في نهاية الحرب العالمية الثانية، عاش ذوي الإعاقة في اليابان أهوالًا مضاعفة، لم تكن الغارات الجوية المتواصلة تفرق بين سليم الجسد أو المعاق، بالطبع كانت الحرب بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية تجربة أكثر قسوة حتى بمجرد التفكير في الأمر.
الياباني إيساو شيراهاتا البالغ من العمر الآن 89 عامًا والمقيم في مدينة كيوتو، عاش تلك التجربة المريعة، تبدأ المعاناة عندما ولد إيساو بضعف بصري، وفقد البصر في عينه اليسرى بعد حادث في سن الطفولة، ليبقى بصره محدودًا في العين اليمنى فقط، في عام 1944، انتقل وهو في الثامنة إلى مدرسة المكفوفين في كيوتو، حيث عاش في سكن داخلي بعيدًا عن أسرته.
في تلك الفترة لجأت المدرسة إلى أسلوب فريد لحماية طلابها، وهو تسجيلات صوتية لأصوات الطائرات الحربية الأمريكية، كانت تُشغَّل في حصص الموسيقى ليتعلم الطلاب التمييز بين أنواع الطائرات من خلال صوت محركاتها، يروي شيراهاتا” أن صوت الـB-17 كان عميقًا ومهتزًا بينما كان صوت طائرة Curtiss خفيفًا سريع الوتيرة”.
ومع اشتداد الغارات في عام 1945 أُغلقت المدرسة فعاد إلى بلدته، وفي أحد أيام يوليو، بينما كان يلهو مع أصدقائه في الجبال باغتتهم طائرة أمريكية من طراز Grumman تطلق نيران الرشاشات، قتل أحد الأطفال بشظية في الرقبة، بينما نجا هو وأصدقاؤه بأعجوبة، ذلك المشهد ترك في نفسه خوفًا دائمًا من أصوات الغارات حتى يوم إعلان استسلام اليابان في 15 أغسطس، حين شعر للمرة الأولى بالارتياح، قائلاً”لن أخاف من الغارات مرة أخري”.
بعد الحرب فقد شيراهاتا بصره بالكامل لكنه واصل مسيرته التعليمية، فتخرج من المدرسة والتحق بجامعة تسوكوبا، جامعة طوكيو للتربية سابقًا، وحصل على رخصة تدريس لمدارس المكفوفين، عمل معلمًا للعلاج بالإبر الصينية وافتتح عيادته الخاصة بعد التقاعد حتى حصل على درجة الدكتوراه في الطب.
أمضى هيرومي كِشي الباحث في جمعية تاريخ تعليم المكفوفين باليابان، أربعة عقود في دراسة تجارب ذوي الإعاقة خلال الحرب، يشير إلى أن شهاداتهم نادرة في السجلات التاريخية رغم أن بعضهم لعب أدوارًا مهمة، مثل مراقبة السماء لرصد الطائرات المعادية اعتمادًا على حاسة السمع، في وقت كان يُنظر فيه إلى ذوي الإعاقة على أنهم “عبء”.
كِشي عثر على وثائق تعكس مدى تغلغل التربية العسكرية في التعليم حتى في مدارس المكفوفين، حيث كان يُطلب من التلاميذ “ألا يسببوا إزعاجًا للآخرين” وأن يسهموا في خدمة الوطن بأي طريقة ممكنة، وفي شهادات أخرى أظهر بعض المكفوفين شعورًا بالفخر لقدرتهم على المساعدة في رصد الطائرات، رغم أنهم لم يحصلوا على أي تعويض مالي أسوة بالمراقبين المبصرين.
اليوم، ومع مرور 80 عامًا على الحرب يرى كِشي أن استعادة هذه الشهادات أمر ضروري لبناء مجتمع شامل، يتجاوز الفوارق الجسدية وفهم المعاناة الإنسانية للحرب التي تطال الجميع بلا استثناء، أما شيراهاتا فصوته لا يزال يحمل صدى الخوف القديم مقرونًا برفض قاطع لأي مبرر للحرب”المعاناة لا تفرق بين جندي ومدني أو بين مبصر وكفيف، الحرب لا يمكن أن تكون مقبولة أبدًا”.