بين الدمج والتخصص.. «طريق الحياة» مركز مصري تعليمي متكامل للأطفال ذوي الإعاقة

بين الدمج والتخصص.. «طريق الحياة» مركز مصري تعليمي متكامل للأطفال ذوي الإعاقة

المحرر: محمود الغول - مصر
الاتفاق على إنشاء أول مدارس متخصصة في مصر لتعليم ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة

في العاصمة الإدارية الجديد شرقي القاهرة وعلى مقربة من المنشآت الحكومية الشاهقة والمؤسسات الحديثة، انطلقت مبادرة تعليمية في مصر من نوع مختلف، لا تتعلق بالبنية الفوقية للدولة بل بالبنية التحتية للعدالة التعليمية..

مبادرة «طريق الحياة» التي أعلنت عنها شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية بالتعاون مع مؤسسات بريطانية متخصصة، تسعى إلى إنشاء أول مركز تعليمي شامل ومتكامل للأطفال ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة والإعاقات (SEND) في مصر.

ورغم الترحيب الواسع بالمشروع الجديد كخطوة نحو تطوير البنية التحتية لتعليم ذوي الإعاقة، إلا أن المبادرة أعادت إلى السطح نقاشا قديما متجددا يتمحور حول السؤال: هل الأفضل للطلاب ذوي الإعاقة هو الدمج في المدارس العامة، أم التعليم في بيئات متخصصة؟ وهل تعكس هذه المبادرة تحولا استراتيجيا نحو التعليم الشامل، أم أنها تؤسس لنموذج بديل موجه لفئات محددة؟

في هذا التقرير نرصد أبعاد المبادرة ونتتبع التوجهات المتقاطعة في سياسات تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، في محاولة لرسم صورة أقرب للحقيقة.

من الرعاية إلى الحقوق
لسنوات طويلة،اعتمدت سياسات التعليم لذوي الإعاقة في مصر على النموذج العلاجي أو الخيري، حيث كان ينظر للطالب من ذوي الاحتياجات كحالة خاصة تحتاج إلى رعاية، لكن مع انضمام مصر إلى الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتحديدا المادة 24 التي تنص على الحق في التعليم الشامل، بدأت الدولة في التحول التدريجي نحو نموذج قائم على الحقوق.

هذا التوجه ترجم محليا بإصدار القانون رقم 10 لسنة 2018، وتضمين «الدمج التعليمي» كهدف رئيسي في رؤية مصر 2030، التي نصت على توفير بيئة تعليمية شاملة تدعم عملية دمج ذوي الإعاقة البسيطة والمتوسطة، وتحسين جودة مدارس التربية الخاصة للإعاقات الحادة والمتعددة.

ورغم هذا الإطار القانوني والحقوقي، يبقى التطبيق العملي مثقلا بتحديات بنيوية ومؤسسية تحول دون تحقق الدمج الفعلي، ما يدفع العديد من الأسر نحو المدارس المتخصصة كملاذ آمن.

زيادة كبيرة في عدد الطلاب ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة الذين تم دمجهم في التعليم في مصر
زيادة كبيرة في عدد الطلاب ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة الذين تم دمجهم في التعليم في مصر

استثمار في التخصص
يأتي إنشاء المركز الجديد في العاصمة الإدارية كاستجابة عملية لهذا الواقع، ووفق ما أعلن فإن المشروع سيشمل مدرسة متخصصة في التعليم الخاص ومركزا للتقييم والتشخيص ومركزا للتدريب المهني، إلى جانب منصة تعليم رقمي.

المركز الذي يقام بالتعاون مع مؤسسة «كافنديش للتعليم» البريطانية، يستهدف طيفا واسعا من الحالات التعليمية الخاصة، مثل التوحد واضطرابات الانتباه وعسر القراءة والصعوبات النفسية والاجتماعية.

وبحسب التصريحات الرسمية، فإن المبادرة لا تهدف فقط إلى تقديم خدمة تعليمية بل إلى بناء منظومة شاملة تشخيصية وتأهيلية وتدريبية، توظف فيها الخبرات الدولية لتأسيس معيار جديد في هذا المجال داخل مصر.

هذا التوجه نحو «التخصص عالي الجودة» يطرح تساؤلات حول موقع هذه المبادرة في سياق الدمج الشامل مثل هل تأتي لدعم هذا المسار؟ أم أنها تنشئ نموذجا موازيا قد يعزز من الفصل بين ذوي الإعاقة وزملائهم؟

واقع مدارس الدمج
منذ عام 2012 شهدت مصر ارتفاعا كبيرا في عدد الطلاب المسجلين في نظام التعليم الدامج، من أقل من 4 آلاف إلى أكثر من 150 ألفا في العام الدراسي 2023/2024 لكن هذا النجاح الكمي لا يخفي حقيقة أن كثيرا من حالات الدمج لا تزال رمزية، حيث يدرج الطالب في الفصل دون تقديم الدعم الكافي له.

يشير متخصصون إلى أن بيئات التعليم العام تفتقر إلى المقومات الأساسية لنجاح الدمج، مثل المعلمين المدربين والمرافق المهيأة والمساعدين التربويين، وفي كثير من الأحيان، يتعامل المعلم مع الطلاب ذوي الإعاقة كعبء إضافي لا كمكون أساسي في العملية التعليمية.

