ثورة طبية..علاج يمنح حديثي الولادة المصابين بضمور العضلات الشوكي فرصة للحياة

ثورة طبية..علاج يمنح حديثي الولادة المصابين بضمور العضلات الشوكي فرصة للحياة

المحرر: محمود الغول - مصر

يمثل علاج ضمور العضلات الشوكي (Spinal Muscular Atrophy – SMA) لحديثي الولادة بدواء ريزديبلان (risdiplam) إنجازا طبيا تاريخيا، وخطوة عملاقة نحو تغيير مسار مرض كان يعتبر قاتلا في كثير من الأحيان، فنتائج التجربة السريرية الدولية الأخيرة لم تظهر فقط أن العلاج آمن وفعال للرضع، بل أكدت أيضا أن البدء به فور الولادة، وقبل ظهور الأعراض، يمكن أن يمنح هؤلاء الأطفال فرصة حقيقية لحياة طبيعية.

في الثالث عشر من أغسطس الجاري، نشر تقرير مطول تحت عنوان «دراسة سريرية تظهر أن حديثي الولادة المصابين بضمور العضلات الشوكي (SMA) يمكنهم بدء العلاج عند الولادة»، على الموقع الإلكتروني لمستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال (St. Jude Children’s Research Hospital) هو مستشفى أمريكي رائد يقع في ممفيس بولاية تينيسي. وهو ليس مجرد مستشفى عادي، بل هو مؤسسة فريدة من نوعها تركز بشكل خاص على علاج أشد الأمراض التي تهدد حياة الأطفال، وعلى رأسها السرطان.

ريتشارد فينكل، مدير مركز العلاجات العصبية التجريبية

فهم ضمور العضلات الشوكي

ضمور العضلات الشوكي هو مرض وراثي نادر، ينتج عن طفرة في جين يسمى SMN1. هذا الجين مسؤول عن إنتاج بروتين حيوي يعرف باسم بروتين بقاء الخلايا العصبية الحركية (SMN). هذا البروتين ضروري لوظيفة الخلايا العصبية الحركية في الحبل الشوكي، وهي الخلايا التي تتحكم في حركة العضلات. يؤدي نقص هذا البروتين إلى ضمور هذه الخلايا العصبية، ما يسبب ضعفا تدريجيا في العضلات، وصعوبة في الحركة، والتنفس، والبلع.

تاريخيا، كان الأطفال المصابون بأشد أنواع هذا المرض (النوع الأول) لا يتمكنون من الوصول إلى مراحل النمو الحركي الطبيعية مثل الجلوس أو المشي، وغالبا ما كانت أعمارهم لا تتجاوز العامين بسبب فشل الجهاز التنفسي.

كيف يعمل ريزديبلان؟

ريزديبلان هو دواء يؤخذ عن طريق الفم، ويستهدف حل المشكلة من جذرها، بدلا من استبدال الجين المفقود، يعمل الدواء على تعديل طريقة معالجة الجسم لجين آخر شبيه يسمى SMN2. هذا الجين ينتج كميات قليلة جدا من بروتين SMN، لكنه ليس كافيا للوقاية من المرض. يقوم ريزديبلان بتوجيه جين SMN2 لإنتاج كميات أكبر من البروتين الضروري، وبالتالي يعوض النقص الحاد في بروتين SMN ويمنع موت الخلايا العصبية الحركية.

الميزة الكبرى لهذا الدواء هي أنه يمكن إعطاؤه عن طريق الفم، مما يجعله سهل الاستخدام ومتاحا للمرضى في المنازل، على عكس بعض العلاجات الأخرى التي تتطلب حقنا في الحبل الشوكي.

تفاصيل الدراسة ونتائجها المذهلة

قاد هذه الدراسة الرائدة الدكتور ريتشارد فينكل، مدير مركز العلاجات العصبية التجريبية بمستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال، التجربة المعروفة باسم RAINBOWFISH، ركزت على مجموعة من حديثي الولادة الذين تم تشخيصهم وراثيا بالإصابة بضمور العضلات الشوكي قبل ظهور أي أعراض، بدأ الأطفال بتلقي الدواء يوميا خلال الأسابيع الستة الأولى من حياتهم.

تحقيق إنجازات حركية غير مسبوقة: من بين الأطفال الثمانية الذين كانوا معرضين للإصابة بأشد أنواع المرض (النوع الأول)، تمكن سبعة منهم من الجلوس بحلول الشهر الثاني عشر، وخمسة منهم كانوا يمشون بشكل مستقل بنهاية فترة الدراسة.

غياب الوفيات: لم تسجل أي وفيات بين المشاركين، وهو إنجاز هائل مقارنة بالمعدلات التاريخية للمرض.

