بريطانيا- جسور- فاطمة الزهراء بدوي
في 30 يونيو 2020، ألقى الدكتور ميرو غريفيثس Miro Griffiths، الناشط البريطاني، والباحث في دراسات الإعاقة، عرضًا مؤثرًا ضمن مشروع “صوتنا” التابع لتحالف التعليم الشامل ALLFIE، تناول فيه أهمية تمكين الشباب من ذوي الإعاقة، وضمان مشاركتهم المؤثرة في السياسات والنقاشات العامة.
كان العرض محطة فارقة في مسيرة مستمرة، نحو مجتمع أكثر شمولًا وعدالة.
يُعد غريفيثس من أبرز الأصوات في حركة حقوق ذوي الإعاقة في أوروبا، بدأ حديثه بسرد تجربته الشخصية، متذكرًا كيف نشأ في بيئة تُعلي من شأن الطب على حساب الكرامة الإنسانية، وكيف كانت التوقعات الموجهة إليه منخفضة، بسبب نظرة المجتمع التقليدية للإعاقة، لكن تحوله جاء حين تعرف في سن المراهقة على النموذج الاجتماعي للإعاقة، الذي لا يرى العجز في الجسد؛ بل في الحواجز البيئية والثقافية المحيطة.
خلال عرضه، شدد على أن مشاركة الشباب من ذوي الإعاقة لا يجب أن تكون رمزية أو شكلية. قائلاً: “الكثير من المنظمات تفتح أبوابها للشباب فقط حين يتعلق الأمر بملفاتهم، كأنهم لا يملكون رأيًا إلا فيما يخص أعمارهم” واعتبر أن هذه النظرة تسلبهم حقهم الكامل في التعبير عن آرائهم في قضايا السياسة، الاقتصاد، الحقوق، والتعليم.
أحد أهم المحاور في حديثه تمثل في انتقاد الفصل بين العمل الأكاديمي والنشاط الحقوقي، فقد اختار غريفيثس أن يكون أكاديميًا وناشطًا في آنٍ معًا، معتبرًا أن البحث العلمي يجب أن ينطلق من تجارب الحياة الواقعية لأصحاب الإعاقة، ويعود إليهم بشكل ملموس، لا أن يبقى حبيس الكتب والمؤتمرات، وهو اليوم باحث في جامعة ليدز، حيث يقود مشروعات تربط بين النظرية والتطبيق في مجالات العدالة والتمكين.
في هذا السياق، تحدث عن أهمية التعليم الشامل، لكنه رفض الاعتراف بالأنظمة الحالية التي تدمج الطلاب ذوي الإعاقة شكليًا، دون تغيير جوهري في المناهج، أو تدريب المعلمين، أو تكييف البيئة الدراسية.
يقول”الدمج الحقيقي لا يعني مجرد وجود طفل على مقعد دراسي؛ بل أن يكون لهذا الطفل صوت، وأدوات تعبير، ودعم حقيقي ليشارك كباقي زملائه”.
كما سلط الضوء على العوائق التي يواجهها الشباب من ذوي الإعاقة، داخل منظماتهم، مشيرًا إلى أن الكثير من الأفكار تُقابل بالرفض أو التجاهل من الجيل الأقدم من النشطاء. ورفض فكرة أن تكون الخبرة شرطًا مسبقًا للمشاركة، قائلاً: “بعض الشباب لديهم أفكار قوية، لكن تُغلق الأبواب أمامهم لأنهم لا يملكون سنوات طويلة من العمل.. وهذا ظلم يجب تغييره”.
واعتبر أن كل من يعمل في الحقل الحقوقي، سواء كان ناشطًا، باحثًا، أو صانع سياسات، جزء من منظومة متكاملة، لكل فرد فيها دور مختلف لكنه ضروري، فالبعض يكتب السياسات، وآخرون يقودون التظاهرات، وآخرون ينتجون الأدلة والبراهين، والكل في النهاية يسعى نحو الهدف ذاته، مجتمع يتسع للجميع دون استثناء.
اللافت في عرضه أنه لا يتوقف عند حدود الإعاقة، حيث يتبنى تقاطع القضايا.. يرى أن قضايا المناخ، والعرق، والنوع الاجتماعي، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعدالة لذوي الإعاقة، وأن النضال الحقوقي لا يجب أن يكون مجزأ، بل متكامل “نحن لا نحارب فقط من أجل أنفسنا، ولكن من أجل شكل مختلف لهذا العالم، أكثر عدلًا، وانفتاحًا، ورحمة”.
يعتبر عرض ميرو غريفيثس في مثل هذا اليوم أكبر من مجرد كلمات تُقال ثم تُنسى، بل وثيقة نضالية تُضاف إلى أرشيف طويل من الكفاح. وقدم من خلاله رسالة قوية مفادها أن الشباب، متى ما أُعطوا الفرصة والدعم، يمكنهم أن يكونوا قادة حقيقيين لحركة التغيير.