الولايات المتحدة – جسور – فاطمة الزهراء بدوي
في حفل غنائي مزدحم بالولايات المتحدة، قررت أم مقاومة التنمر، بعد أن حاول رجل دفع طفله للوقوف على مقعدها، متحديًا حاجتها إلى الراحة بعد خضوعها لجراحة دقيقة في الدماغ، السيدة الأمريكية سينتيانا أورتيغا، التي كانت تحتفل بعيد ميلاد ابنتها الحادي عشر، اصطدمت بموقف لم يكن في الحسبان، حين رفضت التخلي عن مقعدها، رغم نظرات الإزدراء والسخرية من الأب.
التذاكر كانت هدية لابنتها، محاولة منها لاستعادة لحظات بسيطة افتقدتها، منذ خضوعها لعملية جراحية معقدة، لإزالة تشوه دماغي، ورغم استخدامها لعكاز وسدادات أذن طبية، جلست على مقعد معدني في قسم ذوي الاحتياجات الخاصة، موقعه بين الجمهور العادي ومنطقة الشخصيات المهمة، وهو موقع لم يوفر لها أي رؤية مباشرة للعرض؛ وهو ما دفعها للإصرار على الوقوف بين الحين والآخر، كي ترى فرحة طفلتها.
عندما حاول الأب المتعجرف أن يجعل طفله يقف على مقعدها، واجهته بهدوء: “هذا مقعدي”، ردّ عليها بسخرية: “لماذا؟ ما الذي يميزك؟” ولم يتوقع أنها سترد بثقة: “لقد فعلت عملية جراحة في المخ” فتراجع، لكن عينيه ظلّتا تلاحقها طوال الحفل كأنها تحتاج لتثبت له معايير الإعاقة من وجهة نظره الضيقة.
خاضت سينتيانا Cyntianna سنوات من الألم والإهمال الطبي، بدأت بدوخة مزمنة، إرهاق، وأرق دائم، وشعور غامض بعدم السيطرة. الأطباء تجاهلوا شكواها، حتى أصيبت بسكتة دماغية أدّت لاكتشاف نزيف دماغي مزمن. بعد الجراحة، وجدت نفسها مطالبة بإعادة تعلم أبسط الأمور: المشي، القراءة، الأكل، وربط الحذاء.
مع ذلك، لم يُعرفها أحد بأنها من ذوي الإعاقة، ولم يُمنَح لها كتيب إرشادات أو دعم نفسي.. وحدها، تعلمت أن تطلب ما تحتاجه، أن تقول “لا أستطيع”، وأن تحمي حدودها.. أصبحت تضع سدادات الأذن في أي مكان صاخب، وتطلب طاولة منخفضة في المطاعم، وتسمح لنفسها بالراحة دون شعور بالذنب.
تقول إن الإعاقة غير المرئية لا تعني أنها غير حقيقية، وإن حقها في المقعد لا يتطلب إثباتًا لأحد. ما حدث في الحفل جعلها تُدرك أنها لم تعد بحاجة لتبرير ألمها أو ظروفها. كل ما تحتاجه هو الشجاعة لقول: “أنا أستحق هذا المكان”.