سلامة الدواء: أظهرت الدراسة أن ريزديبلان كان آمنا بشكل جيد لحديثي الولادة، ولم تظهر أي آثار جانبية كبيرة مرتبطة بالعلاج.

تأثير على الفئات الأقل شدة: بالنسبة للأطفال الذين كانوا متوقعا إصابتهم بأشكال أقل حدة من المرض، فإن جميعهم تمكنوا من الجلوس والمشي ضمن إطارات زمنية مماثلة للأطفال الأصحاء، مما يؤكد فعالية العلاج في جميع أطياف المرض.

وقد علق الدكتور فينكل على هذه النتائج بقوله: “كل يوم يمر له أهميته. لقد تعلمنا أنه من الضروري بدء العلاج في أقرب وقت ممكن. فالتدخل المبكر يمنع فقدان الخلايا العصبية قبل أن يبدأ، مما يحافظ على الوظيفة الحركية ويسمح للأطفال بالنمو بشكل طبيعي.”

نحو حياة طبيعية لمرضى ضمور العضلات الشوكي

تعتبر هذه الدراسة خطوة هامة نحو هدف نهائي يتمثل في منح جميع الأطفال المصابين بضمور العضلات الشوكي فرصة لحياة طبيعية. لقد أدت هذه النتائج بالفعل إلى موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على توسيع نطاق استخدام دواء ريزديبلان ليشمل الأطفال الأصغر سنا.

ومع أن ريزديبلان ليس علاجا شافيا للمرض، إلا أن نجاحه في الحفاظ على الوظائف الحركية يشجع الباحثين على استكشاف علاجات جديدة، بما في ذلك العلاج الجيني. كما أن الدراسة لا تزال مستمرة، ويسعى الباحثون لاستكشاف إمكانيات العلاج في مرحلة ما قبل الولادة، وهو ما أظهر نتائج واعدة في تجربة سريرية سابقة.

إن نتائج هذه الدراسة لا تقدم فقط علاجا فعالا، بل تقدم أيضا الأمل لمئات الأسر حول العالم التي تواجه هذا التشخيص الصعب، مؤكدة أن العلم يمكن أن يغير حياة الأطفال من اللحظة الأولى.

 ضمور العضلات الشوكي في المنطقة العربية

في المنطقة العربية، يشكل ضمور العضلات الشوكي (SMA) تحديا صحيا كبيرا، نظرا لكونه مرضا وراثيا شائعا نسبيا، ومع التطورات الأخيرة في مجال العلاج، بدأت العديد من الدول العربية في اتخاذ خطوات مهمة لمواجهة هذا المرض، من التشخيص المبكر إلى توفير العلاجات المتقدمة.

تواجه العائلات في المنطقة العربية تحديات كبيرة عند تشخيص أحد أفرادها بمرض ضمور العضلات الشوكي، أبرزها ارتفاع تكلفة العلاجات المتقدمة التي يمكن أن تصل إلى ملايين الدولارات للجرعة الواحدة. ورغم ذلك، هناك جهود حثيثة من قبل الحكومات والمؤسسات الصحية لتوفير الدعم اللازم:

أطلقت مصر مبادرة رئاسية إنسانية لعلاج مرضى الضمور العضلي الشوكي على نفقة الدولة. وقد خصصت الحكومة 24 عيادة لإجراء الفحوصات اللازمة و3 مراكز رئيسية لتوفير العلاج، منها مركز في معهد ناصر ومستشفى عين شمس الجامعي. تسعى المبادرة أيضا إلى توفير الفحص الجيني قبل الزواج للحد من انتشار المرض.

كما بعد  يعد سدرة للطب في قطر مركزا علاجيا رائدا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعلاج ضمور العضلات الشوكي. يتميز المركز بتوفير العلاج الجيني المتقدم (Zolgensma) ويشارك في التجارب السريرية لتقييم علاجات جديدة.

وفي الإمارات العربية المتحدة استطاعت مستشفيات مثل مستشفى الجليلة للأطفال وبرجيل أبوظبي علاج أكثر من 100 حالة، باستخدام العلاج الجيني زولجنسما (Zolgensma). وقد تكفل عدد من الشخصيات والبرامج الحكومية بتكاليف العلاج الباهظة لعدد من الحالات.

وفي سياق متصل،  اعتمدت وزارة الصحة السعودية 4 مراكز متخصصة لعلاج الضمور العضلي الشوكي، في إطار سعيها لرفع معدل التزام المرضى بالبروتوكول العلاجي وتسهيل عملية المتابعة.

