Skip to content

باحثة أمريكية: الإعاقة ليست المشكلة وتفكيك الصورة النمطية هو التحدى

باحثة أمريكية: الإعاقة ليست المشكلة وتفكيك الصورة النمطية هو التحدى

لا توجد تعليقات

جسور- ترجمة واعداد: سماح ممدوح حسن

الصورة النمطية من أكثر الآليات الفكرية والاجتماعية رسوخًا في تشكيل نظرتنا إلى الآخر، خاصة حين يتعلق الأمر بالفئات المهمّشة أو الأقل ظهورًا، في المجال العام، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة. فغالبًا ما يُنظر إلى الإعاقة، لا بوصفها أحد أشكال التنوع البشري، بل كـ”نقص” يجب تجاوزه، أو “عبء” يحتاج إلى شفقة، أو حتى “علامة” خارقة تحمل دلالة رمزية تتجاوز الواقع.

في هذا المقال، تستعرض الباحثة الأمريكية فى مجال تاريخ الإعاقة”لورى بلوك” كيف تشكّلت الصور النمطية والبُنى الاجتماعية التي تُصوّر الإعاقة، ليس فقط في الوعي الشعبي، بل أيضًا في السياسات الطبية والتعليمية والإعلامية. وتُظهر كيف أن هذه التصورات، رغم احتوائها أحيانًا على بعض الحقائق، تُقيد الفهم الإنساني للإعاقة، وتحول دون تحقيق دمج حقيقي وعادل لذوي الإعاقة في المجتمع.

تقول بلوك “إن الحياة التي يمكن أن يتطلع إليها الشخص ذو الإعاقة اليوم تختلف كثيرًا، وإن لم يكن دائمًا، عمّا كانت عليه قبل عشرين عامًا فقط. فقد أتاح صدور قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة عام 1990 لهؤلاء الأشخاص التمتّع بالحماية القانونية للحقوق المدنية التي مُنحت سابقًا للأمريكيين من أصول إفريقية، والنساء، وغيرهم من الأقليات. وقد فتح هذا القانون آفاقًا جديدة وواسعة أمام الأشخاص ذوي الأعاقة، إلا أنه، كما هو الحال مع غيره من التشريعات الحقوقية الكبرى، سيستغرق وقتًا طويلًا قبل أن تظهر آثاره الحقيقية”.

وفي مقالها التحليلي، تتناول الباحثة الأمريكية لوري بلوك عددًا من الأنماط الثقافية والاجتماعية الراسخة التي شكّلت، ولا تزال، الطريقة التي يُنظر بها إلى الأشخاص ذوي الإعاقة. حيث يواجه هؤلاء، وفى المجتمعات كافة، تحديات لا تقتصر على ما هو جسدي أو إدراكي، بل تمتد إلى ما هو رمزي وثقافي. فطوال عقود، شكّلت الصور النمطية عن الإعاقة أُطرًا جاهزة لفهم هذه الفئة، تقوم على أحكام مُسبقة، وتصورات متناقضة، فإما أن يُنظَر إلى الشخص ذي الإعاقة باعتباره بطلاً خارقًا يتحدى المستحيل، أو عبء دائم يستدعي الشفقة والرعاية، أو حتى كرمز للبراءة أو الخطر في آنٍ واحد.

لكن هذه التصورات، كما توضّح الباحثة، لا تُعد مجرد سوء فهم عابر أو قلة وعي، بل هي ما يسميه علماء الاجتماع اليوم “بُنى اجتماعية” أنظمة فكرية وثقافية تتغلغل في التعليم، والإعلام، والرعاية الصحية، وتصوغ سياسات وخطابات ومواقف شخصية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة. هذه البُنى غالبًا ما تتخفّى في ثوب الإعجاب أو العطف أو الواجب الأخلاقي، لكنها في جوهرها تساهم في تقليص إنسانية الأفراد المختلفين، وتحرمهم من فرص الاندماج الكامل والمشاركة الفعّالة في مجتمعاتهم.

ومن خلال خبرتها في توثيق تاريخ الإعاقة، تسرد لوري، ستة أنماط ثقافية واجتماعية شائعة تُستخدم في تمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة، وهى:

_الأشخاص ذوي الإعاقة مختلفون عن”البشر الكاملين” فهم أشخاص ناقصون أو محدودون، ينتمون إلى فئة “أخرى” أدنى منزلة. ومن ثم يصبحون رمزًا للتهميش والاغتراب.

_الشخص”الناجح” من ذوي الإعاقة خارق للعادة، يتغلّب على الشدائد بشكل ملهم للآخرين. وتصبح الإعاقة فرصة لإظهار فضائل خفية وتعليم الآخرين الصبر والشجاعة.

_الإعاقة عبء لا ينتهي، فالحياة مع شخص من ذوي الإعاقة مليئة بالحزن، ويقع على عاتق الأسوياء واجب دائم لمساعدتهم. وتُصبح الأسر”التي ضحّت” أمثلة نبيلة تُلهم المحسنين وتوقظ مشاعر العطاء لدى الآخرين.

_الإعاقة مرض يجب إصلاحه، أو خلل ينبغي علاجه. وتُعتبر أكثر الإعاقات مأساوية تلك التي لا علاج لها، أو التي فشلت محاولات علاجها.

_الأشخاص ذوو الإعاقة خطر على أنفسهم وعلى المجتمع، خاصة ذوو الإعاقات الذهنية. يُعتقد أنهم غارقون في الغضب، وقد يفقدون السيطرة ويؤذون أنفسهم أو غيرهم، لأنهم يفتقرون إلى الإحساس الأخلاقي الكافي للضبط.

_ذوي الإعاقة، تحديدا ذوي الإعاقات المعرفية، ملائكة أبرياء يمتلكون نعمة روحية خاصة. وغالبًا ما يُعوض”نقصهم” بقدرات خارقة في نواحِ أخرى، تفوق أحيانًا حدود الإنسان العادي.

ورغم أن هذه الصور تبدو متناقضة أحيانًا، بل حتى مبالغًا فيها، فإنها ليست مجرد خيالات عشوائية أو نتاجًا للخيال الشعبي وحده، بل تمثّل، في كثير من الأحيان، انعكاسات مشوَّشة لتجارب واقعية، وتقاطعات إنسانية معقّدة بين الأشخاص ذوي الإعاقة والمجتمع المحيط بهم.

ولا يمكن اعتبار هذه الصور النمطية خاطئة تمامًا أو حقيقية كليا، فكل واحدة منها تنطوي على قدر من التجربة الإنسانية الحقيقية في التفاعل بين ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم. غير أن الخطورة تظهر حين تتحوّل هذه التصورات الضمنية والمسلمات غير المعلنة إلى أسس تُبنى عليها السياسات العامة والعلاقات الاجتماعية. مما يحرم فئة كبيرة من البشر حقوقه الإنسانية والحياتية عموما.

المقالة السابقة
مراهقة أيرلندية تتحدى حكومة بلادها دفاعًا عن حقوق أطفال التوحد
المقالة التالية
“كوميكانو كورنر”مبادرة مصرية لتصميم ألعاب تنمى مهارات الأطفال ذوي الإعاقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed