حجر الزاوية.. لماذا حظرت «التعليم» المصرية نقل معلمي التربية الخاصة؟

حجر الزاوية.. لماذا حظرت «التعليم» المصرية نقل معلمي التربية الخاصة؟

المحرر: محمود الغول - مصر
العلاقة بين الطالب ذي الإعاقة ومعلمه المتخصص هي حجر الزاوية في العملية التعليمية

في هذا التقرير الموسع نحاول استكشاف الأبعاد النفسية والتعليمية للقرار المصري بمنع نقل معلمي التربية الخاصة، وتوثيق كيف يؤثر دوران الكوادر المتخصصة سلباً على الاستقرار السلوكي لطلاب الدمج.

العلاقة بين الطالب ذي الإعاقة ومعلمه المتخصص هي «حجر الزاوية» في العملية التعليمية، فهي ليست مجرد علاقة نقل معرفة، بل هي رابط نفسي وسلوكي عميق يضمن الاستقرار ويسهل التعلم، وفي خطوة تعكس وعيا متزايدا بأهمية هذا الاستقرار، أصدرت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر توجيهًا رسمياً يشدد على عدم نقل أو ندب المعلمين المتخصصين من مدارس التربية الخاصة.

هذا القرار المستند إلى القرار الوزاري رقم 291 لسنة 2017، هو اعتراف تشريعي بأن أي تغيير مفاجئ في الكوادر التعليمية المتخصصة يعد إخلالا بمبدأ الاستمرارية في تقديم الخدمات التربوية.

طالع: مصر تُلزم المديريات بعدم نقل معلمي التربية الخاصة حمايةً لاستقرار طلاب ذوي الإعاقة

بالنسبة للطلاب ذوي الإعاقة، وخاصة أولئك الذين يعانون من تحديات في التواصل أو السلوك، يتجاوز دور المعلم حد التدريس الأكاديمي ليصبح بمثابة «مرسى الأمان» الذي يوفر البيئة المستقرة التي يحتاجها الطالب للنمو.

وبناء هذه العلاقة يتطلب استثماراً زمنياً وعاطفياً كبيراً من المعلم لفهم دقيق وحساس للاحتياجات الفردية للطالب، وتغيير المعلم له تأثير سلبي مضاعف على فئات معينة من الطلاب.

على سبيل المثال يعتمد الطلاب الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد (ASD) بشكل كبير على الروتين الصارم لضمان استقرارهم النفسي، وعندما يغادر معلمهم لا يخسر الطالب دليله التعليمي فحسب، بل يخسر أيضاً الروتين السلوكي والعاطفي الذي بُني بعناية.

هذا الفقدان المفاجئ يمكن أن يهدم التقدم المكتسب ويؤدي إلى ما يعرف بـ «التراجع السريري»، ويكمن التحدي الأعمق في أن المعلم الراحل يأخذ معه «المعرفة الضمنية» (Tacit Knowledge) – وهي مجموعة البيانات غير الرسمية والملاحظات الدقيقة حول محفزات الطالب وطرق استجابته لأزمة معينة وهي معلومات حيوية لا يمكن تسجيلها بالكامل في الوثائق الرسمية لخطة التعليم الفردي (IEP).

 محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر
محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر

الدوران الوظيفي وأزمة العدالة التعليمية
ظاهرة دوران المعلمين (Teacher Turnover سواء بالنقل بين المدارس أو ترك المهنة بالكامل، يمكن وصفها بأنها «قنبلة موقوتة» في نظام التعليم الخاص، إذ تُشير الأبحاث العالمية بوضوح إلى أن الطلاب ذوي الإعاقة (SWDs) هم الفئة الأكثر تضرراً من عدم استقرار الكوادر التعليمية.

 ويتفاقم هذا التأثير السلبي بشكل خاص عندما يغادر معلمو التربية الخاصة تحديداً، حيث يعيق الدوران الوظيفي تنفيذ خطط IEP الملزمة قانونياً، ويشل محور التنسيق الذي يضمن تفعيل الخدمات ذات الصلة (مثل علاج النطق).

 كما يقع العبء على معلمي التعليم العام الذين قد يكونون غير مؤهلين لتلبية احتياجات هذه الفئة، كما أن الدوران المرتفع في هذا المجال يمثل أزمة عدالة تعليمية، حيث تفشل الأنظمة التي تسمح بهذا التغير المتكرر في حماية الحقوق التعليمية للفئات الأكثر ضعفاً، مما يجعل التدخل التشريعي، كالحظر المصري، خطوة ضرورية لحماية الاستقرار.