عدد مرضى ضمور العضلات الشوكي (SMA) في الوطن العربي

تقدير عدد مرضى ضمور العضلات الشوكي (SMA) في الوطن العربي يمثل تحديا كبيرا بسبب قلة الدراسات الشاملة والبيانات الرسمية الموحدة على مستوى المنطقة، ومع ذلك، تشير الدراسات المتاحة إلى أن معدل انتشار المرض في الدول العربية أعلى بكثير من المتوسط العالمي، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى ارتفاع معدلات زواج الأقارب.

أرقام وتقديرات

تشير دراسات إلى أن إجمالي عدد المصابين بضمور العضلات الشوكي في المملكة العربية السعودية قد يصل إلى 2,265 شخصا تقريبا. ويقدر معدل ولادة طفل مصاب بالمرض بحوالي 32 حالة لكل 100,000 ولادة.

في سياق مبادرة العلاج الرئاسية المصرية، تم رصد حوالي 1740 طفلا مصابا بضمور العضلات الشوكي. وقد تم حصر 60 حالة جاهزة لتلقي العلاج في مرحلة سابقة. وتشير دراسة إلى أن معدل الإصابة في مصر يبلغ 17.7 حالة لكل 100,000 ولادة.

كذلك تشير دراسة حديثة إلى أن معدل ولادة طفل مصاب ب SMA في الإمارات يبلغ 1 من كل 7122 ولادة حية. هذا الرقم يظهر أن المرض منتشر بشكل أكبر مما كان متوقعا في السابق.

يعتقد أن معدل انتشار ضمور العضلات الشوكي في دول مجلس التعاون الخليجي قد يكون أعلى ب 50 مرة على الأقل من الولايات المتحدة، حيث يتجاوز 50 حالة لكل 100,000 ولادة حية.

أسباب ارتفاع المعدلات في المنطقة العربية

السبب الرئيسي لهذا الانتشار المرتفع هو زواج الأقارب ، فضمور العضلات الشوكي هو مرض وراثي متنحي، مما يعني أن الطفل لا يولد مصابا بالمرض إلا إذا ورث جينا معيبا من كلا الوالدين. وعندما يتزوج الأقارب، تزداد احتمالية أن يكون كلاهما حاملين لنفس الجين المعيب، وبالتالي تزداد فرصة إنجاب طفل مصاب. تشير دراسات في السعودية والجزائر إلى أن أكثر من نصف حالات SMA كانت لها علاقة بزواج الأقارب.

———————–

البيانات الأساسية للدراسة

الاسم : RAINBOWFISH

الموضوع: فعالية وسلامة دواء ريزديبلان في حديثي الولادة المصابين بضمور العضلات الشوكي قبل ظهور الأعراض.

نوع الدراسة: تجربة سريرية من المرحلة الثانية (Phase 2 Clinical Trial).

الجهات المشاركة:

الراعي: F. Hoffmann–LaRoche Ltd.

القيادة: قاد الدراسة الدكتور ريتشارد فينكل من مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال، بالتعاون مع باحثين من عدة مراكز دولية، مثل مستشفى نمور للأطفال في الولايات المتحدة، وجامعة أكسفورد.

تاريخ النشر: 13 أغسطس 2025.

المجلة العلمية: مجلة New England Journal of Medicine.

عدد المشاركين: 23 طفلا حديث الولادة أكملوا الدراسة.

المقالة السابقة
بني مصطفي: نستثمر في قدرات ذوي الإعاقة لدمجهم في المجتمع الأردني
المقالة التالية
ماريا.. الناجية الوحيدة التي أطفأ المحتل نور عينيها في مجزرة غزة

وسوم

أصحاب الهمم (43) أمثال الحويلة (387) إعلان عمان برلين (391) اتفاقية الإعاقة (519) الإعاقة (70) الاستدامة (688) التحالف الدولي للإعاقة (695) التشريعات الوطنية (516) التعاون العربي (400) التعليم (36) التعليم الدامج (36) التمكين الاقتصادي (50) التنمية الاجتماعية (687) التنمية المستدامة. (47) التوظيف (33) التوظيف الدامج (648) الدمج الاجتماعي (570) الدمج المجتمعي (106) الذكاء الاصطناعي (55) العدالة الاجتماعية (52) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (393) الكويت (54) المجتمع المدني (685) الولايات المتحدة (47) تكافؤ الفرص (679) تمكين (39) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (489) حقوق الإنسان (58) حقوق ذوي الإعاقة (68) دليل الكويت للإعاقة 2025 (367) ذوو الإعاقة (86) ذوو الاحتياجات الخاصة. (658) ذوي الإعاقة (243) ذوي الهمم (40) ريادة الأعمال (380) سياسات الدمج (671) شركاء لتوظيفهم (375) قمة الدوحة 2025 (367) كود البناء (366) لغة الإشارة (40) مؤتمر الأمم المتحدة (329) مجتمع شامل (679) مدرب لغة الإشارة (545) مصر (30) منظمة الصحة العالمية (564)