبذولة عالميا وعربيا لتذليل هذه العقبات. كما نستعرض تجارب رائدة لمطارات وشركات طيران جعلت من «الإتاحة» أولوية قصوى. لذلك، نغوص في تفاصيل التحول الرقمي واللوجستي الذي يخدم الملايين من ذوي الهمم حول العالم.
اليوم العالمي للطيران المدني
تضع المنظمة الدولية للطيران المدني (إيكاو) مسألة تسهيل السفر لذوي الإعاقة على رأس أولوياتها. وفقاً لما ذكره موقع الإيكاو الرسمي، فإن الدول الأعضاء مطالبة بتطبيق معايير صارمة لضمان الكرامة والاستقلالية للمسافرين. في هذا السياق، لم يعد الأمر مجرد خدمة إضافية، بل هو حق من حقوق الإنسان الأساسية.
علاوة على ذلك، يضغط الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) لتطبيق حلول مبتكرة لتحسين تجربة التنقل. حسب تصريحات مسؤولي إياتا، فإن الهدف هو توفير رحلة سلسة تبدأ من باب المنزل وحتى وجهة الوصول. لذلك، تتسابق الشركات اليوم لتبني تقنيات تضمن هذا الحق بشكل كامل.
برزت في السنوات الأخيرة مبادرة «شريط زهرة عباد الشمس» كواحدة من أهم الابتكارات البسيطة والفعالة. تحديداً، يرتدي المسافر الذي يعاني من إعاقة غير ظاهرة (مثل التوحد أو صعوبات التعلم) شريطاً أخضر مزيناً بزهور عباد الشمس. بناءً على ذلك، يدرك موظفو المطار فوراً أن هذا الشخص يحتاج إلى وقت إضافي أو مساعدة خاصة دون الحاجة للشرح.
من الجدير بالذكر، أن مطار هيثرو في لندن كان من الرواد في تطبيق هذه المبادرة عالمياً. نتيجة لذلك، انتقلت التجربة بنجاح إلى العديد من المطارات حول العالم، بما في ذلك مطارات عربية. هذا النظام البسيط خفف من توتر آلاف المسافرين وجعل تجربتهم في اليوم العالمي للطيران المدني تستحق الاحتفال.
ريادة عربية في الدمج الشامل
في السياق العربي تبرز الخطوط الجوية الكويتية كلاعب محوري في تقديم خدمات رعاية متكاملة للمسافرين من ذوي الاحتياجات الخاصة. وفقا للموقع الرسمي للشركة، يتم توفير كراسي متحركة متنوعة تناسب كافة درجات الإعاقة الحركية منذ لحظة الوصول للمطار وحتى مقعد الطائرة. علاوة على ذلك، تتميز الناقلة الوطنية بتوفير خدمات الأكسجين الطبي والنقالات للمرضى على متن رحلاتها بترتيب مسبق لضمان سلامتهم.
كما تخصص الشركة كاونترات إنهاء إجراءات سفر حصرية لتجنيبهم طوابير الانتظار الطويلة والمرهقة في مبنى الركاب رقم 4 (T4). بسبب هذه الإجراءات، يضمن الطاقم الأرضي والجوي تقديم مساعدة شخصية تتناسب مع حالة كل مسافر. لذلك، تعكس هذه الخدمات التزام «الطائر الأزرق» بتطبيق أعلى معايير الراحة الإنسانية لضيوفه من ذوي الهمم.
طالع: الخطوط الجوية الكويتية.. خدمات متكاملة ودعم مستمر لذوي الإعاقة
طالع: «السفر الميسر».. مغامر أمريكي يكشف تفاصيل رحلاته حول العالم بكرسي متحرك
وتتصدر مطارات دبي المشهد الإقليمي في مجال خدمات أصحاب الهمم. حسب الموقع الرسمي لمطارات دبي، تم تخصيص مسارات وأولويات خاصة لإنهاء إجراءات السفر بسرعة وسهولة. إضافة إلى ذلك، يوفر المطار غرفاً حسية متطورة للمسافرين من ذوي التوحد لتهدئة أعصابهم قبل الرحلة.
علاوة على ذلك، أطلقت دبي مبادرة «نحن نسمعك» لتدريب الموظفين على لغة الإشارة الأساسية. بسبب هذه الجهود، حصل المطار على اعتمادات دولية كبيئة صديقة للتوحد ولذوي الإعاقة. لذلك، تعتبر تجربة دبي نموذجاً يحتذى به في المنطقة العربية لتطبيق معايير الشمولية. حسب وكالة أنباء الإمارات.

تتميز الخطوط الجوية القطرية بتقديم خدمات استثنائية للمسافرين من ذوي الإعاقة الحركية والحسية. وفقاً للبيانات الصحفية للشركة، تم تحديث أنظمة الترفيه الجوي لتشمل محتوى مخصصاً للمكفوفين وضعاف السمع. كما توفر الشركة خدمة المساعدة الشخصية المتكاملة من لحظة الوصول للمطار وحتى صعود الطائرة.
في سياق متصل، يتميز مطار حمد الدولي بتصميمه الهندسي الذي يراعي سهولة الحركة للكراسي المتحركة. حيث تتوفر مصاعد واسعة ومنحدرات انسيابية في كل ركن من أركان المطار. هذا الاهتمام بالتفاصيل جعل الناقلة القطرية تحصد جوائز عالمية في مجال خدمة العملاء وذوي الاحتياجات الخاصة.