ما بعد منع نقل معلمي التربية الخاصة
على الرغم من أهمية قرار المنع الذي يعالج العرَض، يجب النظر في الدوافع الجذرية التي تجعل معلمي التربية الخاصة أكثر عرضة للدوران، حيث يُعد عبء الدور الوظيفيعاملاً رئيسياً، حيث يتحمل المعلمون مسؤوليات إدارية ومهنية متراكمة.

 لذلك ولكي يكون قرار المنع فعّالاً ومستداماً يجب أن يترافق مع تدابير داعمة تعالج عبء العمل، وإلا فإن القرار قد يدفع المعلمين إلى ترك المهنة بالكامل هرباً من الضغوط، ويتطلب الاستبقاء تطبيق نموذج مزدوج يجمع بين الجذب المالي والدعم الهيكلي.

ويشمل ذلك الحوافز المالية الفعالة مثل مكافآت لمرة واحدة أو برامج تسديد القروض، التي أثبتت فعاليتها في تقليل معدل استنزاف المعلمين الأكفاء، لكن الاستبقاء الحقيقي يعتمد على تحسين بيئة العمل وتوفير الدعم الهيكلي، مثل تخفيف عبء العمل بتوفير المساعدين التربويين، وتوفير الدعم الإداري الفعال، ومشاركة المسؤولية بين معلمي التعليم العام والخاص.

الاستقرار المهني للمعلم المتخصص هو شرط أساسي لتحقيق جودة الخدمات المقدمة للطلاب ذوي الإعاقة

ويمثل التوجيه المصري بمنع نقل معلمي التربية الخاصة خطوة بالغة الأهمية على مستوى السياسات، إذ يعترف بشكل صريح بأن الاستقرار المهني للمعلم المتخصص هو شرط أساسي لتحقيق جودة الخدمات المقدمة للطلاب ذوي الإعاقة.

ولضمان استدامة هذا القرار وجودته، يوصي التحليل بتطبيق التوصيات السياسية التالية للمضي قدماً، ويجب على النظم التعليمية التركيز على مكافحة الأسباب الجذرية للاستنزاف عبر تحسين ظروف العمل بشكل هيكلي وتخفيف الأعباء الإدارية لتقليل الإجهاد المهني.

كما يجب بناء خطط استبقاء رسمية تجمع بين الحوافز المالية الفعالة والدعم الهيكلي، وتترافق مع تعزيز التدريب والكفاءة لمعلمي التعليم العام لخدمة الطلاب ذوي الإعاقة في فصول الدمج.

 وأخيراً.. من الضروري أن تتبنى الوزارة آليات لتقييم الأثر المباشر لمنع النقل على مؤشرات أداء الطلاب ذوي الإعاقة، مثل معدلات التحصيل الأكاديمي ومستويات الاستقرار السلوكي.

المقالة السابقة
غانا.. هيئة الأمن السيبراني تبحث حماية الأطفال ذوي الإعاقة على الإنترنت
المقالة التالية
مصر.. زيارات تفتيشية لـ121 دار رعاية وضبط مخالفات في مؤسسات ذوي الإعاقة

وسوم

أمثال الحويلة (437) إعلان عمان برلين (513) اتفاقية الإعاقة (659) الإعاقة (149) الاستدامة (1158) التحالف الدولي للإعاقة (1130) التشريعات الوطنية (902) التعاون العربي (572) التعليم (89) التعليم الدامج (66) التمكين الاقتصادي (96) التنمية الاجتماعية (1152) التنمية المستدامة. (95) التوظيف (70) التوظيف الدامج (881) الدامج (61) الدمج الاجتماعي (687) الدمج المجتمعي (171) الذكاء الاصطناعي (91) العدالة الاجتماعية (81) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (563) الكويت (98) المجتمع المدني (1132) الولايات المتحدة (67) تكافؤ الفرص (1124) تمكين (95) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (569) حقوق الإنسان (85) حقوق ذوي الإعاقة (100) دليل الكويت للإعاقة 2025 (414) ذوو الإعاقة (163) ذوو الاحتياجات الخاصة. (1084) ذوي الإعاقة (564) ذوي الهمم (62) ريادة الأعمال (441) سياسات الدمج (1109) شركاء لتوظيفهم (432) قمة الدوحة 2025 (699) كود البناء (499) لغة الإشارة (77) مؤتمر الأمم المتحدة (389) مجتمع شامل (1120) مدرب لغة الإشارة (689) مصر (108) منظمة الصحة العالمية (713)