في هذا التقرير نتناول بالتحليل والمعلومة ثمن الإبادة في غزة، مع التركيز على تدمير البنية التحتية الطبية وخلق جيل جديد من الإعاقة الدائمة.. وإلى التفاصيل..
في البداية تجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير الصحفي الموثق يأتي انطلاقا من إشارة رسمية بالغة الأهمية صدرت في الاجتماع الوزاري الخامس للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان في مصر، حيث سلطت الدكتورة إيمان كريم، المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، الضوء على انتهاكات «حق الإنسانية» المرتكبة ضد الفلسطينيين، وخصوصا تلك التي تستهدف الأشخاص ذوي الإعاقة أو التي تخلف إعاقات دائمة ومؤقتة في غزة.
ويمثل هذا دعوة مباشرة لتوثيق هذه الانتهاكات ووضعها في سياق المساءلة القانونية والإنسانية الدولية.
تعد قضية الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة مثالا صارخا على فئة تعاني من الضعف المضاعف، فهم الأكثر عرضة للتضرر في النزاعات، وقبل السابع من أكتوبر 2023 كأن قطاع غزة يعاني أصلا من هشاشة هيكلية في وضع الخدمات، نتيجة 18 عاما من الحصار الممتد الذي أدى إلى تآكل البنية التحتية الطبية والتعليمية، ما جعل انهيار هذه الخدمات سريعا وشاملا عند بدء العدوان.
التكلفة الكارثية للإصابات وخلق جيل البتر
قبل بدء العدوان قدر عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة بنحو 68 ألف شخص، لكن منذ أكتوبر 2023 خلقت حرب الإبادة زيادة هائلة وغير مسبوقة في هذه الفئة، حيث وثقت الإحصاءات الرسمية 10000 حالة إعاقة جديدة خلال عام واحد.
تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن 42 ألف شخص في غزة سيعانون من إعاقات دائمة وسيحتاجون إلى رعاية صحية وإعادة تأهيل طوال سنوات مقبلة
كما تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن 42 ألف شخص في غزة سيعانون من إعاقات دائمة وسيحتاجون إلى رعاية صحية وإعادة تأهيل طوال سنوات مقبلة، وهذا الارتفاع الصارخ في الأرقام يفرض عبئا كبيرا على أي خطط إعمار مستقبلية، ويؤكد أن الأزمة تجاوزت مجرد كونها أزمة إنسانية طارئة، بل هي تحول مدمر في التركيبة السكانية والاجتماعية للقطاع.
والأشخاص ذوو الإعاقة هم من بين الفئات الأكثر عرضة للقتل والاستهداف المباشر في غزة، حيث وثقت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني «حشد» استشهاد وفقدان ما يقارب 1270 شخصا من ذوي الإعاقة، وتتواتر تقارير تشير إلى استهداف متعمد لهذه الفئة، حيث أفادت شهادات موثقة بأن الاحتلال أعدم ذوي إعاقة، ومعدلات الوفيات المرتفعة بين هذه الفئة ترجع إلى الصعوبة الفائقة التي يواجهونها في الفرار أثناء القصف أو في الاستجابة السريعة لأوامر الإخلاء المفاجئة، ما يجعلهم عاجزين عمليا عن النجاة بأنفسهم.

يوضح التحليل الطبي لنوعية الإصابات أن هناك بصمة واضحة لأسلحة ذات قوة تفجيرية هائلة تستخدم في مناطق مدنية مكتظة، ما يؤدي إلى إعاقات دائمة، فقد وثقت الإحصاءات وجود أكثر من 5000 عملية بتر للأطراف وأكثر من 2000 إصابة في النخاع الشوكي، وأكثر من 3300 حرق خطير.
هذه الأرقام الباهظة تدل على حاجة ماسة وفورية لخدمات جراحية متخصصة لا تتوفر حاليا في القطاع، وتؤكد أن الأزمة خلقت جيلا جديدا من الأطفال ذوي الإعاقة، حيث بترت أطراف أكثر من 1000 طفل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العدوان بمعدل يزيد عن 10 أطفال يوميا.
انتهاكات الحماية وتدمير منظومة الرعاية
يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة تحديات لوجستية مستحيلة أثناء النزوح والفرار، فصعوبة تنفيذ أوامر الإخلاء المفاجئة تجعلهم أكثر عرضة للقتل أو الإصابة، وأوامر الإخلاء القسري في مناطق النزاع لا تراعي في الغالب متطلبات الوصول الآمن لهذه الفئة، بما في ذلك توفير وسائل نقل ميسرة أو مسارات خروج آمنة للمشلولين وكبار السن ذوي الإعاقة.