المملكة العربية السعودية
تعمل الهيئة العامة للطيران المدني في السعودية على تحويل المطارات إلى بيئات صديقة تماما لذوي الإعاقة. حسب التقارير الصادرة عن الهيئة، تم إلزام الناقلات الجوية بتوفير كراسي متحركة وخدمات مساعدة مجانية. بالإضافة إلى ذلك، تم تفعيل خدمة «أولوية» في تطبيق توكلنا لتسهيل الإجراءات الحكومية والرسمية للمستفيدين.
من ناحية أخرى، يستعد طيران الرياض الجديد لتبني أحدث التقنيات الرقمية لخدمة هذه الفئة منذ اليوم الأول للتشغيل. إذ تهدف الرؤية إلى جعل السفر تجربة رقمية بالكامل تقلل من الجهد البدني المطلوب. لذلك، يشهد قطاع الطيران السعودي طفرة نوعية تتماشى مع المعايير الدولية في اليوم العالمي للطيران المدني.
ثورة في مقاعد الطائرات
عالمياً، قدمت شركة دلتا إيرلاينز الأمريكية ابتكارا ثوريا قد يغير مستقبل السفر لمستخدمي الكراسي المتحركة. فقد كشفت الشركة عن نموذج لمقعد طائرة يسمح للمسافر بالبقاء في كرسيه المتحرك الشخصي طوال الرحلة. وفقاً لشبكة CNN، سيوفر هذا الابتكار عناء الانتقال الصعب والمؤلم من الكرسي إلى مقعد الطائرة الضيق.
كما سيحمي هذا التصميم الكراسي المتحركة باهظة الثمن من الضرر الذي قد يلحق بها في مخزن الشحن. في الواقع، تعد مشكلة تحطم الكراسي المتحركة الكابوس الأكبر للمسافرين من ذوي الإعاقة الحركية. لذا، فإن تطبيق هذا الابتكار سيمثل قفزة تاريخية في صناعة الطيران.
رغم التقدم المحرز، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه المسافرين وتؤرق منامهم. حسب إحصائيات وزارة النقل الأمريكية، تفقد شركات الطيران أو تتلف آلاف الكراسي المتحركة سنوياً. هذا الأمر يتسبب في شلل تام لحركة المسافر عند وصوله لوجهته، مما يحول الرحلة إلى مأساة.
لذلك، يطالب النشطاء الحقوقيون بفرض غرامات مالية ضخمة على الشركات التي تسيء التعامل مع الأجهزة المساعدة. كما يطالبون بتدريب عمال الشحن بشكل أفضل على كيفية التعامل مع المعدات الحساسة. في اليوم العالمي للطيران المدني، تتعالى الأصوات لضرورة حل هذه المعضلة اللوجستية بشكل نهائي.
بدأت العديد من المطارات العالمية في تبني مفهوم «الغرف الحسية» لخدمة المسافرين من ذوي التوحد والخرف. على سبيل المثال، افتتح مطار شانون في أيرلندا أول غرفة حسية في أوروبا، وتبعه مطار جاتويك. توفر هذه الغرف بيئة هادئة بإضاءة خافتة وألعاب ملموسة للهروب من صخب المطار المزدحم.
من المؤكد أن ضجيج المطارات وإجراءات التفتيش الأمني تسبب نوبات هلع للكثيرين. لذا، فإن وجود هذه الغرف يعد طوق نجاة للأسر وللمسافرين على حد سواء. بناءً على ذلك، أصبح معيار جودة المطار يقاس بمدى توفيره لمثل هذه المرافق الإنسانية.
التطبيقات الذكية واليوم العالمي للطيران المدني
يلعب التحول الرقمي دوراً حاسماً في تعزيز استقلالية المسافرين من ذوي الإعاقة البصرية والسمعية. حيث طورت مطارات مثل مطار شانغي في سنغافورة تطبيقات للملاحة الداخلية تعتمد على الصوت. تمكن هذه التطبيقات الكفيف من التنقل بين بوابات المطار والمرافق الخدمية دون الحاجة لمساعدة بشرية.
علاوة على ذلك، توفر بعض التطبيقات خدمة الترجمة الفورية للغة الإشارة عبر مكالمات الفيديو مع موظفي خدمة العملاء. هذا الدمج بين التكنولوجيا والخدمة البشرية يزيل حواجز التواصل التقليدية. في المحصلة، التكنولوجيا هي الجناح الذي يحلق به ذوو الهمم في فضاء الاستقلالية.
طالع: ماكاو الصينية تحدث ثورة في السفر الشامل عبر خرائط Gaode الشاملة
يتجه مستقبل الطيران نحو تصميم طائرات ومطارات شاملة من الأساس. إذ لم يعد مقبواً الاعتماد على حلول ترقيعية أو مؤقتة. بل يجب أن يكون التصميم الهندسي للطائرة والمطار مستوعباً للجميع منذ اللحظة الأولى على الورق.
في هذا الصدد، يتوقع الخبراء انتشار المراحيض الميسرة داخل الطائرات ذات الممر الواحد قريبا. كما يتوقعون تحسن إجراءات التفتيش الأمني لتكون أقل إزعاجا وتوتراً. لذلك، يحمل المستقبل وعوداً مشرقة لقطاع طيران أكثر إنسانية ورحمة.
في الختام، يمثل اليوم العالمي للطيران المدني محطة هامة لمراجعة ما تم إنجازه وما نأمل تحقيقه. صحيح أنّ هناك خطوات عملاقة قد قطعت، لكن الطريق نحو سماء مفتوحة للجميع لا يزال طويلا.
أخيرا، بفضل التكنولوجيا والوعي الحقوقي، نقترب يوما بعد يوم من جعل السفر حقاً ممتعاً ومتاحاً لكل إنسان.


.png)

















