إضافة إلى ذلك لا تزال هناك فجوة في الاعتراف الأكاديمي بخريجي التعليم المدمج، ففي بعض الحالات لا يعترف بشهادة الطالب المدمج كمعادلة لشهادة التعليم العام التقليدي، مما يؤثر على فرصه في العمل أو في القبول بالجامعات أو النقابات.

دعم مكثف أم فصل مؤسسي
في المقابل توفر المدارس المتخصصة بيئة مصممة خصيصا لتلبية احتياجات الطلاب ذوي الإعاقة الشديدة أو المتعددة، فهذه المدارس تقدم برامج فردية وتضم كوادر علاجية وتربوية ونفسية متخصصة، وتهيئ بيئة نفسية أقل ضغطا على الطالب.

لكن في الوقت ذاته يرى خبراء أن الاعتماد المفرط على هذا النموذج يؤدي إلى عزل الطلاب عن أقرانهم، مما يضعف من قدراتهم على الاندماج الاجتماعي لاحقا وتتحول المدرسة المتخصصة رغم جودتها التعليمية إلى بيئة محمية، غير قادرة على إعداد الطالب للحياة العامة، سواء على المستوى المهني أو المجتمعي.

الخلط بين المصطلحات يزيد من إرباك المشهد فالمركز الجديد وصف بأنه شامل، رغم كونه متخصصا في طبيعته ويخشى البعض أن يؤدي ذلك إلى ما يسمى بالفصل المموه بالدمج، أي تقديم خدمات عالية الجودة بمعزل عن النظام العام،مما يكرس اللامساواة.

الخبراء التربويون يدفعون اليوم نحو تجاوز ثنائية «الدمج الكامل» أو «العزل الكامل»
الخبراء التربويون يدفعون اليوم نحو تجاوز ثنائية «الدمج الكامل» أو «العزل الكامل»،

سلسلة الخدمات:من الدمج إلى التخصص
الخبراء التربويون يدفعون اليوم نحو تجاوز ثنائية «الدمج الكامل» أو «العزل الكامل»، والتوجه بدلا من ذلك نحو نموذج «سلسلة الخدمات» (Continuum of Services)، هذا النموذج يرى أن لكل طالب احتياجه الخاص، وأن النظام التعليمي يجب أن يكون مرنا بما يسمح بتقديم الدعم في بيئات مختلفة، تبدأ من الفصل العادي وتنتهي بالمراكز المتخصصة.

في هذا السياق يمكن النظر إلى مبادرة طريق الحياة لا كبديل للدمج، بل كمكون من مكونات الدعم المتعدد المستويات.بشرط أن يتم ربط هذا المركز بالنظام العام، من خلال توفير برامج تدريبية لمعلمي المدارس الحكومية، ومراكز تقييم تشارك في صنع القرار التربوي، وليس كجزيرة تعليمية منفصلة.
والواقع يؤكد أن أكبر التحديات التي تواجه الدمج في مصر هي نقص الكوادر المؤهلة، سواء من المعلمين أو الأخصائيين، وتشير تقارير إلى أن نسبة كبيرة من المدارس تفتقر إلى معلم واحد على الأقل مؤهل للتعامل مع الإعاقة كما تعاني العديد من المدارس من نقص في الموارد والتجهيزات والبنية التحتية.

من هنا يبرز دور مركز التدريب المهني المزمع إنشاؤه ضمن مبادرة العاصمة الإدارية والذي إذا تم تفعيله كمنصة تدريب وطني يمكن أن يسد الفجوة في الكفاءات، ويرتقي بجودة التعليم الدامج، بدلا من أن يخدم فقط طلاب المركز نفسه.

 

المقالة السابقة
ريهام مرسي.. أم مصرية نقلت «الحثل الكظري» لولديها وحولت الألم لمنظمة عالمية
المقالة التالية
مصر تدعم أبطالها في بطولة العالم البارالمبية بنيودلهي 2025

وسوم

أمثال الحويلة (397) إعلان عمان برلين (460) اتفاقية الإعاقة (608) الإعاقة (142) الاستدامة (1099) التحالف الدولي للإعاقة (1072) التشريعات الوطنية (844) التعاون العربي (514) التعليم (83) التعليم الدامج (65) التمكين الاقتصادي (89) التنمية الاجتماعية (1094) التنمية المستدامة. (84) التوظيف (64) التوظيف الدامج (827) الدامج (56) الدمج الاجتماعي (637) الدمج المجتمعي (163) الذكاء الاصطناعي (86) العدالة الاجتماعية (72) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (508) الكويت (86) المجتمع المدني (1076) الولايات المتحدة (63) تكافؤ الفرص (1069) تمكين (87) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (527) حقوق الإنسان (76) حقوق ذوي الإعاقة (95) دليل الكويت للإعاقة 2025 (373) ذوو الإعاقة (156) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1037) ذوي الإعاقة (527) ذوي الهمم (58) ريادة الأعمال (395) سياسات الدمج (1057) شركاء لتوظيفهم (386) قمة الدوحة 2025 (649) كود البناء (449) لغة الإشارة (72) مؤتمر الأمم المتحدة (342) مجتمع شامل (1064) مدرب لغة الإشارة (640) مصر (84) منظمة الصحة العالمية (663)