في رسالة صوتية لم تتجاوز سبع دقائق ونصف، لخص الأب الفلسطيني «البيوك» معاناة ابنته آمال ذات الأعوام السبعة والنصف، وكأن كل دقيقة من صوته كانت تحمل عامًا كاملًا من الألم والعجز.
الرسالة، التي بعث بها إلى «جسور»، بدت كوثيقة إنسانية مؤلمة تختصر حياة طفلة تعيش بين المرض والحصار في قطاع غزة.

طوال حديثه، ظل صوت الزنانة الإسرائيلية يحوم فوق خيمته، بينما بقي صوته ثابتًا رغم الحزن العميق، يحاول إيصال نداء عاجل إلى العالم: «ابنته الصغيرة تنهشها حساسية القمح، وهو يقف عاجزًا أمام معاناتها اليومية، وبين كلماته المتقطعة بالحزن، تكررت عبارة «الحمد لله» أكثر من مرة، في مزيج نادر من الصبر والرضا لا يتقنه سوى الفلسطينيين الذين يواجهون الموت بإيمان صلب.

بداية الحكاية
يقول الأب إن «معاناة آمال بدأت قبل عام ونصف، عند نزوح الأسرة لأول مرة إلى رفح، كانت الفتاة بصحة جيدة، لكن سرعان ما بدأ وزنها يتناقص بشكل مقلق. بعد جولات متكررة على المستشفيات، شخص الأطباء حالتها على أنها «حساسية القمح». تحسنت وضعيتها قليلًا عندما توفرت بعض الأطعمة والفواكه، لكن مع تشديد الحصار قبل أربعة أشهر وخلال النزوح الثاني، انهارت كل مقومات الحياة، حيث: لا ماء، لا غذاء، لا علاج، ولا حتى مأوى آمن بعد أن تهدمت منازلهم ولجؤوا إلى الخيام.
معاناة تتفاقم
يروي الأب أن حالة ابنته «تدهورت سريعًا بسبب سوء التغذية، وبقاؤها لأسابيع في المستشفى لم يسفر إلا عن استقرار مؤقت. عاد وزنها من 11 كيلوجرامًا إلى 12.5 فقط، ثم ظهرت عليها أعراض جديدة: انتفاخ في البطن، إسهال متكرر، مغص حاد، وضيق في التنفس، إضافة إلى الخمول الدائم الذي جعلها حبيسة الخيمة عاجزة عن اللعب كبقية الأطفال».

غذاء مفقود وأمل منقطع
الأطباء أكدوا أن آمال تحتاج إلى حمية غذائية خاصة خالية من الجلوتين، مع أدوية وفيتامينات لا تتوفر في الأسواق بسبب الحصار.
حصلت الأسرة عند خروجها من المستشفى على 2 كيلو فقط من طحين خالٍ من الجلوتين، على وعد بكمية إضافية لم تصل حتى الآن، ومع ارتفاع الأسعار الجنوني، باتت الأسرة، المكونة من تسعة أفراد، تضطر أحيانًا لاقتسام ما لديها من طعام حتى تجد ما يناسب الطفلة، بينما يتكفل بعض أهل الخير بمعونات محدودة لا تسد الحاجة».
مأساة تحت الحصار
يقول الأب إنهم «في كثير من الأحيان يضطرون لإطعام آمال من طعام الأسرة العادي، وهو ما يفاقم حالتها الصحية. فكيلو الطماطم وحده تجاوز 120 شيكلًا، وهو مبلغ كان يكفي لإطعام الأسرة أسبوعًا كاملًا قبل الحرب، وبين الغلاء المرهق والحصار الخانق، لم يبقَ أمام الأسرة سوى التمسك بالإيمان، ويختم والد آمال حديثه بالقول: «الحمد لله، والله ما بيجيب إلا الخير».