يعد تدمير القدرة المحلية على الرعاية وإعادة التأهيل أحد أخطر نتائج العدوان، فقد تجلى ذلك في توقف المركز الوحيد لإعادة بناء الأطراف وإعادة التأهيل في غزة عن العمل في ديسمبر 2023، قبل أن يتعرض للتدمير بالكامل في فبراير 2024.
هذا التدمير يمثل خسارة مادية كما أنه بمثابة «قطع رأس» للقدرة المحلية على التعافي والاعتماد على الذات، ما يضمن تبعية الجيل الجديد من المصابين للدعم الخارجي لسنوات قادمة، كما أن تدمير البنية التحتية أدى إلى تعطيل المرافق الصحية والتعليمية، مما شل حركة وسائل النقل وزاد من صعوبة حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على الدعم والخدمات.
القيود المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية تؤثر بشكل خاص على الأشخاص ذوي الإعاقة، وتطالب النداءات العاجلة برفع جميع القيود أمام تدفق الأجهزة والأدوية والمكملات الغذائية والمستلزمات الطبية الخاصة بذوي الإعاقة بمختلف أنواع الإعاقات، حيث أن النقص الحاد في هذه المستلزمات، مثل بطاريات الكراسي المتحركة الكهربائية أو أدوية الأمراض العصبية المزمنة، يرفع خطر التدهور السريع لحالاتهم أو حتى الوفاة.
طالع: الأمم المتحدة: ذوو الإعاقة في غزة يعانون من صدمات نفسية كبيرة
انتهاكات جسيمة للقانون الدولي
يفرض القانون الدولي الإنساني التزامات واضحة بحماية المدنيين، كما أن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وبالتحديد المادة 11 منها، تلزم الدول بضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات النزاع المسلح وحالات الطوارئ الإنسانية.
وتشير التقارير مثل تلك الصادرة عن هيومن رايتس ووتش، التي توثق كيف أن الهجمات الإسرائيلية «تدمر حياة الأطفال ذوي الإعاقة»، إلى فشل ذريع في تطبيق هذه المعايير الخاصة بالحماية، ومنع وجود ممرات إخلاء آمنة وميسرة يضع هؤلاء الأفراد تحت خطر القتل المباشر، ما مثل انتهاكا صريحا للمادة 11 من الاتفاقية، ويستدعي المساءلة الجنائية الدولية.
صنفت الهيئة الدولية «حشد» الانتهاكات الجسيمة المرتكبة على أنها جرائم إبادة جماعية وتهجير قسري، وتفاقم هذه الجرائم هو فشل آليات المساءلة الدولية في تطبيق الحماية الخاصة، وجميع الأدلة تشير إلى أن ذوي الإعاقة هم أول من يتم إسقاطهم من حسابات الحماية الإنسانية والطوارئ، ما يمثل فشلا هيكليا في تطبيق القانون الدولي الإنساني.
متطلبات الإعمار الشامل للإعاقة
يشكل تحديد مسار المستقبل تحديا هائلا يتطلب الانتقال من الإغاثة الطارئة إلى التنمية المستدامة والوصول الشامل، مع الأخذ في الاعتبار العدد الهائل من الإصابات الجديدة التي تحتاج إلى رعاية مدى الحياة.
ويجدر أن يضمن مبدأ «الإعمار العادل» أن يكون «إدماج منهج شمول الإعاقة» أولوية قصوى في جميع خطط الانعاش المبكر وإعادة الإعمار، وتبني هذا المنهج يضمن توفير بيئة يمكن الوصول إليها، مما يزيد من استقلالية ذوي الإعاقة، ويقلل من اعتمادهم على الدعم الإنساني طويل الأجل، ويعزز اندماجهم الاقتصادي والاجتماعي.
تتطلب مرحلة الإنعاش المبكر تحركا دوليا عاجلا وفعالا لضمان أولوية توفير المستلزمات الطبية، كما يتطلب الأمر تكثيف خدمات الدعم النفسي الاجتماعي للمتضررين، خاصة للأطفال والأهالي، وربما يكون «صندوق خاص بالإعاقة في غزة» هو حاجة ماسة لتخصيص تمويل دولي مستدام لإعادة بناء المرافق التأهيلية المتخصصة التي دمرت.


.png)
















































