جسور – وكالات
تطور علمي وطبي جديد، يبشر بثورة في حياة الملايين من ذوي الإعاقات الحركية حول العالم، يعزز فرص استقلالهم واعتمادهم على أنفسهم، كشف باحثون في ألمانيا والبرازيل والولايات المتحدة عن أنظمة روبوتية جديدة تعمل ببساطة عبر نظرة العين، لا أزرار، لا أوامر صوتية معقدة، فقط… نظرة.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، نشرت فرق بحثية دولية ابتكارات متقدمة تستخدم تتبع حركة العين للتحكم في أذرع روبوتية، ما يفتح آفاقًا غير مسبوقة في عالم المساعدة الشخصية لذوي الإعاقات الجسدية، ويقرب الحلم القديم بالاستقلال التام والاعتماد على الذات.
نظرة واحدة.. تكفي
الدراسة الأبرز جاءت من فريق ألماني بقيادة (Anke Fischer-Janzen)، حيث طوروا نموذجًا يُسمى “التحكم المشترك بالعين“، ويعتمد على مبدأ يُعرف في علم التفاعل الإنساني – الآلي باسم Wizard of Oz، حيث يتفاعل النظام مع المستخدم وكأنه يعمل بشكل ذاتي، بينما يتم التحكم به في الخلفية لتقييم مدى فعالية التجربة.
النموذج يدمج بين تتبع العين والذكاء الاصطناعي، ما يتيح للمستخدم اختيار أشياء محددة بعينيه، بينما يتكفل الذكاء الصناعي بتحديد نية الفعل، وتنفيذ الأمر بدقة وأمان.. والنتائج الأولية كانت مبهرة، النظام أظهر قدرة على تقليل الجهد الذهني للمستخدم، وسرعة في أداء المهام اليومية بنسبة تفوق 40% مقارنة بالأنظمة التقليدية.
الواقع المختلط يدخل اللعبة: مشروع MIHRaGe
وفي دراسة أخرى نُشرت في 6 مايو 2025، قدم باحثون من جامعة ساو باولو ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) واجهة جديدة تُدعى MIHRaGe، تدمج بين الواقع المختلط (Mixed Reality) وتتبع العين للتحكم بذراع روبوتية بشكل بصري بالكامل.
الواجهة تعتمد على نظارات ذكية من نوع Tobii Pro Glasses 2، تعرض للمستخدم الروبوت ومجاله البصري بتقنية الواقع المعزز، بحيث يرى كل حركة متوقعة من الروبوت قبل أن تقع. هذه “الشفافية التفاعلية” تزيد ثقة المستخدم وتقلل من الأخطاء.
في التجارب الأولية، استطاع المشاركون التحكم في الروبوت بدقة عالية، وبلغت نسبة نجاح المهام 80%، مع هامش خطأ لا يتعدى 2 سم في تحديد الأهداف.
حين تتحول النظرة إلى قوة
ما يجمع بين هذين المشروعين هو الفكرة الثورية بأن النظرة وحدها قد تكون كافية للسيطرة على محيط كامل.. هذا التحول يمثل قفزة نوعية في مفهوم الاستقلال الشخصي، لا سيما لفئات تعاني من شلل رباعي أو أمراض عصبية مزمنة.
وتشير الدراسات إلى أن أنظمة “التحكم المشترك” تقدم نموذجًا متزنًا، يجمع بين أمان الاستخدام والدقة، دون الاعتماد الكامل على تقنيات الذكاء الاصطناعي التي لا تزال قيد التطوير الكامل في هذا السياق.
من المختبر إلى الواقع
رغم أن هذه الابتكارات ما زالت في مراحل الاختبار، إلا أن الطريق أصبح ممهدًا لطرحها تجاريًا خلال العامين المقبلين، مع دعم متزايد من شركات طبية وتقنية كبرى. ومن المتوقع أن يتم دمج هذه الأنظمة في كراسي كهربائية متقدمة أو وحدات منزلية مساعدة للأكل والشرب والكتابة.
ويأمل الباحثون أن تشهد المرحلة المقبلة توسيع قاعدة التجارب لتشمل مستخدمين فعليين من ذوي الإعاقات، لتطوير النظام استنادًا إلى تجارب حقيقية، وليس فقط نماذج أولية.
حلم الاستقلال.. صار أقرب
لم يعد الحديث عن روبوتات تساعد ذوي الهمم مجرد ترف أو خيال علمي.. نحن الآن أمام بوادر نظام حقيقي، يتفاعل معك دون لمس أو صوت، بل بنظرة صامتة تُترجمها خوارزميات ذكية إلى حركة دقيقة.
إنه اختراع يهدف إلى راحة المستخدم، ويعيد تعريف الكرامة الإنسانية، حين يصبح الإنسان مهما كانت إعاقته قادرًا على التحكم في عالمه، بعينيه فقط.. في زمن تتصارع فيه التكنولوجيا والإنسانية، يبدو أن الروبوتات المساعدة تُجسد أخيرًا المعادلة الأجمل: تكنولوجيا بقلب إنسان.