لأول مرة منذ أكثر من عام يستطيع الشاب سهل بوغطاس من مدينة بني حسان بولاية المنستير التونسية، من المشي بثقة وبدون خوف بفضل جوارب وبطانات مبتكرة طورها باحثون تونسيون في مخبر هندسة النسيج بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجية بقصر هلال، بعد سنوات من المعاناة مع الأطراف الاصطناعية التقليدية.
وفي لقاء أجرته وكالة تونس إفريقيا للأنباء مع المخترع التونسي من داخل معمله، عبّر عن سعادته وامتنانه لتطوير هذه المنتجات محليًا، مؤكدًا أن الجوارب التي ساهم بتجربتها أصبحت أفضل من نظيراتها المستوردة من ألمانيا وتركيا ووفرت له راحة غير مسبوقة، إذ كانت المنتجات المستوردة تسبب له جروحًا بعد ثلاثة أسابيع من الاستخدام، مما يضطره للتوقف عن المشي. أما الآن، فيؤكد: “استعدت صحتي بنسبة 100%، وأمشي يوميًا كيلومترات طويلة وأمارس الرياضة وأقود الدراجة والسيارة واستعدت ثقتي بنفسي”.
هذه الابتكارات ليست مجرد قصة نجاح فردية، بل ثمرة مسار بحثي طويل انطلق منذ 1999، حيث سجّل معمل هندسة النسيج بقصر هلال أكثر من 40 براءة اختراع لدى المعهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية، في إطار ربط البحث الأكاديمي بالتطبيق العملي لخدمة الإنسان وتطوير قطاع النسيج في تونس.
أوضح وليد الشاوش عضو المعمل وصاحب براءة اختراع الجوارب والبطانات إلى جانب فوزي الصكلي، أن الجوارب الجديدة مصنوعة بتقنية”سيملاس” دون خياطة، ما يجعلها تشبه “جلدًا ثانيًا” للطرف المبتور يمنحه المرونة والحماية ويقيه من الالتهابات. وأضاف أن البطانة المطورة مرنة وموادها الداخلية توفر راحة إضافية، مشيرًا إلى أن المنتجات طُوِّرت بالتعاون المباشر مع المستفيدين، ومن بينهم سهل بوغطاس الذي ساهم بملاحظاته العملية في تحسينها.
وأشار الشاوش إلى أن فكرة المشروع انطلقت عام 2017 بعد اقتراح طالبة مبتورة الأطراف، ومنذ ذلك الوقت بدأ تطويرها بالتعاون مع مركز صنع الآلات المقوّمة للأعضاء بسوسة وقسم الطب الفيزيائي بالمستشفى الجامعي فطومة بورقيبة، لتلبية احتياجات المستخدمين بشكل عملي وواقعي.
ويعمل الباحثون حاليًا على منتج ثالث يحمي الأطراف الاصطناعية من تسرب المياه عند الاستحمام أو السباحة، استجابة لاقتراح مباشر من سهل بوغطاس نفسه.
وفيما يخص مستقبل هذه الابتكارات يؤكد الشاوش أنها لن تبقى حبيسة الرفوف، إذ يجري التفكير في إطلاق مؤسسة ناشئة محلية لتصنيع هذه المنتجات وتوفيرها لذوي الإعاقة على نطاق أوسع، بما يعزز استقلاليتهم وجودة حياتهم.